التسويات الناقصة.. ماذا كانت الحرب؟ ومكان ودور كل قوى فيها

> باختصار شديد ودون تكرار المكرر فقد نشبت حرب داخلية بين ما تسمى الشرعية والذي كان يديرها حزب الإصلاح من جانب والمؤتمر الشعبي العام الذي يديره الزعيم علي عبدالله صالح من جانب آخر والسبب الصراع على السلطة وتدخل الخليج وقدم مبادرته لنقل السلطة وإجراء حوار وطني لأكثر من عام انقلب الجميع على الجميع وتشكلت تحالفات قبل إعلان الدستور وما قبل الدستور تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم كان عامل الخوف من فقد السلطة من المركز المقدس هو الدافع الظاهري لتحالف الزعيم مع أنصار الله الذي مكنهم من التحرك الآمن من صعدة حتى تسليمهم العاصمة بشكل سلس ( لكن ما وراء الأكمة كان هناك دافع أقوى من ذلك وهذا ما بينته سير الحرب لثمان سنوات ) بعد أن غادرها قائد الذراع العسكري للإخوان المسلمين متخفيا تحت رعاية السفارة السعودية في صنعاء كعائلة السفير السعودي عندها ظهرت إيران كداعم قوي لأنصار الله مسيرة جسر جوي بين طهران وصنعاء دون اعتراض من أحد.

بقية القوى السياسية من أحزاب وتنظيمات ومنظمات مجتمع مدني وغير ذلك كانت هشة إلى درجة الاستسلام دون إبداء أي ردة فعل لما يحصل بسبب ضحالة قياداتها التي حولت تلك الأحزاب إلى توابع أما للمؤتمر الشعبي العام أو حزب الإصلاح وضاعت بين هذا وذاك وفقدت تأثيرها الجماهيري وتبخرت رؤاها السياسية ولم يكن لها تأثير على الواقع غير أنها تقدم خدمات في إضفاء الشرعية لمن ينتصر مقابل الفتات.

تحالف صنعاء الجديد وجه قواته جنوبا للسيطرة على عدن بمباركة أمريكية تحت حجة مطاردة الدواعش! وكان الاعتقاد لدى هذا التحالف بأن الجنوب ساحة مفتوحة ووكالة بدون بواب بمعرفتهم المسبقة بأن لا أحد يستطيع مواجهة الآلة العسكرية الضخمة وراهنوا على الصراعات الماضية بين الجنوبيين وكانت المفاجأة لهم وللعالم بأن الجنوبيين بأسلحتهم الشخصية منذ دخول الغزاة أرض الجنوب تصدوا لهم وببسالة ولم يكن طريقهم مفروش بالورود عكس المحافظات الشمالية حيث مرت قوات الغزو مع تسهيلات كبيرة من المحافظين والسلطات المحلية مما يعني بأن احتلال الجنوب لم تكن رغبة نخبوية ولكنها رغبه شعبية شمالية حتى القوات الشمالية المتمركزة في الجنوب انضمت إلى جحافل الغزو وكانت مقاومة الجنوب الباسلة تعبر بشكل واضح عن الإرادة الجنوبية التي ترفض الاحتلال الشمالي للجنوب من جديد.

تدخل إيران لمؤازرة النظام السياسي الجديد في صنعاء وإصرار ذلك النظام بالسيطرة على عدن والجنوب أدت إلى تحول الحرب إلى حرب إقليمية عندها تدخلت عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية قدمت الدعم للمقاومة الجنوبية حتى انتصرت خلال ثلاثة أشهر وطردت الغزاة إلى الحدود الدولية السابقة بين الدولتين بل ذهبت المقاومة الجنوبية مع التحالف حتى مشارف الحديدة بينما ما حصل في الشمال هزيمة في أول محاولة للشرعية في منطقة الجوف وتتالت الهزائم بعد ذلك.

اكتسبت المقاومة الجنوبية شرعيتها من خلال تحريرها لأرض الجنوب ومشاركة التحالف في تحرير الساحل الغربي حتى الحديدة وبهذا النصر قدمت المقاومة الجنوبية للتحالف العربي نصرا منعت فيه إيران من التمدد والسيطرة على عدن وبالتالي حرمت إيران من التمدد الجبوستراتيجي تحتل فيه إضافة إلى مضيق هرمز مضيق باب المندب وأن تم ذلك ستتحول إيران إلى لاعب إقليمي مهم لديها القدرة على تحريك بيادقها شمالا من العراق حتى لبنان مرورا بسوريا وتكمل حصار الخليج والجزيرة العربية وتكون قد وجهت أقوى ضربة في التاريخ الحديث للأمن القومي العربي.

كل ما ورد أعلاه معروف للقاصي والداني ولكن حبينا أن نذكر الجميع من ممثلي الشمال في الشرعية أو الإقليم والعالم أن المعركة هي جنوبية شمالية والدليل أن كل قوى الشمال مع الدعم الهائل من التحالف لم يحرر محافظة واحدة في إطار الجمهورية العربية اليمنية طوال السنوات الثمان الماضية من الحرب كانت محاولات الشرعية المسيطر عليها حزب الإصلاح اليمني قد أدار بوصلته جنوبا بإعادة السيطرة عليه عبر كل الوسائل بما في ذلك استخدام القاعدة والدواعش وتسيير الجيش من مأرب وسيئون باتجاه عدن وشهد العالم الصراع المرير الذي خاضه الجنوبيون في محاربة الإرهاب والتمدد الإيراني في المنطقة.

أظهرت الحرب بأنه لا يوجد أمن قومي عربي واحد ولكن كل دول الإقليم العربي ينظر للحرب كل من زاويته فهناك من وقف في المنصف وهناك من عمل نفسه وسيط وسهل لإيران والحوثي الحركة والدعم بالسلاح ومنهم عمل على هزيمة التحالف عبر وسائل معينة كما كشفت الحرب مدى تلاعب القوى الدولية بالمواقف فهي لفظيا مع التحالف ولكنها عمليا تمنع هزيمة الحوثي وتقدم له المساعدات تحت غطاء إنساني عبر المنظمات الدولية الذي لا زال مقراتها حتى الآن في صنعاء وتمنع وضعه في قائمة الإرهاب وظلت تتعامل معه حتى أصبح أمر واقع وفي نفس الوقت لم تمنع إيران من تزويد الحوثي بالسلاح أو حتى إدانتها وتركتها تزود الحوثيين بما يحتاجونه من سلاح.

هزيمة الشرعية في المعارك العسكرية والسياسية وفشلها في تقديم الخدمات الضرورية للمناطق المحررة وخضوعها لحزب الإخوان المسلمين وممارستها للفساد على نطاق واسع أدى إلى تغييرها بأخرى ولكن مع الأسف لم يلاحظ الناس أي تغيير ملموس في نهج الشرعية الجديدة بل تسير بشكل ناعم وتطبخ قراراتها على نار هادئة وبالأخير توصل لنفس النتيجة التي لم تستطع الشرعية السابقة تحقيقها.

وصلت الحرب إلى نهاياتها واقتنع الجميع بأن يجروا تسويات لإنهاء الحرب لكن ما نشاهده من حراك سياسي إقليمي ودولي ينحصر في دائرة ضيقة ومنتقاة ولا تشمل كل القوى الأساسية والفاعلة بالحرب ويظهر بأن ممثلي الجنوب مستبعدين وغير منخرطون في ماراثون المفاوضات التي تجرى في عواصم مختلفة وكأن الحرب لم تدر رحاها في أرض الجنوب وفي الجنوب تحقق الانتصار اليتيم خلال الثمان السنوات الماضية وأن الجنوب ساهم في تحرير الساحل الغربي حتى مشارف الحديدة وأنه قدم التضحيات الباهظة ولا زال الجنوب يخوض معاركة في أكثر من جبهة ومنها محاربة الإرهاب المصدر للجنوب من صنعاء.

من هندس لهذه المفاوضات وتجاهل الجنوب لا زال يعيش في أوهام الماضي ومر فوق كل معاناة الجنوب وتضحياته وكأنها كانت بالنسبة له مشاهد في فيلم هوليودي استمتع بمشاهدته ولكنه مسحه من ذاكرته لمجرد خروجه من دور العرض.

نفهم أن البعض من المفاوضين كانوا منخرطين بالصراع كجزء أساسي منه وبالتالي ليسوا محايدين ومع ذلك لا اعتراض على وجودهم عندما تكون كافة الأطراف المعنية بالصراع موجودة على طاولة المفاوضات لكن أن يتم التفاوض مع الطرف الذي كان يعتبر بالأمس انقلابي وشنت الحرب لإعادة الشرعية إلى العاصمة صنعاء وتجريده من السلاح ويستثنى من انتصر على هذا الانقلاب من المفاوضات هذا شيء عجيب ولم يحدث في تاريخ الحروب إطلاقا.

نفهم أنه يتم التشاور مع الشرعية الشمالية، من الباب الخلفي وبعيد عن الأضواء بهدف التسهيل والضغط على الجنوبيين من أجل تركيعهم بالقبول بأية تسوية قادمة فالشرعية الشمالية لا تختلف عن الانقلابيين في صنعاء حيث تتقاطع مصالحهم في إخضاع الجنوب وإلا لما وافقت على صرف مرتبات موظفي الحوثي وعساكره من ثروات الجنوب بينما هي تمنع صرف مرتبات الجنوبيين وإلا لما سمحت لفتح ميناء الحديدة للسفن دون تفتيش ومنع ذلك على عدن وفي نفس الوقت لما أقدمت على رفع سعر الدولار الجمركي على عدن والجنوب وتخفيض ذلك في الحديدة كلها تصب في مصلحة الانقلابيين وهذه لا تحتاج إلى علماء ليكتشفوا الخطأ الفادح التي تسير عليه التسوية الحالية وكل ما يقوموا فيه هو خلق بيئة صراع قادمة ولهذا فهي تسوية هشة.

هل أحد سأل نفسه من المفاوضين الإقليميين والدوليين هل سيقبل الجنوب أن يكون تابع لنظام ولاية الفقيه إذا قبلوا جميع الشماليين بهذا النظام؟ فهذا شأنهم ليذهبوا للتفاوض مع الحوثي ويتفاهمون معه حول كيفية العيش تحت ظل ولاية الفقيه لكن بالنسبة للجنوب فالوضع مختلف تماما فمن لم يفهم وضع الجنوب فليعود إلى قراءة التاريخ ويتمعن بأن الجنوب يملك القدرة على الدفاع عن أرضه ودينه.
خاص بـ "الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى