هجوم ضريح سليماني يهدف إلى هز ثقة إيران بمناعتها الأمنية وقوة استخباراتها

> طهران "الأيام" العرب:

>
​يحمل الهجوم الذي استهدف ضريح القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني رسالة تحدّ واضحة إلى إيران تستهدف إحدى أبرز رموزها وأيقونة “الشهادة” الإيرانية ومهندس سيطرة طهران على الشرق الأوسط.

ويهدف الهجوم، أيا كانت الجهة التي نفذته داخلية أم خارجية، إلى هز ثقة إيران بمناعتها الأمنية وقوة استخباراتها، في وقت تتصرف فيه وكأنها بمنأى عما يحدث في المنطقة من صراعات ومخاطر وحروب.

ومن الواضح أن الهجوم مدروس بشكل كبير ليس فقط من ناحية استهداف رمزية سليماني ودوره في توسيع التمدد الإيراني في المنطقة، وإنما أيضا من ناحية توقيته، وخاصة تزامنه مع ذكرى تصفية القائد السابق لفيلق القدس، ومن الوارد جدا تواجد قادة إيرانيين كبار في الاحتفال خصوصا من الحرس الثوري.

وتسعى إيران إلى تحويل سليماني إلى رمز شعبي لا يجب المس من رمزيته في بلد يقدس الرموز والشهداء في وقت لا يحوز فيه القائد السابق لفيلق القدس على توافق داخلي، خاصة لدى الأقليات العرقية من بشتون وأكراد وعرب. كما ينظر إليه إقليميا على أنه عنوان لاختراق إيران للمجتمعات في الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وأنه يقف وراء الفتنة المذهبية.

وعملت إيران في الأشهر الماضية على تدعيم النجاحات التي حققها سليماني في المنطقة لإظهار قوتها من خلال تنفيذ خطة مدروسة وغير مستعجلة في العراق لدفع القوات الأميركية إلى الانسحاب من القواعد العسكرية في شمال البلاد والاعتماد على مجموعات شيعية لتنفيذ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة لـ”تطفيش الأميركيين” من دون أن تتحمل طهران المسؤولية بشكل مباشر.

وفي اليمن نجح الحوثيون، الذين كان سليماني وراء تنامي قوتهم، في أن يتحولوا إلى رقم مزعج يهدد الملاحة في البحر الأحمر.

وسواء نفذ الهجوم إرهابيون أو فرق استخباراتية تابعة لدول، فإن الرسالة موجهة إلى أفراد الشعب الإيراني وتفيد بأن ما يحدث خارج إيران بدعم من النظام يرتد ويصل إليهم.

وقتل أكثر من 100 شخص جراء انفجارين وقعا بفارق دقائق في جنوب إيران واستهدفا حشودا كانت تحيي الذكرى السنوية الرابعة لمقتل سليماني بضربة أميركية.

ووقع الانفجاران، اللذان اعتبر مسؤول محلي أنهما “عمل إرهابي”، قرب مقبرة الشهداء في محافظة كرمان حيث يرقد سليماني، وفي ظل ظروف إقليمية شديدة التوتر على خلفية الحرب بين إسرائيل، العدو اللدود لإيران، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الحليف الوثيق لطهران.

وأوردت وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) أن “عدد الشهداء ارتفع إلى 103 بعد وفاة أشخاص أصيبوا بجروح في الانفجارين الإرهابيين” من بينهم ثلاثة من عمال الإنقاذ الذين هرعوا إلى المنطقة بعد الانفجار الأول، بحسب الهلال الأحمر الإيراني. وأفاد التلفزيون الرسمي بأن عدد الجرحى بلغ 181 شخصا، بعضهم في “حالة حرجة”.

وأعلنت إيران الخميس يوم حداد وطني وقال التلفزيون “إثر الهجوم الإرهابي في كرمان (جنوب) أعلنت الحكومة الخميس يوم حداد وطني في سائر أنحاء البلاد”. وندد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأربعاء بالتفجيرين معتبرا أن ما حصل عمل “جبان” و”مشين”.

ولم تقدم السلطات الإيرانية بعد تفاصيل بشأن التفجيرين. إلا أن وكالة تسنيم نقلت عن مصادر مطلعة، لم تسمّها، قولها إن “حقيبتين تحملان متفجرات انفجرتا” على الطريق المؤدي إلى مسجد صاحب الزمان حيث المقبرة. وأضافت أن “منفذي هذا الحادث يبدو أنهم قاموا بالتفجير مستخدمين جهاز تحكم عن بعد”.

وأظهرت اللقطات وجود الآلاف على الطريق، قبل أن يُسمع من بعيد دوي انفجار أثار هلعا بين الحاضرين الذين بدأ الكثير منهم يركضون للابتعاد عن المكان. كما أمكنت رؤية دخان يتصاعد في الخلفية، بينما عملت عناصر من قوات الأمن على فرض طوق. وأظهرت المشاهد على التلفزيون الرسمي العديد من سيارات الإسعاف والمسعفين في المكان.

ونقلت وكالة أنباء إيسنا شبه الرسمية الإيرانية عن محافظ كرمان سعيد تبريزي قوله إن “الانفجارين وقعا بفارق عشر دقائق فقط”.

كذلك نقلت الوكالة عن شاهد قوله “كنا نسير نحو المقبرة عندما توقفت سيارة خلفنا فجأة وانفجرت سلة مهملات تحوي قنبلة”. وكانت الجموع تحيي الذكرى الرابعة لمقتل سليماني بضربة جوية أميركية فجر الثالث من يناير 2020 بُعيْد خروجه من مطار بغداد. وقضى معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.

وكان سليماني آنذاك قائدا لفيلق القدس الذي أُوكلت إليه مهمة العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وأحد أبرز القادة العسكريين في إيران، وصاحب دور محوري في رسم إستراتيجيتها في الشرق الأوسط على مدى أعوام طويلة.

ويعزى إلى سليماني الدور الأكبر في إرساء “محور المقاومة”، وهي التسمية التي تطلق على الأطراف الحليفة لطهران في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، والحوثيين في اليمن، إضافة إلى بعض الفصائل العراقية.

وحظي سليماني بمكانة رفيعة لدى العديد من الإيرانيين وشارك الملايين منهم في تشييعه مطلع عام 2020 خلال مراسم تنقلت بين عدة محافظات وصولا إلى مواراته الثرى في مسقط رأسه كرمان.

وينسب إلى سليماني دور كبير في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا خلال العقد الماضي.

وأشاد به المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بعد مرور أيام على مقتله بالقول “قتلوا شخصًا كان القائد الأكثر قوّة في الحرب على الإرهاب (…) بعملية غادرة وجبانة وقد اعترفوا بها، فأي خزي وعار أكبر من ذلك لهم”.

وأثار قتل سليماني، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، توترا حادا بين واشنطن وطهران التي ردّت على اغتياله بقصف صاروخي طال قاعدة عسكرية في غرب العراق يتواجد فيها جنود أميركيون. وسبق لإيران أن شهدت حوادث وتفجيرات أدت إلى مقتل العشرات، تبنت غالبيتها تنظيمات انفصالية أو جماعات تصنّفها الجمهورية الإسلامية “إرهابية”.

ففي فبراير 2019 قتل 27 عنصرا من الحرس الثوري في تفجير انتحاري استهدف حافلتهم في محافظة سيستان وبلوشستان بجنوب شرق البلاد عند الحدود مع أفغانستان وباكستان.

وفي سبتمبر 2018 قتل 24 شخصا على الأقل في هجوم استهدف عرضا عسكريا في مدينة الأهواز بجنوب غرب إيران، اتهمت السلطات مجموعة مرتبطة بـ”انفصاليين تكفيريين” بالوقوف خلفه.

وفي ديسمبر 2010 تبنت مجموعة “جند الله” المتطرفة هجوما انتحاريا استهدف مصلين يحيون ذكرى عاشوراء في جابهار (جنوب شرق)، ما أدى إلى مصرع 34 شخصا وإصابة عشرات.

وفي يوليو من العام نفسه قتل 28 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 250 بجروح في اعتداء على مسجد للشيعة في زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوشستان، أتى بعد أسابيع من إعدام زعيم “جند الله” عبدالملك ريغي شنقا.

وتبنت المجموعة في أكتوبر 2009 هجوما انتحاريا أودى بحياة 42 شخصا في مدينة بيشين قرب الحدود الباكستانية، وقد استهدف اجتماعا ضمّ ضباطا في الحرس الثوري وزعماء محليين لـ”تعزيز الوحدة بين الشيعة والسنة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى