ما أحوجنا للحوار فيما بيننا

> لا يختلف اثنان بأن الحوار قيمة حضارية وإنسانية، يخلق جوا من الثقة والتفاهم والود بين الأطراف المتحاورة، ويذيب جليد الحقد بين الناس ويسير الأمور للتفاهم والعودة إلى جادة الصواب، من خلال اختيار أفضل الطرق، يتوافق عليها المتحاورون لحل خلافاتهم ورميها خلفهم.

الجنوب يمر بمرحلة تاريخية مفصلية، وعانى كثيرا من التشرذم والاختلافات، وتعرض للتدمير الممنهج والاحتلال الهمجي، ولا أعتقد أن إنسان عاقل لا يقبل الحوار بين كافة الأطراف والمكونات المجتمع الجنوبي، حتى يكون الجميع مشارك في استعادة دولته الجنوبية وبنائها من جديد، بالشكل الذي يتوافق عليه كافة الأطراف الجنوبية. وهذه لحظة تاريخية بكل المقاييس، خاصة وقد تكالب أعداء الجنوب من كل حدب وصوب لافتراسها وتقطيعها.

كانت خطوة موفقة أن قرر الانتقالي فتح حوار مع كل الطيف الجنوبي، الذي يهمه استعادة الدولة الجنوبية، ومن أجل ذلك شكل لجانا تدير هذا العمل. وذهبت تلتقي مع المكونات في الخارج والداخل والشخصيات السياسية، وكل من يهمه أمر الجنوب، واستمعت للجميع وتشكل لديها جبال من الآراء والمقترحات، التي تبلورت في تقديم وثيقة سياسية جامعة، تسمى ميثاق الشرف وهو حصيلة النقاشات، التي تمخضت عن عمل اللجنة المكلفة، وهذا الميثاق مطروح أمام المتحاورين في اللقاء التشاوري، لبلورة الأفكار وإعادة صياغته، وإدخال أي تعديلات فيه، حتى يصبح وثيقة ملزمة لجميع الأطراف، لتكون دليلهم النظري في سير عملهم اللاحق في استعادة الدولة الجنوبية.

هناك من عبر عن عدم مشاركته في هذا الحوار. وكل له أسبابه وتحفظاته في عدم الحضور، ولا يعني ذلك سيشكل قطيعة معهم، فهم سيظلون جنوبيين، لهم احترامهم ولهم الحق في الاعتراض والموافقة كيفما يشاؤون وكيفما يرونه مناسبا، ويظل التواصل معهم مستمرا ولم يتغير وستظل أبواب الحوار مفتوحة أمامهم متى رغبوا في ذلك، أو شعروا بأن لديهم ما يضيفونه إلى ما تم إنجازه، ولا يجب أن يكون هناك أي إغلاق لأبواب الحوار فهو وسيلتنا للتقارب والتفاهم، لأننا أبناء بلد واحد، ويهمنا جميعا أمنه، واستقراره، وبناءه بناءً صحيحا، والكل معني بالمشاركة، سواء من حضر الحوار أم لم يحضر أو كان مقاطعا للحوار، لأسبابه الموضوعية، أو معترضا، فهذه مسائل مكفولة لكل جنوبي، من حقه الاحتفاظ برأيه وعلى الجميع احترامه.

لكن من المهم التنبيه إلى شيء مهم، وهًو أن يظل الخلاف والاختلاف بيننا كجنوبيبن، ظاهرة صحية، يظل الاحترام موجودا، ولا يقلل من أهمية أي إنسان، أو مكون بسببه، أو يتحول إلى صراع يخرج عن نطاق السيطرة، من خلال استخدام العنف والعنف المضاد، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، وعلى الجميع ضبط البوصلة، كل في مجاله، كما لا يجب أن يؤدي ذلك الخلاف السياسي إلى حرمان الأشخاص من حقوقهم المكتسبة سواء في الراتب أو السكن أو أي شيء آخر، كما كانت تستخدمه الأنظمة السياسية السابقة، في محاولة معاقبة الخصوم بالوظيفة والراتب والسكن وغيرها من المعاملات غير الإنسانية.

والأهم من ذلك عدم التمترس من قبل المكونات، أو الأشخاص السياسيين الاعتباريين، في خنادق متعادية ويذهب بعضها للجوء إلى أحضان أعداء الجنوب، بهدف الاستقواء بهم لكي يعينوه على تدمير بنيان الجنوب، الذي نسعى جميعا لاستعادته. وأعتقد أن التجربة قد أعطتنا الدروس الكافية، لكي نختط طريق السلامة وهو طريق الحوار.

التجارب علمتنا بأن نقلع شوكنا بأيدنا برفق وسلاسة، وألا نلجأ إلى أعداء الجنوب، الذين لديهم الاستعداد لتقديم المساعدة، لكن الثمن سيكون تدمير الجنوب فالخيار لكم ...أين ستقفون؟
خاص بـ"الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى