> عادل الكلباني
في مثل هذه الأيام قبل أربعة عشر قرنًا ونيف تشرفت الدنيا بمولد الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لها معه ميعاد، بدأ بيوم الميلاد، كان الموعد مع الرسالة الخالدة، والبعثة المشرفة، إلى الناس كافة، بل إلى الثقلين الإنس والجن، تبشر المؤمنين، وتنذر الكافرين، وتذكرهم بيوم المعاد.
ولد الهدى فالكائنات ضياء ** وفم الزمان تبسم وضياء
في ربيع الأول بدأت قصة النهاية للظلم والطغيان، وفي ربيع الأول بدأت رسالة الإسلام الخاتمة تزهو في الزمان، فإن أول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى جاءه جبريل عليه السلام بتلك الكلمات الخالدات ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)). فكانت مدة الوحي بالرؤيا ستة أشهر. وفي ربيع الأول تشرفت المدينة بقدمه الشريف تطأ ثراها، وفي ربيع الأول كان الموعد مع المصاب الجلل فآذنت شمس حياته صلوات ربي وسلامه عليه بالمغيب.
ويكثر الجدل كما هي العادة كل عام حول مولده صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يحذر الخطباء من الاحتفاء به، وسيحتفل به آخرون، في شتى بقاع الدنيا المسلمة.
والذي أحب التنويه به، والتأكيد عليه، أنه في معزل عن الجدال في حكم الاحتفاء بمولده، فإن الذي لا مراء فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لنا ضياء ونورًا، ومشعلًا أبصرنا به الطريق، واهتدينا به إلى السبيل، ولا ريب أن محبته تضرب أطنابها في قلوب المؤمنين، والشوق إلى رؤيته حلم يراود حتى الفاسقين، بله أن يكون أمنية للمتقين. ولا طريق إلى ذلك إلا باتباع نهجه والتمسك بسنته، وعدم الابتداع في شريعته.
ولكن للمناسبة مكانتها في التذكير، ولها وقعها في التأثير، لهذا لما سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام يوم الاثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه، وذاك يوم بعثت، أو قال: أنزل عليّ فيه. رواه مسلم. ولما تشرفت المدينة المنورة بمقدمه صلى الله عليه وآله وسلم، واستقر له الأمر فيها وجد يهود تصوم يوم عاشوراء، فسأل عن سبب صيامهم له، فقيل: إن ذاك يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى، فقال: نحن أحق بموسى منهم، فصامه، وأمر بصيامه.
قال ابن حجر: فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة.
وبناءً عليه فإني أقول إنه لا ينبغي للمسلمين أن يجرهم الشيطان إلى الابتداع، ولكن ليحذروا أيضا من أن يجعل ذلك الخوف من الوقوع في البدعة سبباً للتجاهل المميت لسنته وسيرته وهديه.
فكثيرًا ما نسمع من المحذرين من بدعة المولد النبوي القول بأنه صلى الله عليه وآله وسلم مذكور في كل حين، وأن سيرته تدرس في كل وقت، وما أشبه هذا الكلام، الذي يشهد الواقع بأنه غير دقيق، أو فلنقل غير صحيح، فإن ذكره قد طغت عليه محدثات كثيرة، حتى بات الزاعمون اتباعه لا يتحدثون عنه إلا في التحذير من يوم المولد، ثم يمر العام وتنقضي السنة والحديث في كل موضوع سوى السنة أو السيرة، ولو سألنا أبناءنا عن صفاته، بل لو سألنا أنفسنا عن هذه الصفات، وعما نعرفه من سيرته، أو نحفظه من سنته لكان الجواب مرًا علقما لا يستساغ، ولا يمكن ابتلاعه، فإن واقعنا المشاهد أن الناس يعرفون كل شيء عن التافهين، وعن الساقطين، ولا يهتمون بسيرة سيد المرسلين، صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعرفون منها إلا نزرًا قليلًا لا يسمن ولا يغني من جوع.
فدعك من النقاش الذي لا طائل منه حول حكم الاحتفال بمولده، صلى الله عليه وآله وسلم، واسأل نفسك سؤالًا وواجهها بإجابته بكل صدق، دون خداع لها، أو اعتذار عنها، سل نفسك متى قرأت كتابًا عن سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وما هي المعلومات التي تملكها عنه، هل تعرف نسبه؟ هل تعرف صفته، هل تعرف أزواجه، وبناته، هل تعرف ما يحب وما يكره، هل تعرف شيئا من تفاصيل حياته؟
ستكتشف أنك قد خدعك الشيطان من طريق السنة، حين أوهمك أن قراءة سيرته تقود إلى التصوف، وأن محبته ليست قلبية بل هي محبة اتباع، ثم تفتش في نفسك لتجد أن هذا الاتباع إنما هو في ترك الاحتفال بمولده، ثم مخالفته في هيئته وفي سنته، فتجد عشرين تأويلًا وعذرًا لتحلق لحيتك، ولو قرأت في صفته لعلمت أنه كان كث اللحية، لم يكن يسبل ثوبه، ولم يكن أصحابه رضي الله عنهم يفكرون في المسألة هل هي سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، أم هي فعل فعله حبيبهم فهم يحبونه لأجل ذلك، ويفعلونه حبًا وتأسيًا وتشبهًا بالكرام.
بينما أنت الحريص على عدم الابتداع لا نرى فيك شيئًا مما يشعرنا أنك حريص على الاتباع، فنال منك الشيطان ما يريد إذ أبعدك عن سنته، وعن سيرته واقعا، وملأ حياتك بغيره، ثم زين لك أن هذا هو حق الاتباع، فقل لي بربك كيف تتبع من لا تعرف وصفه، ولا هديه، ولا تعلم شيئا عن حياته، إلا ما تتلقفه من هنا أو هناك، وكيف ترجو أن تحشر مع من لا تحبه إلا ادعاء، ولو كنت صادقًا في ذلك لظهر أثره في حياتك.
إن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالعمل وفق ما جاء به فحسب، بل هو حب قلبي، حب يقطع نياط القلب، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. رواه مسلم. وحب الولد والوالد ليس حب اتباع، بل هو حب عاطفي من سويداء القلب.
فلا ينبغي أن يمر شهر ربيع كله دون تذكره، وقراءة سيرته، والنظر في سنته، ومحاسبة النفس في إقبالها على طاعته، أو تجرؤها على معصيته.
فاجعل من ربيع الأول كله مناسبة لذلك، حتى تستقيم حياتك على منهاجه، ويمتلأ قلبك بمحبته، فإنك والله لن تدرك النجاة حتى يفيض قلبك حبا له، وتعظيما، فاشكر الله على منته عليك أن كنت من أمته، واسع لكي تحشر في زمرته، وتحت لوائه وترد حوضه، وتنال شفاعته، وتدخل الجنة معه، فالمرء مع من أحب، فلا يغلبنك أحد على حبه، ومَنّ النفس برؤيته، وزِمّها بسنته، واحدها بسيرته، ومنّها برفقته، وأكثر عليه الصلاة والسلام، كي تحظى بمعيته.
واستمع لوصف من أرسله رحمة للعالمين بقوله في معرض الامتنان على أمته ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)) فيا الله كم نحن بشوق إليه.
ولد الهدى فالكائنات ضياء ** وفم الزمان تبسم وضياء
ويكثر الجدل كما هي العادة كل عام حول مولده صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يحذر الخطباء من الاحتفاء به، وسيحتفل به آخرون، في شتى بقاع الدنيا المسلمة.
والذي أحب التنويه به، والتأكيد عليه، أنه في معزل عن الجدال في حكم الاحتفاء بمولده، فإن الذي لا مراء فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لنا ضياء ونورًا، ومشعلًا أبصرنا به الطريق، واهتدينا به إلى السبيل، ولا ريب أن محبته تضرب أطنابها في قلوب المؤمنين، والشوق إلى رؤيته حلم يراود حتى الفاسقين، بله أن يكون أمنية للمتقين. ولا طريق إلى ذلك إلا باتباع نهجه والتمسك بسنته، وعدم الابتداع في شريعته.
ولكن للمناسبة مكانتها في التذكير، ولها وقعها في التأثير، لهذا لما سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام يوم الاثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه، وذاك يوم بعثت، أو قال: أنزل عليّ فيه. رواه مسلم. ولما تشرفت المدينة المنورة بمقدمه صلى الله عليه وآله وسلم، واستقر له الأمر فيها وجد يهود تصوم يوم عاشوراء، فسأل عن سبب صيامهم له، فقيل: إن ذاك يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى، فقال: نحن أحق بموسى منهم، فصامه، وأمر بصيامه.
قال ابن حجر: فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة.
وبناءً عليه فإني أقول إنه لا ينبغي للمسلمين أن يجرهم الشيطان إلى الابتداع، ولكن ليحذروا أيضا من أن يجعل ذلك الخوف من الوقوع في البدعة سبباً للتجاهل المميت لسنته وسيرته وهديه.
فكثيرًا ما نسمع من المحذرين من بدعة المولد النبوي القول بأنه صلى الله عليه وآله وسلم مذكور في كل حين، وأن سيرته تدرس في كل وقت، وما أشبه هذا الكلام، الذي يشهد الواقع بأنه غير دقيق، أو فلنقل غير صحيح، فإن ذكره قد طغت عليه محدثات كثيرة، حتى بات الزاعمون اتباعه لا يتحدثون عنه إلا في التحذير من يوم المولد، ثم يمر العام وتنقضي السنة والحديث في كل موضوع سوى السنة أو السيرة، ولو سألنا أبناءنا عن صفاته، بل لو سألنا أنفسنا عن هذه الصفات، وعما نعرفه من سيرته، أو نحفظه من سنته لكان الجواب مرًا علقما لا يستساغ، ولا يمكن ابتلاعه، فإن واقعنا المشاهد أن الناس يعرفون كل شيء عن التافهين، وعن الساقطين، ولا يهتمون بسيرة سيد المرسلين، صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعرفون منها إلا نزرًا قليلًا لا يسمن ولا يغني من جوع.
فدعك من النقاش الذي لا طائل منه حول حكم الاحتفال بمولده، صلى الله عليه وآله وسلم، واسأل نفسك سؤالًا وواجهها بإجابته بكل صدق، دون خداع لها، أو اعتذار عنها، سل نفسك متى قرأت كتابًا عن سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وما هي المعلومات التي تملكها عنه، هل تعرف نسبه؟ هل تعرف صفته، هل تعرف أزواجه، وبناته، هل تعرف ما يحب وما يكره، هل تعرف شيئا من تفاصيل حياته؟
ستكتشف أنك قد خدعك الشيطان من طريق السنة، حين أوهمك أن قراءة سيرته تقود إلى التصوف، وأن محبته ليست قلبية بل هي محبة اتباع، ثم تفتش في نفسك لتجد أن هذا الاتباع إنما هو في ترك الاحتفال بمولده، ثم مخالفته في هيئته وفي سنته، فتجد عشرين تأويلًا وعذرًا لتحلق لحيتك، ولو قرأت في صفته لعلمت أنه كان كث اللحية، لم يكن يسبل ثوبه، ولم يكن أصحابه رضي الله عنهم يفكرون في المسألة هل هي سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، أم هي فعل فعله حبيبهم فهم يحبونه لأجل ذلك، ويفعلونه حبًا وتأسيًا وتشبهًا بالكرام.
إن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالعمل وفق ما جاء به فحسب، بل هو حب قلبي، حب يقطع نياط القلب، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. رواه مسلم. وحب الولد والوالد ليس حب اتباع، بل هو حب عاطفي من سويداء القلب.
فلا ينبغي أن يمر شهر ربيع كله دون تذكره، وقراءة سيرته، والنظر في سنته، ومحاسبة النفس في إقبالها على طاعته، أو تجرؤها على معصيته.
فاجعل من ربيع الأول كله مناسبة لذلك، حتى تستقيم حياتك على منهاجه، ويمتلأ قلبك بمحبته، فإنك والله لن تدرك النجاة حتى يفيض قلبك حبا له، وتعظيما، فاشكر الله على منته عليك أن كنت من أمته، واسع لكي تحشر في زمرته، وتحت لوائه وترد حوضه، وتنال شفاعته، وتدخل الجنة معه، فالمرء مع من أحب، فلا يغلبنك أحد على حبه، ومَنّ النفس برؤيته، وزِمّها بسنته، واحدها بسيرته، ومنّها برفقته، وأكثر عليه الصلاة والسلام، كي تحظى بمعيته.
واستمع لوصف من أرسله رحمة للعالمين بقوله في معرض الامتنان على أمته ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)) فيا الله كم نحن بشوق إليه.