> صالح علي لجوري:

كان في أزمنة مضت وإلى تسعينيات القرن الماضي الجمل وما يحمل خلفه من عربة خشبية تعرف (بجاري الجمل)، تستخدم لنقل البضائع من محلات الجملة إلى محلات التجزئة في أماكن محددة في الشيخ عثمان، مثل السيلة وغيرها من الأحياء الشعبية في أطراف المدينة أي كانت وسيلة النقل في المسافات القريبة من محلات الجملة إلى التجزئة وكانت أيضًا تستخدم لنقل الأعلاف من المزارع إلى أسواق المواشي ويستخدم الجمل في معاصر (السليط الجلجل) السمسم، أي أن الجمل كان مساهمًا في النقل وبتكلفة أقل من سيارات النقل الصغيرة والأمر طبيعي حتى أنه في أعوام مضت لم يعد يستخدم الجمل وجاري الجمل في النقل في أماكن كان يستخدم فيها سابقا واقتصر عمل الجمل على مناطق محددة خارج عن المدن الحضرية أي في المزارع والأحياء البعيدة في أطراف المدن.

فما هي الأسباب التي أعادت الجمل إلى الواجهة وإلى قلب المدينة وحوافيها وشوارعها الرئيسية؟ وبصورة مختلفة عن سابقتها وبمهمات أخرى!!

ففي الشوارع الرئيسية المزدحمة بالمحلات التجارية ومرتاديها، يتجول الجمل ويقف في الحواري وزوايا الشوارع الرئيسية ليحمل الأطفال الصغار على جاري الجمل والتجول بهم من حافة إلى أخرى مقابل 200 ريال عن كل طفل.


ونشاهد الأطفال يتزاحمون على ركوب جاري الجمل بفرحة وسعادة غامرة وبعد أن يكتمل محمل جاري الجمل بعشرات الأطفال، هناك أيضا أطفال آخرين في زوايا الشارع الرئيسي ينتظروا دورهم بشغف جم لكي يحصلوا على جولة ترفيهية فوق جاري الجمل بعد نزول أقرانهم، وهناك أطفال آخرين يتحسرون ويندبون حظهم لأنهم لم يجدوا المبلغ المطلوب لركوب جاري الجمل ويكتفون بالتفرج والجري خلف أقرانهم مشيًا على الأقدام طمعًا في الحصول على متسع فوق (جاري الجمل).

لقد أصبح الجمل والجاري الذي يحمله خلفه هو المتنفس الوحيد والوسيلة الترفيهية الوحيدة لدى الأطفال في أحياء وشوارع الشيخ عثمان، فما هو الدافع الذي جعل الأطفال يتخذوا جاري الجمل متنفس ترفيهي لهم؟
  • الحرمان
الحرمان أفقد أبناء المدينة القدرة على دخول المتنفسات المتنفسات والملاهي وزيارة شواطئ البحر ورياض الأطفال والمنتجعات الترفيهية والأندية والمتنفسات التي كان يلعب ويلهو بها الأطفال في الحواري والمدن، والحرمان متشعب ومتغلغل إلى حد التوحش المخيف في المجتمع لعدة أسباب أهمها: السطو على المتنفسات بطرق مختلفة منها رسمية وغيرها والبناء العشوائي في المتنفسات وإغلاق الكثير من الممرات والمساحات التي كان يلعب بها الأطفال إلى جانب انهيار العملة المحلية الفقر، الغلاء، البطالة، الخوف من فقدان الأطفال، أو تعرضهم للمخاطر.

لقد بات معظم السكان يبحث عن الحصول على وجبة غذاء ولم يستطيع الذهاب بالأطفال إلى شواطئ البحر أو إلى المتنفسات أو الحدائق القليلة جدا أو أماكن ترفيهية يرتادها البعض من الميسورين نوعا ما، للتنزه ولافتقارهم مثلا إلى قيمة المواصلات ومتطلبات الرحلة الترفيهية، بمعنى أوضح لم يعد بمقدور الأهالي توفير المبالغ البسيطة لترفيه الأطفال وبالكاد يحصلون على توفير الوجبات الغذائية وكثير من الأسر لا تستطيع أيضا توفير جميع الوجبات.

الحرمان شمل الجميع وفي كل مناحي الحياة بما في ذلك الأطفال الصغار وتسبب في حرمانهم من الترفيه والتنزه في متنفسات الأطفال المعروفة، لهذا اتخذ الأطفال جاري الجمل في هذه الأيام من القرن الـ 21 متنفسًا ترفيهيًا في شوارع الشيخ عثمان وربما أماكن أخرى في عدن عوضًا عن الحرمان من المتنفسات الأخرى.