​جبهة جديدة.. كيف يؤثر دخول الحوثيين الحرب على مستقبل المنطقة؟

> سارة شريف:

>
بعد أن هدد الحوثيون إسرائيل علنًا عدة مرات منذ بدء الحرب على غزة، وأطلقوا على مدار شهر ونصف الشهر عدة طائرات دون طيار وصواريخ كروز وصواريخ باليستية في اتجاه مدينة إيلات، لكن ظل ذلك مثل تهديدًا محدودًا على إسرائيل، خاصة بعدما تمّ اعتراض الطائرات والصواريخ، التي أخطأت أهدافها بشكل كامل.

ولكن تغير الأمر مؤخرًا، بعد أن أقدم الحوثيون على اختطاف سفينة شحن إسرائيلية، تحمل اسم «جالاكسى ليدر»، في البحر الأحمر، وعلى متنها طاقم من 20 شخصًا، وهو الحادث الذي وُصف بأنه تصعيد جديد وكبير قد يلقى بظلاله على الحرب في غزة، وهو ما نرصد أسبابه وتداعياته في السطور التالية.

مع استمرار العملية البرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، تصاعدت الدوافع في المنطقة لرفع وتيرة الضغط على إسرائيل، وإظهار «وحدة الساحات» من بعض الأجنحة والتنظيمات، التي حرصت على إبداء التضامن مع الفلسطينيين، ومن بينها جماعة الحوثي في اليمن.

وبدأ دخول الحوثيين إلى الصراع بإطلاق تهديدات ضد إسرائيل منذ اليوم الثاني لإعلانها الحرب على حركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة، حين أعلنوا عن نيتهم الانضمام إلى الأعمال القتالية وضرب إسرائيل، وأعلنوا وقتها على لسان رئيس حكومتهم أن «حماس جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ولا يمكن فصلها، أو فصل المقاومة عن الشعب».

وبعدها بدأ الحوثيون الانخراط في الحرب عبر إطلاق عدة صواريخ باليستية وطائرات مسيرة على مدينة إيلات الإسرائيلية، وتم اعتراضها جميعًا أو أخطأت أهدافها.

وقبل أسبوعين، أعلن الحوثيون أن قواتهم ستشن مزيدًا من الهجمات على إسرائيل، وأنها يمكنها استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ما انتقل من حيز التهديد إلى التنفيذ، وذلك بعد اختطاف سفينة إسرائيلية، ما أدخل الأمور إلى مرحلة أخرى.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، عن أن «اختطاف سفينة شحن من قبل الحوثيين بالقرب من اليمن في جنوب البحر الأحمر، هو حادث خطير للغاية وله عواقب عالمية».

وأشار إلى أن السفينة كانت قد غادرت تركيا فى طريقها إلى الهند، وعلى متنها مدنيون من جنسيات مختلفة، وليس من بينهم إسرائيليون، كما أنها ليست سفينة إسرائيلية، فيما أعلن الحوثيون أنها سفينة مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي.
وقبل حادث السفينة، لم يحدث أي رد فعل إسرائيلي يوحى بأن الحوثيين يمثلون خطرًا كافيًا يمكن الجزم معه بأنهم أصبحوا جزءًا حقيقيًا من المعركة.

بالنسبة إلى إسرائيل، فإن هناك عددًا من القيود التي تؤثر على كفاءة عمل الحوثيين، منها أن الساحة اليمنية تبعد نحو 2000 كلم عن مدينة إيلات، وهو ما يفرض حصر القدرات الهجومية بالقدرات الجوية أساسًا «صواريخ من أنواع مختلفة، وطائرات مسيّرة»، ومن البحر «ضرب السفن الإسرائيلية وحرية الملاحة في مضيق باب المندب».

كانت تقارير مختلفة قد أفادت بأن إسرائيل نقلت وسائل قتالية بحرية إلى هذه الساحة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن جزءًا من التجارة البحرية الإسرائيلية يمر عبر البحر الأحمر، وصولًا إلى إيلات، ويشكل البحر الأحمر عصبًا اقتصاديًا وتجاريًا مهمًا، فيما جاءت حادثة اختطاف السفينة لتقلب كل الموازين.

وحسب دراسة الباحث الإسرائيلي، إيلان زلايط، المنشورة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن إيران تستخدم اليمن كي تدرس قدرات إسرائيل الاعتراضية المتقدمة، في حال نشوب مواجهة مستقبلية بين الدولتين.
وأشارت الدراسة إلى أن إسرائيل استخدمت في دفاعها ضد إطلاق الحوثيين الصواريخ، وللمرة الأولى في العالم، طائرات إف -35، وذلك لاعتراض صواريخ بحرية.

كما أشارت إلى استخدام منظومة «حيتس 3» لاعتراض الصواريخ الباليستية، ويحظى هذا الاستخدام العملياتي الأول لمنظومة «حيتس 3» بأهمية خاصة، لأن هذه المنظومة تملك قدرة اعتراضية خارج الغلاف الجوي، وتُعتبر أداة «يوم القيامة» في الدفاع عن إسرائيل في مواجهة صواريخ غير تقليدية.

من ناحية أخرى، نوهت الدراسة إلى أن إطلاق الصواريخ كان نحو مدينة إيلات، وهي المكان الذي لجأ إليه عدد كبير من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم عن منطقة «غلاف غزة»، لافتة إلى أن ذلك يعد محاولة لخلق شعور بالحصار وعدم وجود مكان آمن في إسرائيل.

ولفتت إلى أن هناك هدفًا آخر من مهاجمة الحوثيين سفنًا إسرائيلية في البحر الأحمر، وهو إغلاق الممر الجنوبي إلى إسرائيل.

وأضافت أن الحوثيين يريدون، أيضًا، إثبات انتمائهم إلى المعسكر الإقليمي المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، وهذه الصورة تخدمهم في نزاعهم المحلى في اليمن، كما يريدون إظهار قوتهم في إطلاق مسيّرات هجومية نحو إيلات، التي تقع على بُعد آلاف 
الكيلومترات، وبذلك، يثبتون قدرتهم على الوصول إلى أي نقطة في الدول المحيطة بهم، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

رغم كل الأسباب السابقة، فإن حادث السفينة يغير المشهد في المنطقة، لكونه جاء في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة والقوى الغربية على منع إضفاء الطابع الإقليمي على حرب غزة، مع وجود مخاوف من توسيع الحرب لتشمل جبهات أخرى في المنطقة، مثل سوريا ولبنان واليمن، وغيرها من الدول التي تنشط بها تنظيمات موالية لإيران.

وفى يوم السبت الماضي، قبيل الهجوم، قال مستشار الرئيس الأمريكي بريت ماكجورك، في كلمته أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، خلال مؤتمره في المنامة، إن الولايات المتحدة مستعدة لجميع الطوارئ في المنطقة، مشيرًا إلى أنها ولهذا السبب نقلت مجموعة حاملة طائرات إلى المنطقة.

وأضاف: «لم ننشر مجموعة حاملة طائرات هجومية بسبب التهديد القادم من حماس، بل مع التركيز على إيران والعديد من الجماعات الوكيلة لها»، وتابع: «لقد تم نشر طراد في البحر الأحمر، هذا ليس من قبيل الصدفة». وقال: «عندما أطلق الحوثيون ما يقرب من 30 صاروخًا باليستيًا وطائرات دون طيار على إسرائيل، نعتقد أن طرادنا دمرها وأسقطها.. ولهذا السبب قمنا بنشر أصولنا العسكرية هنا، وستبقى هنا، بينما نعمل على الخروج من هذه الأزمة».

فيما قال عاموس هوشستاين، أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن لشئون الطاقة والاستثمار، أمام نفس المؤتمر، إنه كانت هناك تقديرات في إسرائيل بأن الحوثيين لا يريدون التسبب في اشتعال حرب إقليمية كبرى، لأن هذه الحرب من شأنها أن تهدد الإنجازات التي تمكنوا من حصدها في أعقاب التفاهمات بينهم وبين السعودية، ووقف إطلاق النار المستمر منذ أبريل 2022، ما يجعل من الصعب عليهم المخاطرة بهذا الإنجاز.

ورأت دراسة أعدها كل من سيما شاين ويوئيل جوزنسكى، ونشرت في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي حول البعد الإقليمي لتوسيع الجبهات، أن النشاط الحوثي والأخطار منه تعد أقل من احتمالات الضرر من كلٍّ من «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية، وغيرهما من الأطراف الموالية لإيران في سوريا.

وأوضحت الدراسة أن إسرائيل ستسعى إلى احتواء النشاط الحوثي، ومع ذلك، فمن المتوقع أنه كلما ضعفت «حماس» تصاعد الضغط على الحوثيين لتصعيد هجماتهم، وعندها ستواجه إسرائيل مصاعب في احتواء هذه الهجمات، ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات تكبّد الحوثيين خسائر بهدف ردعهم. ولفتت إلى أنه من شأن رد إسرائيلي كبير أن يدفع الحوثيين إلى اشتعال أوسع نطاقًا، يشمل الإقليم كله.

وذكرت أن تهديد السفن والزوارق الإسرائيلية في البحر الأحمر يمكن أن يعطى المواجهات بعدًا جديدًا، خصوصًا أن محور إيران في المنطقة اعترف على لسان حسن نصر الله، زعيم تنظيم «حزب الله» في لبنان، بأن الصواريخ والمسيرات الحوثية لا تصل إلى إسرائيل، وكان الرهان حينذاك أن الحوثيين لن يقدموا على مغامرة أكبر.

وأفادت بأنه رغم كل ذلك، ورغم حجم القوات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، والذي كان من الممكن أن يردع الحوثيين من توجيه ضربات حقيقية ومؤثرة، إلا أن التصعيد الأخير يبدو أنه سيغير هذه التوقعات، وسط رغبة إيران والتنظيمات الموالية لها بالمنطقة في أن تبدو كأنها الجهة الوحيدة التي تقف في صف المقاومة الفلسطينية.
"الدستور"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى