مفاوضات السلام باليمن: هل بات الباب مُشرعًا لطي صفحة الحرب والمضي نحو دولة مدنية

> "الأيام" ​«القدس العربي»:

>
​لم يعد المواطن اليمني مهتمًا بما يقرأ أو يسمع عن مشاورات وترتيبات للتوقيع على خريطة للسلام في اليمن، أو «اتفاق مبادئ»، وفق ما تتناقله تقارير إعلامية، فالحال بلغ به مبلغًا فقد معه الأمل في إمكانية تجاوز بلاده معضلة الانقسام الذي وصل للجذور، لا سيما بعد تمزق النسيج الوطني واهتراء النسيج الاجتماعي، لدرجة أصبحت البلاد مزقًا متعددة السلطات، حتى أصبح السفر بين هذه المِزق مهمة ليست باليسيرة، بل ومحفوفة بالمخاطر، في ظل استمرار التصعيد بأشكاله ومستوياته المختلفة، وهو ما تتسع معه المسافة بين ما يقال عن ترتيبات للسلام وبين ما هو على الواقع، فالجميع ممسك على الزناد، بموازاة خطاب إعلامي ما زال في أعلى مؤشرات توتره.

تواترت الأخبار عما تشهده الرياض من ترتيبات، وبخاصة الأسبوع الماضي، والتي بلغت ذروتها بالتئام مجلس القيادة الرئاسي، وعقد لقاءات مع المبعوثين الأممي والأمريكي، بالإضافة إلى لقاء رئيس وأعضاء مجلس القيادة بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وصولاً إلى أخبار تتحدث عن تعثر مستهل الأسبوع الجاري.

وقالت مصادر إن الترتيبات التي كان يتوقع أن تتوج بدعوة الحوثيين لزيارة الرياض، قد تعثرت، وفق ما نشرته وسائل إعلام غير رسمية (لم يصدر بذلك تصريح رسمي من أي طرف حتى الآن)، وتوقعت مصادر أن يزور وفد سعودي صنعاء خلال الأيام القليلة المقبلة لمناقشة موقف الحوثيين من الاتفاق بما فيه تعديلات الجانب الحكومي عليه، وبخاصة ما يتعلق بالإيرادات في سياق معالجات الملفين الإنساني والاقتصادي.

وعلى ما يبدو أن الحوثيين يرفضون بعض البنود، وهو ما لم يصدر منهم تصريح بشأنه حتى اللحظة، إلا أن المؤكد أن ثمة خلافًا أعاق إتمام ما خططت له الرياض حتى الآن، لكن ما يرشح حاليًا أن الوضع ما زال كما كان عليه، ولم يحصل أي تقدم على الرغم من تحفظ قيادات يمنية، بما فيها قيادات خارج دوائر طرفي الصراع، على مشروع الاتفاق برمته، وفق ما تسرب منه.

وزير الخارجية الأسبق، أبو بكر القربي، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، كتب في منصة إكس، الإثنين، عن تسريبات مشروع الاتفاق، معترضًا على حصره في طرفي النزاع دون إشراك القوى السياسية المدنية في صياغته، وقال: «ما سُرِّب من مشروع حل أزمة اليمن يشوبه الغموض وانعدام الشفافية والخوف من أن يختصر قبوله على أطراف الصراع الذي بيدهم قرار وقف الحرب، بينما يعتمد نجاح الحل السياسي الشامل والمستدام على مشاركة القوى السياسية المدنية في صياغته مع التزامهم بتنفيذه وتوفر الضامنين تجنبًا لأزمات جديدة».

ما طرحه القربي سبق وطرحته قوى سياسية ومدنية أكدت أهمية إشراك كافة القوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي والمجتمع المدني، بما فيه قوى النساء والشباب في صوغ اتفاق التسوية السياسية، باعتبار مشاركة القوى السياسية والمدنية سيضمن الخروج بحل يرضي اليمن، وهو الحل الذي تعاد الأمور بموجبه إلى الشعب باعتباره صاحب المصلحة الأولى من تأسيس دولة مدنية ديمقراطية، هي الكفيل بعدم تجدد دورات العنف، كما سبق وشهدته اليمن، على الرغم من توقيع اتفاقات سلام عديدة، لم تصمت معها فوهة البندقية، وهنا يتجدد التأكيد على مسار الدولة المدنية باعتبارها الضامن الحقيقي لديمومة استقرار البلاد، لكن على ما يبدو أن أطراف الصراع لن يناقشوا هذا العنوان، باعتباره يمثل تجاوزًا لهما في مرحلة ما بعد الحرب، علاوة على ما يمثله من تهديد لقوى راديكالية أخرى تتعامل مع الوطن بعقلية الاستحواذ والأحقية.

وسبق وأكدت قوى سياسية يمنية أن إغلاق باب الحرب وحل الأزمة يتطلب معالجة الأسباب ووضع حلول حقيقية مع ضمانات كافية ومشاركة شاملة من كافة مكونات المجتمع السياسي والمدني اليمني كمقدمة لا يمكن تجاوزها لطي صفحة الحرب والذهاب لدولة مدنية، باعتبار أن تمكين صناع الحرب من واقع السلام يمثل تفخيخًا للمستقبل، والذهاب بالبلد إلى مزيد من العنف واللااستقرار.

قد يكون هذا الطرح مثاليًا في ظل ما وصلت إليه الأوضاع باليمن، لكنه الحل الوحيد لتجاوز هذا الواقع الملغوم، كما يراه البعض.

في الجانب الآخر، قال الخبير العسكري، علي الذهب، في تدوينة على منصة إكس: «أقصى ما يمكن تحقيقه بشأن السلام في اليمن، تثبيت خريطة تقاسم المكاسب الحالية مؤقتًا. والحديث عن سلام شامل، مجرد وهم. كل طرف، الآن، لديه ما يكفيه للمضي في حرب أخرى طويلة، وليس بكل هؤلاء يكون السلام».

بين تثبيت الوضع الراهن وبين الانطلاق بالسلام من خلال مشاركة القوى السياسية والمدنية في صياغة اتفاق الحل النهائي يؤكد مراقبون يمنيون أهمية استشعار المسؤولية من الأطراف اليمنية الفاعلة في هذه اللحظة المفصلية من التاريخ، وبالتالي ضرورة إعادة الاعتبار للشعب باعتباره المستفيد والمتضرر الأول من أي عملية تحول سياسي، وهنا يرون ضرورة تفعيل مشاركة الأحزاب والقوى المدنية الفاعلة والمؤثرة في صياغة اتفاق سلام يُنهي كل أسباب الحرب، وينطلق من كل مفاعيل السلام. بدون ذلك تبقى المحاولة في كل الأحوال تكريسًا لنتائج الحرب وإبقاء الوضع قابلًا للاشتعال في أي وقت.

صعوبة هذه المهمة تعكس واقع البلد الذي ضاعفت الحرب من تعقيد أوضاعه، لكنه في الأخير يحتاج قرارًا شجاعًا يدرك خطورة المنعطف الذي يمر به هذا البلد.
عودة إلى مفاوضات الرياض أو بالأصح ترتيبات الوصول بأطراف الصراع إلى توقيع اتفاق يفضي إلى السلام، والتسريبات التي تتحدث عن تعثرها وإمكانية الوصول بالبلد إلى طي صفحة الحرب. كل ذلك يفترض سؤالًا هامًا: هل بات اليمن مهيئًا لطي صفحة الحرب 
والدخول في عملية سياسية شاملة؟

يرى الباحث اليمني عادل دشيلة، في حديث إلى «القدس العربي» أن اليمن ما زال في هذه المرحلة غير مهيئ لتحقيق عملية سياسية متوازنة وعادلة وشاملة، مشيرًا إلى أن دول الجوار لا تمتلك رؤية خاصة لتحقيق السلام في هذا البلد.
وقال: «هناك أطراف تحاول التهرب من استحقاقات السلام، والحفاظ على مشاريعها الخاصة، فجماعة الحوثيين تريد الحفاظ على مشروعها العسكري والسياسي، أي أنها تريد الاحتفاظ بالسلاح وبمؤسسات الدولة وبمشروعها.

والمجلس الانتقالي الجنوبي يتصور أنه حقق بعض الإنجازات خلال المرحلة الماضية، من خلال نقل البنك المركزي إلى عدن، وإعادة فتح مؤسسات الدولة هناك، وبالتالي هم يرون أنه صار لديهم بنية تحتية لا بأس بها، ويجب التمسك بها، ولهذا يرفضون أن تعود مؤسسات الدولة إلى العاصمة السياسية للدولة، ويرفضون أن يكون هناك حوار سياسي بناءً على المرجعيات، أي أنهم يريدون أن يكون هناك عملية انتقالية مزمنة، وبالتالي بعد هذه العملية الانتقالية المزمنة يجب أن يحقق المجلس الانتقالي طموحاته السياسية، من خلال فصل جنوب اليمن عن شماله».

وأضاف: «كما أن الإقليم يريد الخروج من هذا المأزق. بمعنى ما تزال المرحلة غير مهيأة لتحقيق عملية سياسية متوازنة وعادلة وشاملة على مصالح جميع الأطراف». وقال دشيلة: «الإقليم، وخصوصًا دول الجوار، لا يوجد لديه رؤية لتحقيق السلام، والمجتمع الدولي لديه مشاكله الخاصة، ولهذا أصبحت الأزمة اليمنية بالنسبة له قضية ثانوية».

واستطرد: «ما الذي يحدث؟ تستمر السعودية وسلطنة عُمان بجهود تيسير الحوار، وتقديم مزيد من التنازلات وغير ذلك، ولكن هذا لن يُفيد، لأنه إذا بدأنا ببعض المعالجات الاقتصادية والمالية، فهذا قد يُفيد الجماعات المسلحة، ولكنه لا يُفيد المواطن، كما لا يُفيد في تحقيق عملية سياسية متوازنة وشاملة».

ووفقًا لمصادر يمنية عدة فقد تم خلال الأشهر الماضية إجراء نقاشات وتعديلات على خارطة طريق للحل في اليمن بوساطة سعودية وعمانية، وتم التوصل مؤخرا إلى مسودة خارطة الحل ، والتي (وفق ما تم تسريبه) تتضمن ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى تتضمن ترتيبات بناء الثقة، وتشمل وقف العمليات العسكرية بشكل كامل في الداخل اليمني والهجمات العابرة للحدود، وفتح كلي للمطارات دون تحديد وجهات معنية، ورفع كامل للقيود عن الموانئ أمام حركة الملاحة البحرية، وفتح كافة الطرقات والمعابر في عموم محافظات البلاد، بما في ذلك الطرق الرئيسية في محافظة تعز تدريجيًا، وصرف مرتبات الموظفين في القطاع العام (مدنيين وعسكرين) على أن يتم تغطية ذلك من قبل السعودية كمرحلة أولى مزمنة، ومن ثم يتم تغطية المرتبات من صادرات النفط والغاز، وإطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين تحت قاعدة (الكل مقابل الكل)، وتوحيد النبك المركزي اليمني، ووفق مصادر يصر الحوثيون في هذه النقطة أن يكون مقر البنك المركزي في صنعاء بينما يرفض الانتقالي الجنوبي نقل النبك من عدن، وفي هذا البند وضعت عدة مقترحات لتفادي الانقسام.

المرحلة الثانية تشمل إطلاق عملية سياسية يمنية شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة كافة الأطراف، ومع بدء العملية السياسية تبدأ القوات الأجنبية بالانسحاب من اليمن خلال فترة عام، ومناقشة الأطراف اليمنية وضع القوات العسكرية والأمنية على أن يتم تحديد نوع وشكل وقوام القوات التي يمكن لكل طرف الاحتفاظ بها مؤقتا.

أما المرحلة الثالثة فتشمل مناقشة شكل الدولة، والتركيز على مناقشة القضية الجنوبية.
وتشير مصادر إعلامية إلى أن ثمة تباينات مازالت قائمة بين أعضاء المجلس الرئاسي وبعض المكونات المنضوية داخل مكون الحكومة الشرعية، بشأن بعض البنود، وبخاصة ما يتعلق بعائدات النفط والغاز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى