د. البار يهد معبد الماضي الثقافي على رؤوس هاربة

> تابعت عبر الزوم حديث د. عبدالله حسين البار عن طبيعة الثقافة في حضرموت، مدخلًا إلى الهوية الثقافية على مفترق طرق، في أولى فعاليات منتدى عميد الوفاء الثقافي بالمكلا (الأربعاء:20 مارس 2024).

بإشاراته الذكية إلى علامات رئيسة في التكوين الثقافي، ثم بنصه على أن الثقافة في حضرموت ستاتيكية نزّاعة إلى التقليد، كان البار صادمًا أو مخيبًا لتوقعات كثيرين ممن يأخذهم الزهو بالذات عادةً، حد الظن بأن موجهات الثقافة في العالم ذات أرومة حضرمية. فكأني بالدكتور البار وهو يشرّح تلك الثقافة، إنما كان يشرّح الدائرين بحميةٍ منذ زمن حتى اللحظة حول مقام ستاتيكي يعيد إنتاج المنتج، ويتهيب أسئلة العصر وتحدياته، كما تهيبها الاستاتيكيون الأوائل.

لست أدري، لكن تراءى لي امرؤ القيس، ذلك الشاعر الذي لا يفخر به الحضارمة كثيرًا، فيتجاوزه كثيرون باعتبار أنه جاهلي لا يستقيم الوقوف على فتوحاته الجمالية، إزاء الزهو بالفتوحات الإسلامية، أعني نشر الإسلام في شرق آسيا وأفريقيا، فلا يُقرأ أمرؤ في فرادته وخروجه على التنميط الإبداعي والسياسي أيضًا باعتباره ابن ملك.

الثقافة الدينية سبغت كل شيء في حضرموت، فكان للثابت سلطته العليا على المتحول. وفي هذا المجال تفصيل كما يقال.

لكن السؤال الأهم الآن هو لماذا ظل للنزعة الاستاتيكية هيمنتها حتى على اللحظة الراهنة رغم التحولات الكبرى في عالم أصبح الأقصى فيه أدنى أحيانًا من الأدنى؟ ولماذا ظل للجامع، مثلًا، سلطته الماضية على الجامعة التي هي أبعد ما تكون عن الديناميكية المعوّل عليها للخروج من مفازات الماضي إلى واحات الحاضر فالمستقبل؟ بل لماذا لم يأتِ 2024 بعد، ومازلنا نراوح في 1924 أو ربما أبعد من ذلك؟

حديث د. البار على انسجامه مع طبيعة مداخلة في النظر إلى الظواهر، حديث من وعى طبيعة الإشكالية الثقافية، متخففًا من نرجسية لها في حضرموت أفاعيلها، باعتبارها جزءًا من سيكلوجية عامة، يُسقط بها الحضرمي المزهو، الآن، عن نفسه شبهة الهرب من مواجهة التساؤلات، محتميًا بالركون إلى إجابات الماضي، فلا يرى المستقبل إلا في مرآة الماضي. أي: لماذا نحن خارج التاريخ؟ لأننا أهملنا التاريخ، وعندما نعيد إنتاج الماضي - وهو ضد منطق الصيرورة - فإن لنا أن نكون. فما نحن، في ذلك التصور المتهافت، سوى صورة الأسلاف، مع أن د. البار يقولها بلا مواربة أن تلك الصورة كانت على العكس تمامًا من السردية الخرافية المتداولة.

هذه عجالة انطباعية لا أكثر، وددت أن أحيي بها أستاذنا العزيز د. عبدالله البار، فحديثه ذو شجون تستثير شجونًا ثقافية وشؤونًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى