دول الخليج تستنجد بقوتها الناعمة لوقف تصعيد خشن مهدد لاستقرارها

> الرياض "الأيام" العرب اللندنية:

> جعل التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل بلدان الخليج العربي تشعر أكثر من أي وقت مضى بوجود إمكانية حقيقية لأن يطال الصراع المتصاعد في المنطقة مجالها الجغرافي ويؤثّر على استقرارها الفريد ويهدّد مصالحها الاقتصادية ومشاريعها الطموحة للتنمية والتطوير.

وفي خطوات استباقية لتوسّع الصراع وبلوغه نقطة اللاّعودة، حرّكت بلدان الخليج آلتها الدبلوماسية في عدّة اتجاهات سعيا لتطويق التصعيد مستخدمة علاقاتها المتنوّعة مع أطراف إقليمية ودولية متعدّدة، ومعوّلة على شبكة المصالح التي تربطها بتلك الأطراف التي من بينها قوى فاعلة ومؤثّرة في المشهد العالمي.

واستقطب الدور العماني الأضواء مجدّدا بسبب خبرة السلطنة الطويلة بالوساطات بين أكثر الفرقاء تنافرا وبشأن أعقد الملفات والقضايا، وأيضا بفعل رصيد الثقة الذي راكمته مسقط على مدى سنوات طويلة بفضل توجّه دبلوماسي ثابت قائم على مفهوم خصوصي للحياد الذي يجمع بين تجنّب الانغماس في سياسة المحاور جنبا إلى جنب تفهمّ وجهات نظر جميع الأطراف ومراعاة مصالحها ومحاولة التخفيف قدر الإمكان من تناقضها.

وقال مصدر سياسي إنّ خصوصية الظرف الذي تمر به المنطقة والطبيعة المتسارعة للأحداث فيها حتّمتا انتقال سلطة عمان من دور الوسيط الصبور والمثابر أو حامل الرسائل الأمين والكتوم إلى دور الإطفائي النشط والحازم، مضيفا أنّ الآلة الدبلوماسية العمانية تدور الآن بأقصى سرعتها وجهدها.

وسجلت الدبلوماسية العمانية حضورا مباشرا في ملف التصعيد الإيراني – الإسرائيلي، قبل قيام إيران بما سمّته ردّا عسكريا على استهداف إسرائيل لمقرّها القنصلي في دمشق، وبعده.

وتواصل وزيرا الخارجية العماني والإيراني بشكل مباشر قبل الخطوة التصعيدية الإيرانية ما يعني أنّ مسقط أحيطت بها علما وقد تكون حُمّلت برسائل بشأنها إلى جهات إقليمية ودولية.

ثم عاد الوزيران ليتواصلا مجدّدا وعبر الهاتف هذه المرّة، بحسب ما أعلنته الخارجية العمانية الثلاثاء، ما يعني أنّ مسقط عادت لتلعب دورا في تطويق تبعات التصعيد والحدّ من تداعياته.

وقالت وزارة الخارجية العمانية في بيان إنّ وزير الخارجية بدر البوسعيدي بحث في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، التصعيد العسكري في المنطقة.

وذكرت أنّه جرى التأكيد خلال المكالمة الهاتفية “على أهمية التهدئة وبذل كافة الجهود لتفادي توسيع الصراع”.

وبالتوازي مع الجهد العماني لوقف التصعيد والنأي بمنطقة الخليج عن تبعاته، تحرّكت السعودية والإمارات وقطر كل من جهتها لمنع دخول الأحداث في منزلق خطير على المنطقة ومصالح دولها.

وتستند كل من الرياض وأبوظبي إلى قوّتهما الدبلوماسية واتّساع شبكة علاقاتهما عبر العالم، لاسيما مع الدول الكبرى التي أبدت دائما حرصا على الحفاظ على قدر عال من الصداقة معهما نظرا لما تجد في ذلك من مصالح حيوية.

وتقع دول الخليج الغنية بموارد الطاقة على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية من حيث أُطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت – الأحد باتجاه إسرائيل ردا على هجوم استهدف قنصلية طهران في دمشق ونُسب إلى الدولة العبرية وأدى إلى مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري. وقد تمكّنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيّرات.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة كينغز كوليدج في لندن أندرياس كريغ أن دول الخليج تتشارك “إدراكا عاما بأنّ الصراع مضرّ للأعمال وأن تجنّب النزاع أصبح الآن أمرا ضروريا مهما كلّف من ثمن”.

وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل أجرى قادة دول الخليج اتصالات دبلوماسية مكثّفة. وتحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الاثنين مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن “ضرورة خفض كافة أشكال التصعيد وتجنّب اتساع رقعة الصراع في المنطقة”، بحسب بيان للديوان الأميري.

وكان الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد ناقش الأحد مع كلّ من الشيخ تميم والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة “تطوّرات الأوضاع في المنطقة” بحسب ما أوردته وكالة أنباء الإمارات وام.

وتحدّث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وأجرى كلّ من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان محادثات هاتفية مع نظيرهما الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في حين تواصل وزيرا الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح مع نظيرهما الأميركي لويد أوستن.

وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الاثنين اجتماعا استثنائيا لتدارس الأحداث الجارية في المنطقة.

ويضع التصعيد الأخير الكثير من الأمور على المحك بالنسبة إلى دول الخليج الستّ التي يستضيف أغلبها منشآت عسكرية أميركية. ويعتمد تحقيق أهداف خططها عالية الكلفة المالية والرامية إلى تنويع اقتصاداتها، على ضمان السلام والأمان لازدهار الأعمال والسياحة في مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.

والسعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، هي أكثر الدول الخليجية إنفاقا في هذا المجال، إذ استثمرت مئات المليارات من الدولارات لبناء مدن جديدة ومعالم ترفيهية ضمن خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة أطلقها ولي العهد وتعرف باسم رؤية 2030.

ويقول المحلّل السعودي المقرّب من الديوان الملكي علي الشهابي لوكالة فرانس برس إنّ “الأولوية القصوى بالنسبة إلى السعودية هي عدم تصاعد الأزمة”.

ويوضح أن إيران في حال تعرّضت لهجوم قد “تميل طهران إلى الردّ في دول مجلس التعاون الخليجي نظرا لقربها الجغرافي منها وكثرة الأهداف التي تصعب حمايتها”.

وسبق أن تعرّضت السعودية لهجمات شنّها المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران في خضمّ نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية المدعومة من تحالف عسكري تقوده الرياض.

ويضيف الشهابي “أدركت إيران للتو مدى صعوبة استهداف إسرائيل الواقعة على بعد آلاف الأميال، لكن وقوع دول مجلس التعاون بقربها وحجمها الهائل مقارنة بإسرائيل، هي قصة أخرى”.

ويمكن لاستئناف الرياض علاقاتها مع طهران العام الماضي بعد قطيعة طويلة أن ينعكس إيجابا على السعودية، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

وقد تسبّبت حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي بعرقلة جهود الوساطة الأميركية للتوصل إلى تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

ويقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية عمر كريم “ستضغط السعودية بالطبع على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وعدم الردّ على الهجمات الإيرانية”.

وتشترك جميع دول الخليج في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة رغم ما شهدته تلك العلاقات خلال السنوات الأخيرة من فتور نسبي بسبب تراجع إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن عن الالتزام التاريخي لواشنطن تجاه حلفائها وخصوصا ما يتعلّق بالحفاظ على أمنهم واستقرارهم.

وجدّدت واشنطن تأكيدها على دعمها الصارم لإسرائيل، مؤكدة في المقابل أنها لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد محتمل على إيران.

وبحسب كريم، فإن أي تدهور إضافي لن يترك خيارات كثيرة لدول الخليج. ويقول “بالتأكيد كلما انتهى هذا الصراع مبكرا، كان ذلك أفضل لكافة دول الخليج”.

ويضيف أنّ “الصراع يخلق بشكل متزايد توازنا إقليميا جديدا للقوى مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى. بينما تكافح دول الخليج من أجل المكانة والتأثير السياسي”.

ويتابع قوله “بالتالي فإن التصعيد يضع الخليجيين في موقف صعب لأنهم لا يريدون الوقوف مع أي من المعسكرين ولكنهم سيتأثرون بغض النظر عن كل شيء”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى