موريتانيا .. صعود بلا دماء

> محمد عبدالله الموس:

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
خروجاً عن القاعدة المعروفة في عالمنا الثالث شهدت الجمهورية الموريتانية الاسلامية انتقالا للسلطة من أيدي العسكر إلى رئيس مدني منتخب لأول مرة منذ ثلاثين عاماً (حسب الإعلام الموريتاني)، وقد شاهدنا أعضاء المجلس العسكري والحكومة الانتقالية وهم يودعون مقرات الحكم لتستقبل هذه المقرات الحكام الجدد، حيث سيعود أعضاء المجلس العسكري إلى وحداتهم عدا الرئيس ولد فال الذي رد حين سألته قناة الجزيرة قبل أيام، ماذا ستعمل بعد تسليم السلطة؟ فقال بما معناه «لم أفكر في ذلك، مؤكد أنني سأعود إلى البيت» وهي من الحالات النادرة التي يفكر فيها الحاكم العربي في غير مصيره.موريتانيا دولة في الغرب الأفريقي على المحيط الأطلسي تزيد مساحتها قليلاً عن المليون كيلومتر مربع، ويزيد سكانها عن 2.6 مليون نسمة، بكثافة سكانية 2.6 نسمة في الكيلومتر المربع، استقلت عن فرنسا في 28/11/1960م وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة في 1961م وفي الجامعة العربية في 1973م، تتكون من 12 ولاية ولغتها الرسمية هي العربية وفيها لغات أخرى وطنية (الفرنسية، والأفريقية: البولارية، السونونكية، الولفية).

في العام 1984 استولى ولد الطايع (رئيس أركان الجيش آنذاك) على الحكم بانقلاب عسكري، ونظم في العام 1992م انتخابات فاز فيها بالرئاسة ثم فاز مرة أخرى (كالعادة) في انتخابات 1997م ولم تجر انتخابات أخرى حتى 3/8/ 2005م حيث استولى العقيد علي محمد فال (مدير الأمن الوطني آنذاك) على السلطة مع مجلس عسكري وأعلن حينها أن المجلس العسكري والحكومة المؤقتة ستتولى إدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامين تجرى خلالهما انتخابات تشريعية ورئاسية لا يتـرشح فيهـا أي من أعضاء المجلس العسكري.

تقرير عمل الحكومة الانتقالية عن الفترة (أغسطس 2005م/أبريل 2007م) أي أقل بأربعة أشهر عن موعد نهاية الفترة الانتقالية، أشار في مقدمته مبيناً الخلل الذي كانت تعيشه البلاد إلى أنه (قد تجسد التطبيق الشكلي لدستور 20/7/1991م في إقامة تعددية صورية من خلال سيطرة حزب الدولة ومصادرة الحريات وما نجم عن ذلك من أزمة للثقة بين النظام والمعارضة(...) كما دفعت الممارسات الاستبدادية البلاد إلى طريق مسدود في غياب أي أفق للحوار السياسي والاجتماعي أو التناوب السلمي للسطلة). كما أشار إلى صور الفساد والإثراء غير المشروع وعدم القدرة على الاستفادة من المنح والقروض التي صاحبت الفترة ما قبل أغسطس 2005م.

خلال الفترة الانتقالية جرى تعديل الدستور ومنها دورات الرئاسة ومدتها لتصبح دورة واحدة مدتها 5 سنوات واعتبرت من المواد الدستورية المحظور تعديلها واستفتي عليها ونالت موافقة 95% من أصوات المشاركين البالغ 76% ، كما أجريت خطوات إصلاحية كبيرة يصعب حصرها في حيز كهذا، وجرت انتخابات مجلسي النواب والشيوخ والبلدية بمشاركة 25 حزباً وقوائم للمستقلين، والرئاسية بمرحلتيها والتي أسفر عنها فوز سيدي محمد ولد الشيخ برئاسة الجمهورية.

حين وجه خطاب الوداع، وهي حالة نادرة الحدوث في عالمنا العربي، قال الرئيس ولد فال في 18/4/2007م «أتوجه إليكم وكلي غبطة واعتزاز بمناسبة نهاية المرحلة الانتقالية التي شكلت موعدا مع التاريخ أسس له في 3 أغسطس 2005م الذي أرسى دولة القانون الحقيقية(...) أعبر للشعب الموريتاني عن شكري للنتائج المتميزة التي حققها في وقت وجيز كهذا(!!) إن الدولة الجديدة ومؤسساتها الديمقراطية تشكل مكسباً ثميناً لمستقبل شعبنا يجب صيانته وتنميته (...) أتوجه بالتهاني للرئيس المنتخب وكافة أعضاء السلطة الجديدة وإلى الشعب الموريتاني العزيز».

التجربة الموريتانية الرائدة تعطي أكثر من درس في وقت واحد منها أن الديمقراطيات ليست مثل بعضها حتى في العالم الثالث، وأن الشعوب قادرة على إدارة شؤونها وليست بحاجة إلى من يقسط لها الديمقراطية بجرعات، وأن العظماء حقاً هم أولئك الذين يزهدون في الحكم فهي المرة الأولى التي نسمع فيها زعيما عربيا يوجه الشكر لشعبه رغم أنه لم ينتخبه.

الانقلابات العسكرية مصطلح يثير القلق لكن هناك انقلابيين جديرين بأن يحفر التاريخ أسماءهم بأحرف من نور قد يكون أولهم السوداني عبدالرحمن سوار الذهب وقد لا يكون آخرهم الموريتاني علي محمد ولد فال، لكن السؤال هل يستطيع الموريتانيون الحفاظ على هذه التجربة في الممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؟

غالباً نعم، فمتغيرات العصر لم تعد تتيح مجالاً لانقلابات تنتج الاستبداد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى