الشاعر الراحل محمد أحمد باعكابة.. جذور إبداعه نمت في الحامي وموهبته تفتقت في الكويت

> «الأيام» وليد محمود التميمي:

> وحدها مشيئة الله سبحانه وتعالى حالت دون تعزيز رصيد الشاعر الشاب محمد أحمد باعكابة في بنك الإبداع الشعري، وتفرده في محراب التوهج الفني.

حيث كان يوم وفاته خاتمة حياة روح شاب في مقتبل العمر تدثر برداء الشعر، ونسج من حروف الكلمات أجمل القصائد، ولحن وغنَّى أشعاره العديد من الفنانين الكبار داخل الوطن وخارجه.

الإبحار بين سطور دفتر ذكريات الراحل وتصفح كشكول معاناته وإبداعاته ونتاجه الفنين رحل في سفر الماضي الجميل اقتفى آثارها رواد اتحاد الأدباء والكتاب بالمكلا، في أمسية الأربعاء الماضي التي أدارها الدكتور عبدالقادر باعيسى نائب رئيس الاتحاد والمسؤول الثقافي، وتحدث في مستهلها الشاعر الرقيق غالب عوض باعكابة صاحب الرائعة الغنائية (أقبل العيد حبيبي) سارداً ذكرياته مع الشاعر الراحل باعكابة ابن الحامي الذي أخذته يد المنون في عمر مبكر، ملخصاً نظر الشاعر الخاصة بالحياة وظلمها وجور القائمين عليها في قوله:

جف سحر الحياة ياقلبي الظامي

فهيا نجرب الموت هيا

فاسحاً المجال للباحث في التراث سامي محمد بن شيخان للتعريف بالشاعر وأعماله، حيث قال:«الشاعر باعكابة من مواليد 1958 في مدينة الحامي من أب بحار يعول أسرة متواضعة، وفي ربوع الحامي الدافئة نمت شجرة إبداعه وترعرعت موهبته فأخذ من بساطة هذه المدينة تواضعه ومن شموخها كبرياءه، منطلقاً إلى آفاق جديدة ومدن عديدة حتى استقر به المقام في دولة الكويت فوجد في أحضانها ملاذاً عزّ على الآخرين وجوده، كان ذلك في العام 1974م وهو ما يزال فتى صغيراً لم يكمل مرحلة دراسته الابتدائية في لحظة جائرة ليلتحق بالعمل في بلد الاغتراب في وزارة الكهرباء والمياه صباحاً ويواصل دراسته في الفترة المسائية حتى تمكن من نيل الشهادة الثانوية، ليتحول بعدها للعمل في الهيئة العامة للمعلومات المدنية، ثم في مجلة اليقظة الكويتية حتى عودته إلى موطنه»، مستعرضاً العوامل التي أسهمت في إدماج الشاب محمد باعكابة بمحيطه الاجتماعي في الكويت، ومن بينها ممارسته لعبة كرة القدم، مؤكداً أن تفجر إلهام محمد باعكابة الشعري كان في الكويت عندما بدأ بكتابة خواطره وقصائده بسرية وتحفظ، وفي العام 1977م التقى بصديقه أ.عوض عبدالله شحور أبو عوني، وهو شاعر وملحن ورسام له بصمات على إبداعات شباب الجالية الحضرمية وخاصة من أبناء الحامي كأحمد سعيد الكلالي وراضي السييلي وعبدالحبيب الكسادي ومبارك وأحمد الدقيل. وقد انتقى أبو عوني قصيدة يقول باعكابة في مطلعها:

مضى عام كامل لاشفت راحة ولا يوم عيد

لعله ما نسى أنه حبيب قلبي ومناه

وكانت تلك هي القصيدة الأولى التي بدأ أبوعوني يلحنها وغناها هو وبعده أحمد سعيد الكلالي الذي غنى معظم أغاني باعكابة، وقد برز تطور الصياغة الشعرية لدى باعكابة أثناء تلحينه قصيدة (بحكم الصداقة كل أمر يهون) يقول فيها:

من أجل حبك بات ليلي بلا نوم

مساهن أخبارك لي لها القلب محنون

ونا في الفرح تحت الطلب باكون

بحكم الصداقة كل أمر يهون

مرادي وقصدي يلتقي بك ولو يوم

وصفي بقربك كبير في القلب مرشون

كفى هجر ياخلي

كفى صبر وسهون

بحكم الصداقة كل أمر يهون

وأوضح المحاضر سامي شيخان أسباب ترك باعكابة الفرقة اليمنية في الكويت التي كانت تردد أشعاراً وألحاناً لكبار الفنانين، لكن ذلك لم يحل دون تدفق تيارات الموهبة الشعرية لباعكابة التي تجذرت في أغنيته خائن ولا له مبادئ التي لحنها الراحل ناصر مرجان في العام1982م وقدمها للفنان كرامة مرسال الذي زار الكويت، ليغنيها لأول مرة في إحدى حفلات الزواج والمصادفة أنها كانت في الحامي مسقط رأس باعكابة، وقد كان لجمال لحنها وروعة أدائها من الفنان أبو صبري مفعول السحر في انتشار هذه الأغنية وتقديم باعكابة للجماهير كشاعر واعد، وقد تلقف القصيدة فيما بعد العديد من الفنانين من بينهم الفنان بدوي زبير الذي لحن كذلك أغنية باعكابة (طول الصبر محدود) كما غنى له عبود الخواجة، وخالد الملا وعلي بن بريك وخالد سلومة،وأخيراً عبدالمنعم العامري.

لتبلغ شهرة باعكابة الآفاق، ويتهافت عليه الملحنون منهم أ. سعيد محمد بامطرف الذي لحن أغنية (سلام الله على الحامي) التي يقول مطلعها :

سلام الله على الحامي

عا جسر المحبة اللي بها معمور

لها شعري وإلهامي

وفي قلبي اسمها محفور

على مر الزمن ذاكر

ويكبر عزها ويدوم

كفاني هجر يادهري

متى باتنصف المظلوم

شواطئ بحرها الطامي

وشعب النيل مرعى للحسان الحور

مضت بالأمس أيامي مع الأحباب

عدت في هناء وسرور

مناظر تفرح الخاطر

وتفرج كربة المهموم

سعيدة كل أحلامي

نعيد لي مض بالأمس فوق السور

وإن قالوا مضى زامي

مكان الوقت عادُه يندرج ويدور

ونا وياك نتخابر

إلى أن نلتقي في يوم

كفاني هجر يادهري

متى باتنصف المظلوم

وقد غناها الفنان خالد الملا بعد أن استبدل كلمة الحامي بكلمة جده ومن بعده عبود الخواجة.كما لحن له أ. بامطرف قصيدته (لو عرفت الحقيقة) التي غناها الفنان عمر شميس المغترب في الكويت، ثم غناها الفنان محفوظ بن بريك، وفي 1984م لحن له الفنان أبو عوني أغنية (يأخيرة الأوطان).

وللراحل أغنية (أنت حبيبي) التي غناها حداد مبارك محفوظ الذي تخرج على يديه العديد من الفنانين المغتربين في الكويت، ومن الأغنيات التي ظهرت بعد وفاة الشاعر باعكابة أغنية (ماحد لها بايدوم) التي صاغ لحنها الفنان حسن باحشوان ليغنيها الفنان حسين بن عثمان، كما لحن للشاعر باعكابة أغنية (الهجر ياما قساه يوم اللقى).

وبعد عودته للوطن عقب أزمة الخليج ارتبط باعكابة بالمرحوم الفنان علي سعيد علي، حيث شكلا ثنائياً رائعاً وقدم له أبو عمار رحمه الله قرابة (13) لحناً لعل أشهرها (أنا أستاهل اللي صار) و(خلوه يعمل مشتهاه خلوه) و(تاج رأسي) و(قليل العرف يتباهي) والأغنية الوطنية (شامرة ياسفينة بلادي).

كما أن له العديد من القصائد الغنائية التي توزعت أغراضها بين قصائد الغزل والحنين والرياضة والمناسبات الاجتماعية ضمها ديوانه المخطوط (شوق وحنين) الذي شارك في جمعة صديقاه، هاشم علي مكنون ومحمد زين عيديد، موجهاً الدعوة للمهتمين والمعنيين لطباعة الديوان ولحفظ نتاجات الشاعر الراحل وإظهارها للعلن، مؤكداً:«لقد كنا نتوسم في باعكابة شاعراً واعداً يملأ الفراغ الذي أحدثه عمالقة الشعر الغنائي في حضرموت أمثال المحضار وباحشوان وبايمين وجمعان بامطرف.

لكن القدر لم يمهل هذه الموهبة للظهور والتألق والتوهج ليغادر عالمنا الفاني يوم الخميس 30 أكتوبر 2003م في صنعاء وليدفن جثمانه في مسقط رأسه في الحامي».

وكانت الأمسية قد شهدت العديد من المشاركات والمداخلات التي دعت إلى الاهتمام بتراث المبدعين الكبار وتنشيط الواقع الثقافي والفني في حضرموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى