> عدن «الأيام» القدس العربي:
في الوقت الذي يشهد اليمن هدوءًا نسبيًا على صعيد المواجهات العسكرية منذ انفراط عقد الهدنة في الثاني من أكتوبر، يعيش حربًا من نوع مختلف تستهدف الموانئ اليمنية النفطية علاوة على مواجهات محدودة بين الطرفين في مناطق محادة لمحافظة لحج/ جنوب، وعلى خطوط التماس في محافظة تعز/جنوب غرب (…) بعدما كانت المواجهات قبل الهدنة تشمل كل خطوط التماس، فيما كانت هجمات الطيران المسير الحوثي تستهدف مواقع في العمق السعودي.
كل ذلك مع استمرار توقف هجمات طيران التحالف على مناطق سيطرة الحوثيين خلال شهر ونيف منذ تعثر تجديد الهدنة… ما يدفع للسؤال عن ماهية الفترة الراهنة التي يعيشها اليمن في سياق الحرب المستعرة منذ ثماني سنوات؛ هل ما يحدث منذ فشل تجديد الهدنة هو استعراض حوثي للعضلات (فقط) بهدف إشعار الطرف الآخر في الداخل بمدى ضعفه، وبالتالي الضغط باتجاه تحقيق مكاسب اقتصادية ينال منها تقاسمًا لعائدات مبيعات النفط، أم أنها تأتي في سياق ضغوط غير مباشرة للسعودية للتقدم خطوة للأمام في المحادثات التي تجري "في الكواليس" مع الحوثيين؟ ونشرت صحيفة لبنانية مقربة من حزب الله تقريراً قالت فيه «إن التواصل المباشر بين الحكومة السعودية وحكومة «الإنقاذ» غير معترف بها] لم ينقطع منذ لحظة الإعلان عن انتهاء الفترة الأخيرة من الهدنة في الثاني من أكتوبر الفائت، من دون النجاح في الوصول إلى اتّفاق جديد لتمديدها». وتحدثت صحيفة «الأخبار»، عما اعتبرته «لقاءات مباشرة عديدة جرت بين الطرفَين في صنعاء والرياض، آخرها قبل أيام قليلة، حيث زار وفد سياسي سعودي رفيع العاصمة اليمنية، والتقى بقيادات رفيعة في حكومة «الإنقاذ» وحركة «أنصار الله»"الحوثيين"، وتمّ البحث في ملفّ الهدنة وشروط تمديدها وسقف التسهيلات الذي يمكن للسعودية أن تَبلغه في سبيل الوصول إلى تمديد جديد، على أن يتمّ في مرحلة لاحقة البحث في مُدّته، وصولاً إلى شروط الحلّ النهائي».
وأشارت الصحيفة إلى ما سمّته (مرونة) سعودية باتجاه بعض المعوقات كقضية الرواتب وغيرها، إلا أنها قالت إن السعودية أصرت أن يكون تمويلها لحل هذه المشكلات تحت عنوان «مساعدة الأشقاء» وهو ما رفضه الحوثيون.
كما ذكرت أن «السعوديين عرضوا على مُضيفيهم اليمنيين (الحوثيون) أن يرسلوا وفداً رسمياً إلى الرياض برئاسة رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في اليمن، مهدي المشاط، في سبيل المزيد من التشاور تمهيداً للوصول إلى خلاصات عملية من هذه المفاوضات». ذلك يؤكد،حسب متابعين للشأن اليمني، أن ما يشهده البلد من هجمات حوثية على موانئ في مناطق سيطرة الحكومة، وتحركات إماراتية مكثفة باتجاه تعزيز سيطرتها على جزيرتي سقطرى وعبد الكوري في المحيط الهندي وجزيرة ميون في البحر الأحمر وبعض الموانئ اليمنية في الساحل الغربي، بالإضافة إلى ما تقوم به السعودية من تمويل استحداث قوات جديدة وتحريك بعض الميليشيات في مواجهة أخرى في مناطق الحكومة، علاوة على زيارة السفير الأمريكي لحضرموت، وغيرها ما هي إلا ضغوط للدفع بالمشاورات باتجاهات معينة بما فيها المشاورات التي يقوم بها المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ والمبعوث الأمريكي يتم ليندركينغ.
وأكدت مصادر أن العوامل الإقليمية ليست وحدها الفاعلة باتجاه الذهاب لحل سياسي في اليمن؛ فثمة عوامل دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة التي يقول الحوثيون إنها تذهب باتجاه مختلف، واتهموها بـ «عرقلة عملية السلام»، بل «شن الحوثيون هجوماً على الأمريكيين»، وما سمّوها بالتحركات الأمريكية في حضرموت (زيارة السفير الأمريكي الأسبوع الماضي للمكلا عاصمة المحافظة) واعتبروا ذلك «عملاً عدوانياً».
وفيما يتحدث مراقبون عن خلاف أمريكي-سعودي حول صيغة الحل السياسي وموعده، يرى آخرون أن السعودية والإمارات هي في الأخير أدوات للعامل الدولي ممثلاً في الولايات المتحدة وبريطانيا في مواجهة إيران. ومن غير المستبعد أن يبقى مستقبل الحل السياسي في اليمن مرتبطاً بمفاوضات الملف النووي الإيراني، فأمريكا وإيران تستخدمان أوراقاً كثيرة في مفاوضاتهما، ومن ضمن هذه الأوراق الحرب في اليمن.وذهب مصدر إلى اعتبار المحادثات السعودية الإيرانية السابقة والمتوقع استئنافها جزءاً من الضغط الأمريكي على إيران في سبيل إحزاز اتفاق جديد في مسار مفاوضات الملف النووي (…) وهو ما لا يستبعد معه الذهاب إلى اعتبار تعثر تجديد الهدنة في اليمن جزءاً من الضغط الإيراني في سبيل إحراز تقدم في مفاوضات الملف النووي.
وهنا تؤكد مصادر أن جنوح الحوثيين إلى استهداف الموانئ اليمنية هو تحول جديد للحرب، ويمثل جزءاً من الضغط الإيراني على السعودية، باعتبار استهداف الموانئ اليمنية مقدمة لاستئناف استهداف الموانئ السعودية في حال فشلت المفاوضات لوضع حل لتسوية سياسية للحرب في اليمن تضمن حصتها… وفي الوقت ذاته، الضغط باتجاه مفاوضات الملف النووي.المتابع لمواقع إخبارية إيرانية يجدها، وهي تغطي أخبار اليمن، تستمر في اتهام الولايات المتحدة بأنها تعمل على عرقلة جهود تجديد الهدنة ووقف إطلاق النار بين صنعاء والرياض. وحصر المواجهة بين صنعاء والرياض يؤشر إلى ما تخفيه الأحداث الأخيرة باعتبارها تهديدًا للسعودية في سبيل الضغط عليها.
واستندت مصادر إلى ما شهده البلد الشهر الماضي عقب انفراط الهدنة، إذ شهد نسبة معقولة من أعمال العنف بين الأطراف المتصارعة، وكأن ثمة قوى هي التي تحدد مسارات ومساحات دوائر تحرك كل طرف من أطراف الصراع اليمني.
هنا ذهب مصدر بحثي هندي إلى اعتبار عدم تمديد وقف إطلاق النار في اليمن مؤشرًا على حقيقة أن المحادثات السعودية الإيرانية لم تحرز الكثير من التقدم في الأشهر الأخيرة.
وقال تحليل نشره، السبت، موقع معهد «مانوهار باريكار» للدراسات والتحليلات الدفاعية (هندي)، إن المحادثات السعودية الإيرانية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد كانت محركًا رئيسيًا للاتفاق على وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق الهدنة في الثاني من أبريل وتجديدها مرتين مدة أربعة أشهر؛ «لأن كلا البلدين لاعبان إقليميان مهمان في اليمن، ولديهما مصالح كبيرة في الصراع»، طبقاً للتحليل الذي أعده «براسانتا كومار برادهان»، ونشره الموقع الرسمي للمعهد، واطلعت عليه «القدس العربي».
وأشار إلى أنه قبل اتفاق وقف إطلاق النار، عُقدت عدة جولات من المحادثات بين إيران والسعودية في بغداد بوساطة عراقية. «وكان اليمن نقطة رئيسية للنقاش بين البلدين حيث كان الهدف هو إيجاد طريقة للخروج من الصراع الحالي».
وقال برادهان إن عدم تمديد وقف إطلاق النار مؤشر على حقيقة أن المحادثات السعودية الإيرانية لم تحرز الكثير من التقدم في الأشهر الأخيرة.
وذهب إلى اعتبار «المحادثات السعودية الإيرانية من أكثر الوسائل السياسية مصداقية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن». ونتيجة لذلك، يرى برادهان أن «اليمن يواجه حالياً وضعاً مليئًا بالمخاوف من تصاعد العنف». وقال: «هناك حالة عدم يقين متزايدة بشأن الخطوات التالية للحكومة والحوثيين أثناء تقييمهم لاستراتيجياتهم المستقبلية».
وأشار إلى أن «وقف إطلاق النار كان فرصة ذهبية لليمن لإنهاء العنف بشكل دائم وتسريع العملية السياسية من أجل السلام والاستقرار على المدى الطويل في البلاد». وأضاف: «كما أثبتت (الهدنة) فائدتها للوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد».
وأكد أن «انفراط عقد الهدنة وانتهاء اتفاق وقف إطلاق النار دون أي تفاهم سياسي جوهري بين الحكومة والحوثيين يؤدي إلى زيادة خطر تصعيد العنف والعودة إلى فترة عدم اليقين التي كانت قائمة قبل وقف إطلاق النار». وذهب مصدر يمني مطلع، طلب حجب هويته لأسباب أمنية، إلى القول «إن اليمن مرشح حالياً لموجة عنف قد تكون مختلفة وبالغة الخطورة على الصعيد الاقتصادي والإنساني في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق يشكل أرضية لاستئناف الهدنة ووقف إطلاق النار».
وأضاف: «ما يعيشه اليمن حالياً يؤكد أنها مجرد تحذيرات للضغط باتجاه إحراز اتفاقات توفق من مطالب الأطراف»، معتبراً الاختلاف «هو فقط في نسب اعتراف كل طرف بالآخر سياسياً؛ وهو الاعتراف الذي يمهد للدخول في مفاوضات تؤدي إلى تسوية شاملة».
وأشار إلى أن طرف الحكومة، المدعومة من السعودية، لا يريد الاعتراف بالحوثيين، المدعومين من إيران، أو بأي وضع لهم في البلد، ومن جانبهم يصر الحوثيون على عدم التنازل بأي شكل من الأشكال عن أي مكاسب تحققت لهم.
ويراهن الحوثيون على ما يرونه حضوراً ودعماً شعبياً تحقق لهم، ولا يريدون التخلي عنه بأي حال من الأحوال، علاوة على ما يعتبرونه تقدماً عسكرياً من خلال ما باتت يمتلكونه من أسلحة كالصواريخ والطائرات المسيرة، التي أتاحت لهم الوصول إلى أي مكان داخل البلد وفي جواره الإقليمي ما جعل منهم تهديداً، وبالتالي عزز من مركز قوتهم في المفاوضات.
واجتاحت قوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) صنعاء عام 2014م، وخرجت الحكومة منها، ومن ثم تشكيل تحالف بقيادة السعودية الذي ينفذ عمليات عسكرية منذ مارس 2015م، لكنه لم يحقق أهدافه المتمثلة في إعادة الحكومة إلى صنعاء واستعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات الحوثيين، بعد ثماني سنوات من الحرب تسببت معاركها وتداعياتها في إزهاق أرواح مئات الآلاف من اليمنيين وتدمير معظم مرافق البنية التحتية وخسائر اقتصادية تتجاوز 126 مليار دولار، علاوة على أزمة إنسانية هي الأسوأ من صنع البشر في التاريخ الحديث، حسب الأمم المتحدة.