حلّت يوم الخميس الماضي 2025/6/26 الذكرى الـ47 لاغتيال الرئيس الجنوبي السابق سالم ربيع علي والمعروف باسم (سالمين).
مثّلت واقعة اغتيال سالمين واحدة من أبشع الحوادث السياسية التي هزّت جنوب اليمن في العام 1978 بعد أن حاصرت وحدات من الجيش مقر إقامته بقيادة عدد من القيادات العسكرية، ووقعت اشتباكات مع حراسته، قبل أن يُنفذ فيه حكم الإعدام بشكل مفاجئ وسري.
حتى اليوم لا يُعرف رسميًا مكان دفن سالمين ورفاقه،ولا توجد شواهد على قبورهم، رغم وجود روايات متداولة تقول إنهم دُفنوا سرًا في عدن
وهي رواية سنتطرّق إليها لاحقًا في نهاية هذا المقال.
وبعد 47 عامًا على اغتياله لا يزال صوت البندقية هو الحاضر في جنوب اليمن ويستذكر الجنوبيون مقتل سالمين بالكثير من الأسى، لكن هذا الأسى وحده لا يكفي لتفسير ما جرى ولا لإنهاء آثاره الممتدة.
كان سالمين واحدًا من أبرز القيادات السياسية التي قادت جنوب اليمن بعد الاستقلال، ويوصف بأنه كان الرئيس الأكثر قربًا من جميع الأطياف المجتمعية، يعيش ببساطة، ويحب الفقراء، حتى لقّبه الناس بـ(أبو المساكين).
شهدت البلاد في عهده ازدهارًا كبيرًا في التعليم والصحة، لكنه ارتكب أيضًا بعض الأخطاء السياسية كما يقول خصومه. وكان من أشد الرافضين لفكرة دمج الفصائل اليسارية في حزب واحد، وهي الفكرة التي تبناها عبد الفتاح إسماعيل لاحقًا.
- سالمين في سطور
كان أحد قادة الجناح الراديكالي في جبهة التحرير الوطني التي أجبرت قوات الاحتلال البريطاني على مغادرة الجنوب في 29 نوفمبر 1967.
استطاع هذا الجناح أن يفرض سيطرته تدريجيًا على السلطة مقابل الجناح المعتدل بقيادة قحطان الشعبي الذي تم عزله في انقلاب 1969.
وفي عهده، تغيّر اسم الدولة من (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) إلى (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وذلك في 1 ديسمبر 1970.
عيّن سالمين محمد علي هيثم رئيسًا للوزراء ثم استبدله لاحقًا بعلي ناصر محمد. وكان رافضًا لفكرة توحيد التنظيمات اليسارية، ورفض تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني.
- تفاصيل ما قبل الإعدام
اجتمعت اللجنة المركزية للحزب في عدن، واتخذت قرارًا بإقالة سالمين ومحاكمته، وكُلّف المكتب السياسي بتنفيذ القرار.
من بين أعضاء اللجنة لم يعترض على القرار إلا حسن باعوم، وتحفّظ عبدالله صالح البار، بينما وافق الجميع.
تم استدعاء سالمين لاجتماع طارئ لم يحضره أحد. وحين ذهب اكتشف أن الموعد قد تم تغييره دون إبلاغه فعاد إلى قصر الرئاسة. لاحقًا، زاره ثلاثة وزراء: وزير الدفاع علي عنتر ووزير الداخلية صالح مصلح ووزير الخارجية محمد صالح مطيع.
استمر الحوار معهم من الساعة العاشرة مساء حتى الواحدة والنصف صباحًا حيث حاول حراس سالمين احتجازهم كرهائن، لكنه رفض قائلًا: (هم يريدون السلطة. أنا أعطيتهم استقالتي، وسأسافر إلى الصين. لا داعي لتفجير الموقف).
- المعركة تبدأ
في الثانية بعد منتصف الليل، أطلقت الشرطة العسكرية طلقات نارية في الهواء إيذانًا ببدء الهجوم.
قُطعت الكهرباء، وبدأ إطلاق النار على القصر من جبل هيل ووزارة الدفاع ومواقع أخرى.
استمرت المعركة حتى السادسة صباحًا، حين انسحبت قوات الحراسة إلى داخل القصر المدور.
المهاجمون خدعوا بعض جنودهم وأقنعوهم بأنهم يقاتلون قوات أجنبية قامت بإنزال جوي وعندما اكتشفوا الحقيقة، انضموا إلى دفاعات القصر.
عندما فشلت القوات في الاقتحام تدخلت الطائرات والزوارق البحرية، واشتد القصف، فيما انقطعت عنهم الكهرباء والمياه والاتصالات.
استُشهد قائد الحرس عبدالله الصبيحي وسبعة من الجنود. اضطر الحرس إلى تقسيم كتيبتهم إلى فرقتين إحداها بقيادة محمد سعيد عبدالله (الحزب)، والأخرى بقيادة الملازم صالح شيخ البيحاني، لمرافقة الرئيس عبر البحر، لكن سالمين رفض الهرب.
- الاستسلام واللحظات الأخيرة
((نظرًا للمعارك الدامية، فإننا سنُسلّم على يديك للتفاهم)).
اشترطت القوات المهاجمة أن يتم تسليم أنفسهم عبر نفق صرف صحي، وليس عبر الجسر، وقد نُفّذ ذلك.
أُلقي القبض عليهم، وتم أخذ الرئيس ورفيقيه إلى وزارة الدفاع.
أدى أحد الضباط التحية لسالمين، ثم فتشه وأخذ مسدسه، وتم اقتيادهم إلى الداخل.
لاحقًا، تم فصل الضباط الخمسة المتبقين عن الجنود، ونُقل أربعة منهم مباشرة إلى ساحة الإعدام.
أما سالمين وجاعم ولعور، فقد تم ربط أيديهم إلى الخلف وإعدامهم رميًا بالرصاص في السادسة والنصف مساء 26 يونيو 1978.
يروي أحد الشهود أن منفّذ الإعدام وجّه بندقيته إلى صدر سالمين وقال:
((عشر سنوات يا ربيع تأكلها باردة، واليوم تأكلها حامية))
فرد عليه سالمين بثبات:
((اليوم في صدورنا، وغدًا في صدوركم. لقد فتحتم بابًا يصعب إغلاقه)).
وقد قُتل ذلك القاتل لاحقًا في أحداث 13 يناير 1986.
- أين دُفن سالمين؟
- جانب إنساني
رغم هيبته وسطوة قراره، كان سالمين رجلًا حنونًا مع أسرته.
((أنا خادم لهذا الشعب، ولا أسمح لك بالحديث عني بهذه الطريقة)).
- خاتمة
وبقيت كلماته تتردد في ذاكرة من عاصروه:
((اليوم في صدورنا.. وغدًا في صدوركم)).