الهدنة ومجلس الرئاسة المؤقت

> الهدنة لا تعني توقف الحرب ولكنها فترة استراحة وتأمل لما يمكن عمله لاحقا هل سيكون من المصلحة مواصلة الحرب أم أن المصلحة تقتضي الجنوح للسلم وكل خيار له تكاليفه البشرية والمادية وكل طرف يحسبها من حيث الفائدة التي يجنيها أو الخسارة التي يتحملها.

قبل الهدنة حصل الحوثي بلا شك على ضوء أخضر من الرعاة الذي يساندونه بأن يكثف الحملات الصاروخية والطائرات المسيرة باتجاه المنشآت السعودية، والهدف التأثير على مجرى الحرب في مركز التحالف الذي يقود الحرب، وهذا العمل يحمل أهدافًا على عدة مستويات منها ما يخدمه نفسه، حيث يظهر قوته ويحاول ابتزاز السعودية للرضوخ لمطالبه التي حقق بعضها ومنها ما يخدم إيران في ضغطها بشأن ملفها النووي ومنها ما يخدم أمريكا والغرب بسبب رفض السعودية زيادة إنتاج النفط لتعويض النقص في الإمداد العالمي للطاقة بسبب العقوبات التي فرضت على روسيا.

في المقابل، فهمت الشرعية الهدنة على أنه استراحة استرخاء للولوج في مفاوضات السلام ومعتمدة على اندفاع المجتمع الدولي نحو إنهاء الحرب باليمن ولَم تكلف نفسها البحث عن خيارات أخرى تستطيع أن تؤثر على مجرى العملية السياسية التفاوضية لصالحها من خلال إحراز تقدم عسكري على الأرض لتقليص الفارق بينها وبين الحوثي الذي أصبح يملك زمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان بينما الشرعية أضاعتها، وهذه هي نقطة ضعفها الكبير التي وضعت نفسها في معادلة الحرب والسلم وهي أيضًا نقطة ضعف التحالف الذي ركن على جيش الشرعية الذي لم يحصد غير الهزائم طوال سنوات الحرب الماضية.

الحرب ممكن أن تستأنف في أي وقت وخاصة وشهية ايران والحوثي انفتحت على مصراعيها عندما تم إعلان الهدنه بهذه الطريقة التي تنم عن انتصار حققه الحوثي من خلال موافقة التحالف والشرعية على شروطه ومع الاسف كان ضغط المجتمع الدولي مؤثر والذي مارس على التحالف والشرعية نحو إنهاء الحرب بينما يغض النظر عن ممارسات إيران والحوثي في الميدان

بعدها حاولت السعودية على عجل وعبر دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي اجراء عملية جراحية تشاوريه سياسية لإعادة الامور إلى نصابها وأنتجت نقل مهام الشرعية الى مجلس قيادي رئاسي مؤقت مهمته إجراء عملية تفاوضية مع الحوثي لإنهاء الحرب باليمن ولكن دون وضوح في كيفية التفاوض وكذا عدم الوضوح في التعامل مع فشل المفاوضات والتي حتما سيفشل الحوثي مساعي السلام لأنه حتى الآن غير معترف بالمجلس الرئاسي المشكل، وفي نفس الوقت غير مستعد لأن يسلم ما حققه من مكاسب أثناء الحرب بالسلم وعبر التفاوض.

الحوثي أصبح بعد ثمان سنوات حرب حاكما فعليا لغالبية جغرافية الجمهورية العربية اليمنية وهو يبني نظام لا هو ملكي ولا جمهوري ولكنه خليط من هذا وذاك وطبق الأصل لنظام ولاية الفقيه ويتطابق معه شكلا ومضمونا السؤال كيف يمكن إجباره على المثول لنظام الجمهورية اليمنية، ومن جانب آخر كيف يمكن إجباره على التفاوض دون تغيير ميزان القوى على الأرض.

الآن المجلس الرئاسي أمام امتحان صعب هل سيسرف في هدر الوقت بالشكليات المراسيمية وبممارسة السلطة في عدن ليفرض امر واقع جديد على الجنوب لصالح شرعية لم تستطع ان تغير ميزان القوى على الارض في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية والتي كانت ستجبر الحوثي على تغيير نهج سلطته التي تتعارض مع نهج ومسار الجمهورية وهنا تكمن المعادلة الصعبة فالحرب أفرزت ساحتان شمال يسيطر عليها الحوثي وجنوب يسيطر عليها المجلس الانتقالي ولا يوجد مخرج امام المجلس الرئاسي للتحرك في تلك الساحات الا بالعمل على ثلاث اتجاهات رئيسية.. في الشمال يكون العمل عسكريا وفي الجنوب يكون العمل تنمويا وخدميا.

الاتجاه الأول أن يشكل إدارة للعمليات القتالية في نطاق الجمهورية العربية اليمنية للتعاطي مع الوضع القائم مهمتها القيام بحشد القوات من مناطق حضرموت والمهرة وشبوه وشقره من القوات التابعة للجيش الوطني ويتم توزيعها على الجبهات وهذه الادارة العملياتية مهمتها التخطيط والتجهيز العسكري لاستعادة الأراض لتعديل ميزان القوى لصالح المجلس والهدف هو تعزيز الموقف التفاوضي للمجلس واظهار الجدية اللازمة لإجبار الحوثي للامتثال والعودة الى لثوابت الجمهورية.

الاتجاه الثاني بهدف تطمين الجنوبيين بان لا يكرر هذا المجلس ما مارسته الشرعية من حصار قاتل للجنوب وضياع البوصلة على المجلس الرئاسي إصدار مرسوم يكلف فيه المجلس الانتقالي ادارة المحافظات الجنوبية المحررة بمشاركة توليفة جنوبية من بقية القوى السياسية تعطى فيها صلاحيات لا مركزية في ادارة الامن والتنمية والخدمات وادارة الموارد لتلبية متطلبات الادارة الناجحة في كافة المجالات.

الاتجاه الثالث أن يشكل فريق تفاوضي سياسي موسع للتفاوض مع الحوثي ويكون معززا بكافة الكوادر السياسية والقانونية والعسكرية والاقتصادية المقتدرة ويضع لهذا الفريق مهمة مزمنة لإجراء المفاوضات وسقف زمني واضح بعيدا عن التسويف أو المماطلة.

وفي المقابل، يجب أن يضع في أولوياته إجراء تغييرات فعلية في الجانب العسكري من خلال تغيير أدائه الفشل في قيادة المعارك السابقة على أن يجري فوراً حشد القوات وإعادة توزيعها وفقاً لمتطلبات الجبهات وفي أسرع وقت وبالتزامن مع سير المفاوضات إن تمت، ويظهر قوته وجديته في إرغام الحوثي للجلوس على طاولة المفاوضات وإن لم يبدأ على الفور بهذه الإجراءات الضرورية فسيكون قد عرض مصداقيته للفشل الذريع.

المجلس من كونه مؤقتا عليه أن لا يضيع الوقت في الشكليات أو الأعمال غير الهادفة ومن أجل أن ينجح عليه أن يعيد تشكل حكومة مصغرة تعينه على تسهيل مهمته في اجراء المفاوضات وفي التحشيد للقوات وتوزيعها على الجبهات وتامين الضرورات اللوجستية لنجاح المهام الكبيرة في استعادة العاصمة صنعاء سلمًا أو حربا فإن قام بهذه الإجراءات فهو يسير على السكة الصحيحة فان لم يقم بها فلا يعدو الأمر غير ضياع للوقت وهدر للإمكانيات وحسب المثل الشائع سيكون الوضع بمثابة ديمة قلبنا بابها وعندها سينهار الوضع تماما ولن يستطع أحد التنبؤ بما سيحصل مستقبلًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى