أوفر يا ماهر ..!

> ماهر علي قاسم .. يتوهج عندما يغيب الشفق .. يتلألأ عندما يأفل الغسق .. كان جناحاً يومض برقاً ، وكراته الملفوفة في علبة حلوى تحن رعداً .. اعتنق الركض الطولي المباشر .. فلسفته إنهاك الظهير أولاً .. ثم إرسال الكرات المؤطرة تزغرد أمام المرمى .. لم يكن يتفلسف .. كان يؤمن باللعب الطولي المباشر الفعال .. وكأنه عالم رياضيات ، يجسد تراكمية هندسية تقول : أقرب طريق إلى الهدف هو الخط المستقيم.

يبدأ الكابتن ماهر إقلاعاته من حوالي خمسين متراً .. ينطلق برشاقة .. يتحول إلى إعصار سريع، وكأنه عداء في مضمار أولمبي .. وعندما يصل إلى نقطة (الذروة) يأتيه صوت رأس الحربة الشهير صاحب الرأس الذهبية عزيز سالم : (أوفر يا ماهر).

من قيوده ينطلق .. يتحرر يساراً أو يميناً .. يناوش عمودياً .. ويناور رأسياً .. يدور على عقبيه في مساحة علبة كبريت .. ثم ينفلت من عقاله كالزئبق .. يرسل كرات ملتهبة أمام باب المرمى تتسبب في إحراج كبير للمدافعين وحراس المرمى.

أوفر يا ماهر ..!
أوفر يا ماهر ..!

ماهر علي قاسم نبتة الكابتن الراحل (عباس غلام) .. المدرب (الحبحبة) .. أخضر من الخارج .. وأحمر من الداخل .. المدرب الحصيف الذي منح الجناح الماهر المساحة والوقت والمحيط ليكسر رتابة الاحتفاظ بالكرة .. كانت مهمة ماهر تسريع الإيقاع .. ونقل الضغط في رمشة عين إلى الثلث الدفاعي للخصم .. كان (ماهر علي قاسم) هدير موج .. صدى يتردد لجيل جديد ، بدأ يتمرد ويعيد أولويات خريطة الإحلال والإبدال.

كتيبة شابة جابت الصخر بالواد .. شكري هاشم ، الأحمدي ، ياسين محمود ، جمال سندو ، غازي غراب .. وبالطبع الجناح الفلكلوري ماهر علي قاسم .. وقتها كان نادي الوحدة العدني يرتب لانقلاب يفضي إلى تسليم الراية لجيل شاب على حساب ديناصورات جيل العمالقة من ناصر هادي إلى علي بن علي شمسان والمايسترو عوضين ، ونهاية باعتزال فلتات من وزن : أحمد القيراط ومحسن سندو وعلي فارع .. ومن وسط بستان الجيل الجديد كان ماهر علي قاسم كمن يرتب الورود ويصفف الأزهار على رف التمهيد .. كان قدره كتابة التاريخ الجديد من ميمنته ..

مهلاً .. ماهر لم يكن فقط قارئاً جيداً لأفكار الكمبيوتر الأحمدي والفيلسوف شكري هاشم ، لكنه كان (حلال العقد) .. الرجل الذي يفتت استعصاء الشاكلة .. كلما كانت المباراة مغلقة .. كلما كان (ماهر) يحمل في قدمه مفتاحاً ، لإيجاد الحلول ، ولو من خرم إبرة .. ماهر مع سبق الإصرار و الترصد.

عاش ماهر علي قاسم كل تقلبات المرحلة الانتقالية ، التي وضع ثوابتها بقلب جامد ، الداهية الأستاذ أحمد قعطبي (أطال الله في عمره).. القيادي الإداري الفذ الذي يقترب في جرأته وعبقريته من المصري الراحل صالح سليم رئيس النادي الأهلي.

عانت سفينة (الوحدة) من رياح التجديد .. وعندما بلغ الفريق مرحلة الرشد والنضج ، إلتهم بطولات (الجنوب) ، وفرض (أخضره) زعيماً رغم أنف منافسه التقليدي (التلال) .. توقف ماهر علي قاسم عن اللعب عام تسعين .. وكان وقتها في قمة مستواه .. ومع خروج ماهر انفرط عقد عباس غلام .. فقد جمد الأحمدي خدماته وعلق أحلامه على مشجب الإصابة .. وغادر شكري هاشم الملاعب بمنتهى الأدب .. وأتت رياح خماسين الوحدة اليمنية على ما تبقى للوحدة العدني من أطلال.

بصم ماهر مع زملائه على آخر موسم خرافي ، جمع فيه الفريق بطولتي الدوري والكأس عام 1989م .. سبق لم يتكرر بعد ذلك .. كانت هذه ذكرى عابرة ظلت لحظة محنطة هاربة من فوهة زمان الوصل .. وظل الحدث الذي أخذ طابع بيضة الديك مفخرة، يُفاخر بها جمهور الوحدة منافسيه حتى الآن .. و(ماهر) مثله مثل رفيقي دربه الأحمدي وشكري هاشم .. جمع المجد من طرفيه .. مجد خلوده كلاعب من ماركة خاصة يصعب تقليده .. ومجد علمي بحت ، توجه ليس شاهد عيان على التاريخ .. لكن كاتبه بحس لاعب ، يعشق لعبة متواليات الأرقام وأرشفتها.

كابتن ماهر علي قاسم موسوعة إدارية متحركة .. يفهم أسرار المكاتب .. ويعرف التعامل مع طلاسم الإشكاليات .. ويدري كيف يخلق الاحتمالات وغربلتها .. وللأسف أن أكاديمياً في وزنه ضل طريق المناصب الإدارية الرياضية .. لم يجد في وطنه التكريم الذي يستحقه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى