فنتـ .. ـازيا

> «الأيام» محمد فضل مرشد:

>
محمد فضل مرشد
محمد فضل مرشد
ولا كلمة ولا نفس، فقط آذان مرهفة وإنصات تام فالكلمات لنزار القباني والصوت للعندليب الأسمر والأغنية قارئة الفنجان، لكن المكان أبداً لم يكن مسرحاً لأن عدن بل واليمن بمجملها لا يوجد فيها مسرح لقد كان مكان الحفلة وببساطة الحافلة رقم 10780/3 المتجهة في العاشرة من مساء الثلاثاء الماضي من فرزة الشيخ عثمان إلى مدينة المنصورة بمحافظة عدن.

(......)

> تحركت الحافلة القديمة كمعظم حافلات فرزة الشيخ عثمان- المنصورة في طريقها، لكن ركابها شعروا وكأنهم في رحلة سياحية رائعة على متن أحدث الباصات السياحية الفارهة وحالة سمع هس استبدلت بصخب الفوضى الذي اعتدنا عليه في حافلات هذه الفرزة .. إنه عبدالحليم حافظ يغني «عيناها سبحان المعبود فمها مرسوم كالعنقود ضحكتها أنسام وورود والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا»..عبدالحليم حافظ يغني لمواطنين أنستهم دولتهم شكل المسارح وعقرت مجتمعهم فنياً فباتوا يسترقون اللحظة الفنية الممنوعة ولو على متن حافلة قديمة!

(......)

> سمع هس ..أمامي مباشرة بداخل الحافلة كهل إن لم يكن في السبعين فهو أكبر أخذ يجاري موسيقى اللحن الرائع بالنقر بأصابعه على مسند المقعد، وفي يمين الحافلة قبالة النافذة لم ينقطع رجل في الخمسين تقريباً عن الترنيم دون شعور وآخر بمؤخرة الحافلة أسمعه كلما انتهى مقطع من الأغنية يهتف «يارهيب» وحتى مُحصّل الحافلة الذي نسميه في عدن (كرّاني)، جمع الاجرة من الركاب بهدوء تام على غير عادة المحصلين في الزعيق والصراخ فعبدالحليم يغني وسمع هس.

(......)

> ما كل هذا الجمال في السلوك والإحساس؟ وكيف انبلجت في النفوس فضاءات رغم زحمة الأجساد؟ والشوارع لمَ بدت رائعة والمدينة أصبحت ساحرة غير تلك التي ألفناها واجمة؟ والهم الذي سطـّره شظف العيش تجاعيد بارزة على الوجوه كيف تبدل بشاشة؟ والفوضى كيف استحالت قمة الذوق والتحضر؟ نعم كل ذلك حدث بسبب حفلة فنية على متن حافلة أجرة قديمة يستحيل مقارنتها مع حفلات التهليل والتطبيل التي تنظم في المناسبات الرسمية ولا ينصت إليها أحد حتى المدعوون اليها.

(......)

> إلى المايسترو .. سائق تلك الحافلة كل الشكر والاحترام ..إلى جميع سائقي حافلات الأجرة رجاء بتعويضنا عن التذوق الفني الذي حُرمنا منه فأنتم الآن المسؤول الوحيد عن ثقافة هذا المجتمع ..وحتى الملتقى أودّعكم على طريقة سائقي الحافلات (معك نازل) يا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى