الثلاثاء, 27 مايو 2025
322
أعواما وسنين يحتاط بها بحر وشواطئ والخلجان ومياه عذبة من كل مكان..
عائمة وسط البحر تلوح بأيديها تارة للسفن والتجار وتارة لقوارب صيد يفتتحون صباحهم بحثا عن رزق فيبادلونها إشارات في دلالات وسلوك حبي يومي مدني توحي بان هنا البندر أصل الإنسان.
نهارًا عانقت المدينة في كل ركن وزاوية أما في مقهى أو شارع أو ملعب بين الجمهور أو في عيد تنطط ترقص فرحا بعروض الجيش الوطني.
ذات الثوب الملون بأقواس قزح تتمخطر باسقة القوام في ارستقراطية يسطع من خديها بياض للسلم وعينين تهفو لغد في أروع حلم.
حاذقة الذكاء تسري فيها براعة تفوق المكتشفين في معرفة الأسرار من أول نظرة.
تتجول يوميا تخطو واثقة الأقدام في هيبة منظورة تتوزع يسارا ويمينا تتبعها طيور وبلابل وكأنها وفد الدولة يتفقد أحوال الأهل والبلدة.
بحضورها تمتزج الأرض في إجماع واحد وسلام واحد وعقل واحد وإنسان قلبه ينبض بمدينة عذبة فائقة السحر والجمال وأناس في مجتمع منضبط يرفض أن يزاحمه شيطان أو صعلوك يخدش قانون البلدة وهويتها وعطور تأتي منها فاقت بروائحها كل عطور العالم وردًا وأزهارا وبساتين.
عدن الدولة والدار والإنسان ومدارس للعلم زارت أصقاع الدنيا بالطيب وأجناس من شتى الأديان والألوان ومذاهب ومنابر ومتاحف وفنون وأساتذة وعباقرة في السلطة وخبراء وبنوك عامرة بالمدخرات تسقي الأرض وترويها بمشاريع الإنسان.
ما عدت أشاهدها من عدة أعوام وصارت أرضًا تتخبط بلا هدف أو عنوان.
فبحثت عنها في كل مكان بين الناس والشارع والساحل والحارات والجيران.
حافية القدمين صارت...
نازحة خلف جبل الصخرة.
في بقايا ثوب ممزق
نهشته الفئران وكتائب من ديدان..
كان لها بندر يأويها ..
ومياه ترويها..
وأنوار تحييها..
وعساكر تحميها ..
وطيور وبلابل بالقصص تحكيها. .
ترتعد صارت بين الجبلين. .
من دون ديار ولا بيت
ولا هوية متقاعدة بين الأجلين..