صح عنه صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه أبو داود في السنن- أنه قال: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، هذا نص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما كلمة (المهدي) فهي وصف وليست اسماً، أي: وصف لهذا الرجل الذي سيخرج، وليست اسماً له، وجاء في بعض الأحاديث ذكر اسمه، حيث قال عليه الصلاة والسلام عنه: (يواطئ اسمه اسمي) أي أن اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم (محمد)، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم (عبد الله).

قوله عليه الصلاة والسلام: (مني) أي: من ذريتي، ومعلوم أن هناك ما يعرف بـ (آل البيت)، لكن (آل البيت) كلمة أوسع ووصف أعم من قوله عليه الصلاة والسلام: (مني)؛ لأن (آل البيت) يدخل فيها كل من يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده هاشم، فيدخل فيها آل عقيل، وآل جعفر، وأبناء علي من غير فاطمة، فهؤلاء كلهم يجتمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده هاشم، فيسمون آل البيت وتحرم عليهم الصدقة، كما يدخل فيهم حلفاً آل المطلب، والمطلب هذا أخ لـ هاشم، وكانت ذريته مع النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب لما حاصرته قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد.

وشبك بين أصبعيه)، فأدخل جمهور العلماء -بناء على هذا الحديث؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم من الخمس كما أعطى آل البيت- أدخلوا آل المطلب في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا عام.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (مني) أي: من ذريتي، أي: من ذريته عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن النبي عليه السلام لم يُخَلِف ذكوراً، بل خلف ذكرين ماتا في حياته، فانقطع بذلك النسب الذي ينتسب إليه من جهة أولاده الذكور، وبقي له من الإناث أربع: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، فأما رقية وأم كلثوم فتزوجهما عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأم كلثوم لم تنجب من عثمان أحداً، وأما رقية فأنجبت غلاماً فمكث حوالي ست سنين ثم مات، حيث نقره ديك في وجهه فانتفخ ثم مات، وأما زينب فولدت أمامة من أبي العاص بن الربيع زوجها، ثم ماتت دون أن تخلف، فلم يبق إلا فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فزوجها النبي عليه الصلاة والسلام بعد منصرفه من بدر من علي رضي الله عنه وأرضاه، فولدت له الحسن والحسين ومحسناً، فأما محسن فتوفي وهو صغير، فبقيت الذرية التي تنتسب إليه صلى الله عليه وسلم محصورة في ذريته عليه الصلاة والسلام من الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لمهدي مني) أي: من ذرية الحسن أو من ذرية الحسين، وجمهور أهل السنة على أن الأحاديث تدل على أنه من ذرية الحسن بن علي، وأن اسمه محمد بن عبد الله ثم ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي، فهو من جهة أبيه ينتهي إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وإذا وصلنا إلى الحسن فإنه يتفرع من جهة أمه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لمهدي مني).
  • انتظار ظهور المهدي وأصناف الناس في ذلك
وهذه معاناة تعانيها الأمة، فهي تعاني من قضية الربط بين شيئين: بين واقع مشهود تلحظه بعينك، وهو الأمة وما فيها من ذل وهوان، وبين غيب منشود، وهذا الغيب ثبت في الأخبار أنه سيعلو، ولكن هؤلاء ما استطاعوا أن يربطوا ربطاً حقيقياً بين واقعهم وبين الأمل الذي ينتظرونه، فظهر في الأمة كثيرون لا داعي لذكر أسمائهم فتسموا بالمهدي، وبعضهم سمى بالمهدي على أمل أن يكون هو، ثم يموت، كبعض خلفاء بني العباس، ولكن أتى أقوام ويزعم الواحد منهم أنه المهدي، فالمهدي قال عنه عليه الصلاة والسلام: (يبايع له بين الركن والمقام)، والناس في المهدي إما غال في إثباته، وإما منكر جاف في إنكاره.

وبيان هذا على الوجه التالي: فالذين غالوا في إثباته هم الذين كلما ظهرت حرب أو ظهرت معركة أو ظهر زعيم أو ظهر قائد أو انتصرت الأمة بعد نكسة قالوا: هذا هو المهدي، وهذا حصل في مصر وحصل في السودان وحصل في كثير من الدول الإسلامية، وحصل في جزيرة العرب في القرامطة، فكلما ظهر رجل وعلا قالوا: هذا هو المهدي.

والآخرون على العكس، حيث قالوا: هذا يضيع الأمة ويشتتها ويجعلها تتكل على غيبيات والدين، لم يأت بالغيبيات، فلا يوجد مهدي، ولا مهدي عندهم إلا عيسى ابن مريم، وممن نحى هذا المنحى ابن خلدون رحمه الله عليه -على علمه- في المقدمة، وتبعه عليه بعض العلماء المعاصرين، فأنكروا مسألة المهدي بالكلية، وهذا الأسلوب خطأ، فلا ترد السنة لوجود ناس لا يفقهون.

ويظن بعض الناس أن الأمة ستبقى على حالها حتى يظهر المهدي، وهذا خطأ في استقراء النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المهدي هو الذي يصلي بالناس في بيت المقدس وقت نزول الدجال، وهذا يلزم منه أن بيت المقدس سيحرر ويفتح قبل نزول المهدي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المهدي يريد أن يؤم الناس بالصلاة فينزل عيسى ابن مريم في صلاة العصر، فيتأخر المهدي فيقدمه عيسى؛ لأن هذا المهدي في صدره القرآن وعيسى في صدره الإنجيل، والقرآن مقدم على الإنجيل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن منكم لمن يصلي عيسى ابن مريم خلفه أو وراءه تكرمة من الله لهذه الأمة)، حتى يعلم علو شأن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن كون عيسى يصلي وراء المهدي لا يعني أبداً أن المهدي أفضل منه، فعيسى ابن مريم عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهو أفضل من كثير من الأنبياء فضلاً عن كونه أفضل من المهدي وأفضل من الصحابة.

والذي يعنينا في هذا كله أن الله جعل هذه الأشراط والعلامات ليستعد الناس للبعث، ويستعد الناس للنشور؛ فما الأشراط ولا خروج المهدي ولا خروج الدجال ولا نزول عيسى ولا طلوع الشمس من مغربها ولا خروج الدابة إلا إرهاصات لقيام الأشهاد وحشر العباد بين يدي الله.وعلا سيصلحه في ليلة، وأن الرب تبارك وتعالى سيملأ به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.