العرس الجماعي ملاذ اليمنيين الأخير لطرد شبح العنوسة وطول العزوبية

> «الأيام» العرب:

>
بين الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة تضيع أحلام الشباب اليمنيين بالزواج، فغلاء المهور وتكاليف الحفلات يدفعان الشباب إلى العزوف عن الارتباط وتضيع البنات في نفق العنوسة المظلم بفعل التقاليد الاجتماعية المحافظة، ولتجاوز هذه المشكلة التي أصبحت ظاهرة في يمن تمزقه الصراعات، ظهر العرس الجماعي الذي يخفف هذه التكاليف ويساعد على تكوين أسرة تحمي الرجال من الانحراف وتحقق حلم النساء بالإنجاب والأمومة.

 بالملابس التقليدية المميزة باللونين الأبيض والذهبي، وبسيوف مرفوعة، أخذ تسعة يمنيين يرقصون في تناغم خلال ما أصبح حدثا شائعا بشكل متزايد ألا وهو حفل الزفاف الجماعي.

ويعاني اليمن من أزمة إنسانية حادة دفعت بالملايين إلى شفا الجوع في الصراع المستمر منذ سبع سنوات والذي قسم البلاد ودمر الاقتصاد.

ونظرا لارتفاع تكلفة حفلات الزفاف بالنسبة إلى العديد من المقبلين على الزواج، يختار البعض الاعتماد على الدعم المقدم من المنظمات الخيرية للمساعدة في ترتيب حفل الزفاف، بينما يختار البعض الآخر إقامة أعراس مشتركة، وتقسيم تكلفة الحفل.

​تلاشت أحلامهم بين غلاء المهور ومراسم الحفلات
​تلاشت أحلامهم بين غلاء المهور ومراسم الحفلات

كنعان جميل هو من بين تسعة رجال يحتفلون بزفافهم بالرقص والموسيقى، بينما تحتفل العرائس بشكل منفصل في المنزل، ويقول "الزواج الجماعي حل فريد جماعي يدخل الفرحة والسرور لأكثر من أسرة وبيت في آن واحد، وجزى الله القائمين عليه خير الجزاء، ونطالب القائمين على تلك الأعمال الخيرية الطيبة بإقامة مشاريع زواج جماعي بعموم مديريات العاصمة عدن ونتمنى أن يأتي دورنا ونلحق القطار".

أسباب تأخر سن الزواج عديدة منها هجرة الشباب اليمنيين إلى الخارج بحثا عن رزق لتوفير المهر وتكاليف العرس

وتقول أم ياسر شاكرة جهود القائمين على مشاريع الزواج الجماعي هو بمثابة تحصين وعفة جماعية تعود بالنفع والفائدة على الأسرة والمجتمع، والأجر العظيم للقائمين عليه فهم السبب في وضع اللبنة الأساسية لبناء أسرة، ونتمنى تكثيف هذه المشاريع وخاصة في المناطق التي يتفشى فيها الفقر.

وأوضح أحد منظمي الحفل، الشيخ هاني محمد ركن، أن حفلات الزفاف الجماعي باتت شائعة، في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد والوطن في هذه الأيام، التكاليف عالية ومرتفعة، الأعراس وغيرها، لكن العرس الجماعي يخفف التكاليف ويخفف كل شيء.

وأشار طه إبراهيم الذي يملك مركزا لتقديم خدمات الأفراح والمناسبات إلى إقبال الكثيرين على إقامة الزفاف الجماعي.

وقال "‏الآن أحب الشباب فكرة العرس الجماعي، لأنها تقلل النفقات، ويكون على العريس جزء بسيط من المصاريف التي لا يتحملها كلها".

وفي السابق كان العريس يصرف كل ما يملك وأحيانا يضطر لا ستلاف المال لأجل ذلك، لكن تغيرت الأحوال مع الأزمة الاقتصادية الحادة.

وعادات العرس في صنعاء بالنسبة إلى الرجال تكون يومين أو يوما واحدا فيتزين الشارع أو الحارة الخاصة بالعريس، حيث يحضر الضيوف العرس منذ الظهر لوجبة الغداء ومن ثم المقيل في إحدى القاعات الخاصة بالمناسبات، وفي السهرة  يتناولون القات ويتسامرون بالرقص على أنغام الغناء والبرع والنشيد والمزمار في بعض العائلات.

ويكون العرس الصنعاني عند النساء في قاعة خاصة بهن تستمر الطقوس لديهن أسبوعا كاملا، حيث يبدأ بيوم الحمام ثم الحفلة حيث تنقش العروس وترتاح في ذلك اليوم استعدادا لذهابها إلى منزل زوجها يوم ليلة الدخلة، ويقدم خلال جلسات العرس الكعك وبعض الحلوى والمشروبات الغازية والشاي، وتلبس العروس فساتين في كل يوم تختلف عن اليوم الذي قبله.

لكن هذه العادات تغيرت مع الغلاء الذي لم يعد معظم اليمنيين قادرين عليه.

وتقول أم سامر "أصبحنا عاجزين عن تزويج أولادنا بسبب قلة الحيلة والمغالاة في المهور، و مشاريع الزواج الجماعي تحمي الرجال من الانحراف والبنات من العنوسة".

وتقول صبرية بحرقة بعد أن تأخر تقدم عريس لها وهي الآن في الأربعينات من العمر "أنا عانس فاتني قطار الزواج، حيث أن عمري تجاوز الـ45 سنة، ويعود سبب عنوسة البنات إلى عدة أسباب أهمها المغالاة في المهور والمشاكل الأسرية المعروفة بين الأهل، بالإضافة إلى منع تزويج البنت من خارج الأهل، وكذلك شروط وتكاليف الزواج المعقدة التعجيزية، وأنصح الأهالي ألا يقفوا حجر عثرة أمام بناتهم بالمغالاة في الشروط".

وتضيف أن ما يحدث من قبل أولياء الأمور من غلاء في المهور ومغالاة في التكاليف، وتبعات الزواج من قاعات وغرف نوم باهظة الثمن وذهب بالملايين من الريالات وعزائم تكسر الظهر وغيرها من المصاريف التعجيزية، تتعارض مع الظروف المادية للشباب اليوم.

وتختم قائلة : إن سبب عنوسة اليمنيات أيضا اضطرار بعض الشباب للهجرة إلى خارج الوطن لجمع المال لأجل الزواج فتضيع أعمارهم سدى في الغربة لتظل البنات في انتظار تحقيق أحلامهن.


ويرى الباحثون الاجتماعيون في اليمن أن الزواج الجماعي حل جذري وعامل مساعد يساهم بشكل جدي مباشر في بناء مجتمع محصن عفيف، ويضع حلولا جماعية جذرية لأهم وأخطر مشاكل الشباب والفتيات، وتدخل فرحة جماعية إلى أكثر من بيت في آن واحد، فهذه هي الأعمال الطموحة التي يتوجب على المجتمع والدولة التفاعل معها ودعمها وتشجيعها وإزاحة العقبات الأسرية من طريقها.

وترى المتخصصة الاجتماعية مروى أحمد أن تصاعد ظاهرة الأعراس الجماعية حل ناجح للتخفيف من ظاهرة العنوسة التي تشهدها البلاد، خاصة في ظل الحرب التي حصدت على مدى عامين عشرات الآلاف من الشباب.

وأشارت إلى أن اليمن احتل المرتبة التاسعة عربيا في ظاهرة العنوسة، وفقا لدراسة أجرتها إذاعة "هنا أمستردام" في 2021.

وأكدت أن مواجهة العنوسة يعني مواجهة ما تخلفه من تبعات مثل ضعف بناء المجتمع، وزيادة نسبة الانحلال الأخلاقي، مشيرة إلى أن الأعراس الجماعية هي الحل أيضا للساعين للزواج أمام تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يتزامن معها ارتفاع في مهور الفتيات.

وطالبت بمراجعة المهور التي تشكل عبئا ثقيلا على الشباب، وتدفع بهم إلى دائرة العنوسة، حيث أن تحديد المهور بما يناسب الوضع الاقتصادي سيكون مكملا فاعلا لظاهرة الأعراس الجماعية نحو مجتمع بلا عنوسة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى