> توفيق الشنواح:

تسعى الحكومة الشرعية اليمنية لوقف الانهيار الاقتصادي المتسارع من خلال جملة من المعالجات الاستراتيجية، تشمل إعادة تشغيل مصفاة عدن النفطية بعد توقف دام أكثر من 10 أعوام جراء الحرب الذي سببه الانقلاب الحوثي والصراع السياسي البيني داخل الحكومة.

وعلى رغم وعيد الجماعة الحوثية المدعومة من إيران باستهداف المنشآت والمصالح النفطية في مناطق سيطرة الحكومة ما لم تحصل على نصيب وافر من العائدات، فإن الشرعية ماضية في إعادة تأهيل واحدة من أقدم المنشآت البترولية داخل المنطقة العربية، بعد خروجها الكامل عن العمل خلال عام 2015 في جهد حثيث يسعى إلى تخفيف وطأة العجز المالي، الذي تعانيه الحكومة مع توقف تصدير النفط والغاز من ميناءي شبوة وحضرموت نتيجة قصفهما من قبل ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام الإيراني، عام 2022.

وأعلنت إدارة شركة "مصافي عدن" ضمن بيان أن فرقاً هندسية وفنية باشرت عمليات صيانة مكثفة تشمل وحدات الإنتاج وخزانات تكرير النفط والضخ وخطوط الأنابيب وغيرها، حتى التوصل إعادة تشغيل عدد من الوحدات الرئيسة في القريب العاجل.

وأوضح البيان أن العمل على تشغيل وحدة التقطير الفراغي إلى جانب وحدة إنتاج الأسفلت ستلبي حاجات اليمن من هذه المادة الحيوية، مما سيسهم في وقف استيرادها من الخارج ويقلل من كلفة مشاريع الطرق والبنية التحتية.

وأشارت "مصافي عدن" إلى أنه ستُشغل وحدة تكرير النفط الخام بطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف برميل يومياً لإنتاج مادتي الديزل والمازوت، وذلك عقب الانتهاء من التشطيبات النهائية لهذه الوحدة المهمة، مؤكدة أن هذه الأعمال "تنفذ بتمويل ذاتي من الشركة وبسواعد وطنية من المهندسين والفنيين العاملين داخلها، في إطار خطة زمنية طموحة تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية وتحسين الوضع الاقتصادي العام في البلاد".
  • وقف سباق السيطرة والهدر
وتأتي الخطوة الحكومية الواعدة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء القاضي قبل أسابيع بإعادة تشغيل المصفاة كمنطقة حرة تقع في ميناء العاصمة الموقتة عدن (جنوب)، وسبقه قرار مماثل صدر قبل عام لكنه لم ير النور جراء عدة تحديات تتعلق بتمويل عملية الإصلاحات والصيانة، إضافة لحال الصراع البيني داخل أجنحة الحكومة الشرعية وسباق الأطراف للسيطرة على المصفاة، مع تبادل تهم الفساد خلال الفترة الماضية.

ومن شأن تشغيل المصفاة إتاحة الفرصة للشركات العالمية والمحلية في استيراد النفط الخام والمشتقات إلى خزانات المصفاة، وإعادة تصديرها وبيعها للسوق التي تشهد شحاً شديداً في المواد البترولية بأسعار منافسة.

يقول الباحث الاقتصادي عبدالحميد المساجدي إن إعلان استئناف أعمال الصيانة في مصافي عدن بعد أعوام من التوقف يعد "تطورًا اقتصاديًّا، لاستعادة جزء من القدرات الإنتاجية الوطنية في قطاع الطاقة"، كون ذلك يمثل "ضرورة ملحة في ظل استمرار توقف تصدير النفط الخام نتيجة الهجمات الحوثية على موانئ التصدير، مما حرم البلاد من مورد مالي رئيس وأجبرها على الاعتماد شبه الكامل على استيراد الوقود من الخارج بكلف باهظة تثقل كاهل الخزانة العامة".

ويشير المساجدي إلى أن "التوجه نحو التكرير المحلي يمثل خياراً استراتيجياً لتقليل الاعتماد على الخارج، وتوفير كميات من الوقود لتغطية حاجات محطات الكهرباء التي تمثل أحد أكبر مصادر الإنفاق الحكومي". ويوضح أن "شراء الوقود من السوق الدولية يتم بأسعار مرتفعة في ظل تقلبات سوقية مستمرة، في حين أن التكرير المحلي قد يوفر بديلًا أقل كلفة وأكثر استقراراً مما يساعد في تقليص فترات انقطاع الكهرباء، وتحسين الخدمات العامة بصورة عامة".

وتأسست مصفاة عدن عام 1952 أثناء حقبة الاستعمار البريطاني للمدينة واليمن الجنوبي، وتعد أكبر منشأة لتكرير النفط داخل البلاد وتراوح قدرتها ما بين 70 و130 ألف برميل يومياً، وظلت تغطي جزءًا كبيرًا من حاجات السوق المحلية من النفط المكرر والمورد الوحيد للمشتقات النفطية، فضلاً عن كونها مركز تخزين للمحافظات كافة.

وجاء إنشاء المصفاة نظراً إلى أهمية مدينة عدن وموقعها الاستراتيجي المطل على خليج سمي باسمها، ونفذتها "شركة الزيت البريطانية"، (بي بيBP (، بطاقة استيعابية تصل إلى 170 ألف برميل يومياً، أي 8.5 مليون طن متري كل عام، ثم آلت ملكيتها إلى دولة الاستقلال لجمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوبية) عام 1977 التي عملت فوراً على تأهيل كوادر يمنية لتشغيلها وإدارتها.
  • خفض فاتورة الاستيراد
ولما تحمله هذه المساعي من أهمية، يُتوقع أن تسهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها الحكومة والمواطنون داخل المناطق التابعة لسيطرتها، خصوصاً العجز الحاصل في بند الرواتب وتوفير الخدمات. وبالنظر إلى الجدوى التي ترتجيها حكومة اليمن يشير الباحث المساجدي إلى أن "الجدوى لا تتوقف عند حدود خفض فاتورة الاستيراد، بل تمتد إلى تحسين ميزان المدفوعات من خلال تقليص العجز في الميزان التجاري"، ذلك لأن "كل برميل من الوقود يُكرر محلياً يعني برميلاً أقل يُستورد بالدولار، وهو ما يخفف من الطلب على العملة الأجنبية، ويساعد تدريجاً في استقرار سعر صرف الريال اليمني الذي يعاني ضغوطاً شديدة منذ أعوام"، إضافة إلى ذلك "فإن بيع المنتجات النفطية المكررة سواء لمحطات الكهرباء أو لمحطات الوقود والمستهلكين سيوفر للحكومة مصدراً مالياً مباشراً، يمكن أن يُستغل في دعم قطاعات أخرى أو في تمويل عمليات الصيانة والتحديث المطلوبة للمصفاة، وهي موارد كانت تذهب سابقاً إلى الموردين الأجانب دون عائد محلي حقيقي، بل وتشكل أحد عوامل تسرب النقد الأجنبي من السوق".

"إندبندنت عربية"