سياسة ترامب الرئيس بالألوان اليورو - صينية والشرق أوسطية

> مسار عبد المحسن راضي + توم حرب:

> ​

الضرائب وفُرص العمل والنفط والحدود والصين، نستطيع وصفها بالمعصرة الرئاسية في الانتخابات الأميركية. أيُّ مُرشَّح يهرب من هذه المواضيع ستُعصر حظوظه في استطلاعات الرأي متحوِّلاً إلى “دونزبيري”، الشخصية التي اخُتيرت في عهد الرئيس جيمي كارتر، كمايك للحديث عن انتصاراتٍ وهميَّة ديمقراطية، تتعلَّق بحقوق الإنسان في العالم، وهكذا إن حضر دونزبيري أمكن عدُّ الانتصارات وإن غابت حضر دونزبيري!

قدرة المُرشَّح دونالد ترامب على عصر هذه المواضيع للصالح الأميركي ستكون سهلة نسبيا، إذ أفرغ هذا المرشَّح الذي كان رئيسا أدراج هذه المواضيع ووضعها على طاولة مكتبه البيضاوي، من 2016 إلى 2020 ومعها ملفات فرعية بنكهة مواضيع رئيسية، مثل روسيا والشرق الأوسط. ليس هناك من جديد أمام هذا المرشَّح.

أوَّل رجوع للاقتصاد بشكلٍ واقعي سيكون بالعودة إلى استخراج النفط الأميركي، بعيدا عن أسلوب “حُفَرُ أليس” في السياسة الديمقراطية. هذه الحُفَرُ التي خلقتها إدارة الرئيس جو  بايدن بوضع عقوبات على استخراجه. هكذا ضاعت أليس وتاهت عجائب هذه السياسات التي كانت تتوخى إيجاد طاقاتٍ مُتجدِّدَة لها بداية بلا نهاية، وهي سياسة تأتي حتَّى بالضد من أفلام الخيال العلمي، التي شاهدنا فيها كائنات فضائية متفوِّقة تغزو الأرض، بحثاً عن مصادر طاقة الكوكب التقليدية بعد فشلها في إيجاد مصادر بديلة تحذف التقليدية.

موجات الهجرة واللجوء المكسيكية التي تضرب سواحل الحدود الأميركية، لن تُغرِق ترامب إذا ما عاد رئيسا. نتصوَّر أن سياسة غلق الحدود بين البلدين سوف تصل إلى مرفأ تشريعي صُلب إذا ما عاد، لتنظيم ملف الهجرة واللجوء بشكل قانوني، بعيدا عن الشعارات الحزبيَّة. المفارقة أنّ السياسة الديمقراطية لم تغيّر شيئا من سياسات دونالد ترامب بل عصرت ليمونا إعلاميا فوقه، بفتح الحدود وغلقها من أجل الاستقطاب الحزبي لا المستقبل الأميركي.

جنيَّة التضخم المالي خرجت كذلك من مصباح السياسات النفطية لإدارة بايدن، وأصبحت تُلبي أمنياتها الخاصَّة، بعد أن أُصيبت بالضربة الأوكرانية على أُمِّ رأسها. عصابة الرأس الأوكراني عند ترامب ستكون العودة إلى اتفاقات مينسك الأولى 2014 والثانية 2015. إذا عاد ساكن مارالاغو إلى البيت الأبيض فسوف يساعد الرئيس زيلينسكي الكاكي على إعادة صياغة مينسك كي يضمن النجاح الأمني لكل من موسكو وكييف، ويضمن عدم رسوب العاصمتين في اختبارات الناتو والكرملين.

الاستجابة الضعيفة من قبل الرئيس الأوكراني ستعني ZERO مساعدات. الرئيس بوتين بدوره لن يكون متصلبا فهو مدرك أن مجرَّد هكذا عرض يُعتبر اعترافاً باحتياجات الأمن القومي الروسي، وإنَّ ذلك لن يكون بدوره على حساب أوكرانيا، إذ إنَّ اتفاقيات مينسك التي شيطنها الجميع لو قشَّرنا لبابها، لاتضح لنا أنّها تشبه التعهُد الذي أُعطي لغورباتشوف بعدم توسع الناتو شرقا. وزن موسكو الجيوإستراتيجي يستأهل هكذا ثمنا.. أليس كذلك؟ وإذا تعذَّرت الرؤية الواضحة فما علينا إلَّا أن نتلمس النظارة الإيرانية لإدارة الرئيس بايدن.

أوراق الضغط الأميركية على عقلية الرئيس بوتين المرنة، عديدة، وتتوزع على قارات العالم المختلفة فيما إن تصوّر الكرملين أن هذا العرض نوع من الميوعة الفكريَّة. الذاكرة لا تزال رطبة من مطالبة المرشّح ترامب للاتحاد الأوروبي بأن يخصِّص أعضاؤه 2 في المئة من موازناتهم للناتو. النتيجة كانت زرع ترامب حصد بايدن وأكلت برلين التي خصصت هذه النسبة لميزانية دفاعها. أترك للقارئ تحديد فيما إن كان المبدأ الترامبي قد فرض نفسه.

سياسات الإدارة الحالية مع الصين والتي أسسها المُرشَّح والرئيس السابق ترامب، ذات العلاقة بالتعرفة الجمركية وتخفيض ميزان العجز التجاري مع بكين ستظل على الأرجح كما هي، ذلك سيعني وبلغة التواريخ العودة إلى سنة 2018 للبدء من جديد.

التحديث الذي سيقوم به ترامب إن عاد رئيساً، هو الاتفاق مع الصين على جهود “مكافحة الانتشار الضار للتكنولوجيا المتطوَّرة”. آلفن توفلر وهو من علماء المستقبليات الأميركيين، أكد أن التقنية الفائقة التي يعيشها العالم، تنتج تكنولوجيا من الممكن أن تكون ذات استخدامات مزدوجة ومُدمِّرة. هكذا وكما فعل الأوروبيون باستخدام سياسة “نزع المخاطر” من العلاقة مع الصين، فإنَّ الاقتصاد العالمي الذي يتكوَّن اليوم من تشابك العروق الأميركية والصينية أحرى بنزع مخاطر الحسابات الخاطئة بينهما. وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين كانت موفَّقة عندما تحدثت وبواقعية عن هذا التشابك. العاصمتان توأم سيامي للاقتصاد والمال في العالم.

الملاحة الحرة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان ستكون اختبار “عبَّاد الشمس” لنوايا البلدين في مرحلة اللااستقرار الجيوسياسي الذي نعيشه. الولايات المتحدة لن ترضى بتزنير هذا البحر والمضيق الدوليين بسلاسل صينية، وبكين تعتبر البحر والمضيق خطا أحمر أكثر من احمرارها الطبيعي. الموصِّلات شبه الفائقة والتي تتسارع خطى العاصمتين التكنولوجية لتصفير دورها في علاقةٍ تصادميَّة بينهما، قد تحل مسألة تايوان. لكن النفوذ الإستراتيجي في المحيطين الهندي والهادئ يحتاج إلى المزيد من الوقت والمزيد من الحلفاء الذين سيقنعون العاصمتين عاجلا أم آجلا، بأن الأمواج في المحيطين لا يصمد أمامها سوى الجميع، وبأنهما ليسا الجميع.

الشرق الأوسط في إدارة الرئيس ترامب إذا ما جلس في المكتب البيضاوي مرَّة ثانية؛ فإنّه سيصنع الحلقة الأخيرة والأولى من سلسلة التطبيع مع إسرائيل. الأكيد أنّ عينه ستكون على الجائزة السعودية. واشنطن في عهد إدارة الرئيس بايدن ليست لها حظوظ قويّة الآن بتبادل الجوائز مع الرياض، فالثقة معدومة بين العاصمتين، وأيضا في علاقتها مع تل أبيب.

سقف التطبيع بين الرياض وتل أبيب مرتبط بمخرج واضح ولائق للقضية الفلسطينية، لن تتنازل عنه الأولى لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن. لكن إذا جُدِّدَ دم السلطة الفلسطينية، والتي أكَّدت مصادر أن هناك توجها لتجديده قد يحصل فرق ما. أيضا، إذا ركبت دول إضافية من الشرق الأوسط في قطار التطبيع، والمتوفَّر معلومات إنها تصِل إلى العدد 6 معظمها عربية فقد تتحوَّل نافذة التطبيع بين العاصمتين إلى باب واسع. أي سيتغيَّر شكل المخرج لا جوهره.

الطلب السعودي باتفاقية أمنيّة مع واشنطن، والحصول على نووي سلمي، تعرِضُه إدارة بايدن كطلبات سوبر معقولة، ومن المؤكَّد أن عين الرياض الدبلوماسية تغمز لواشنطن بطهران. نعتقد أنَّ النووي السلمي ليس طلبا سوبر ومن الأفضل الاستجابة له وفق ضوابط أميركية تمتد لعشرات السنين، أفضل من أن تذهب الرياض للحصول عليه مثلا من إسلام آباد أو بكين، وإلَّا تأكَّد للحلفاء الأميركيين أنهم لن يحصلوا على فرص أفضل من الخصوم.

قضية اليمن أيضا ستعود إلى إطار مشترك ما بين الرياض وإدارة ترامب فيما إن عاد رئيسا. هو يعرف تماما أنّ الحل الأمثل هناك يستطيع السعوديون وحدهم صنعه وبالتالي بقية شركائها في مجلس التعاون الخليجي. الرياض وباختصار حليف لا يودّ أحد خسارته.

بعضنا قد يجد أننا نتحَّدث عن سياسة إملاءات أميركية فيما إن عاد ترامب رئيسا، لكن هي سياسة واقعية وتقليدية. هذه الخطوط العريضة المتوقعة من عودته للرئاسة ستعود بالضرورة إلى تشغيل مجلس الأمن، الذي عُطِّلت أعماله منذ سنة ونصف سنة تقريبا. لا يمكن إيجاد حلول بدون هذا الجسد المؤثِّر، ولا يمكن أن يعمل هذا الجسد بدون الحلول الواقعية المُملَّحة بمصطلح “الحل الوسط” في أدبيات الميديا العالميَّة.

العالم يحتاج أميركا واقعيَّة، والإدارات الأميركية القادمة ستجنح في سياساتها إلى وضوح ترامبي لكي تنجح، وشخصيات مؤثِّرة تضمن عدم دفع واشنطن لأثمان مرتفعة في سياسات خارجية، تعالج قضايا تصب في مصلحة جميع دول العالم.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى