هيثم الكثير.. هيثم المتفرد

> «الأيام» عبدالرحمن عبدالخالق:

> ماتت أمي قبل أسبوعين وقبل عامين مات أخي محمد ..فمن بقي لي؟.. من بقي لي؟.. سلام على روح أمي.. سلام على روح أخي.. وسلام على الحاضرين

«الأخوة محمد حسين هيثم»، هكذا يحلو لنا أحياناً - نحن أصدقاءه ومحبيه.. أن نمازحه تحبباً، مشيرين من طرف خفي إلى بدانته التي أنهكته، وضغطت على قلبه النابض حياة وشعرا، أظنه هو من أطلق على نفسه هذا الوصف. فالمزاح والطرفة والضحك سجية من سجاياه. فقد كان هيثم يقابل مزحتنا بقهقهة عالية، لا يحسنها غيره، أو بهاهآت ثلاث جميلات.

«الأخوة هيثم».. لم تكُ - في الحقيقة- مزحة، وإن رآها البعض كذلك، إنها ترجمة للعبارة الهيثمية المبدعة «رجل كثير»، التي حسب هيثم نفسه «هو رجل متعدد. وهو الإنسان بذاته الذي تحقق في أشياء كثيرة جداً».

وهيثم الكثير المتعدد، لم يفقد أوله آخره، ولم يخاصم واحده كثيره، فهو هو نفسه هيثم. هيثم الذي لايشبه إلا نفسه، هيثم المتجدد، المتجاوز، المغامر بوعي.

قصيدة هيثم شديدة الشبه به، قوة ورقة، جمالاً وسلاسة.

قرأ هيثم كثيراً في الشعر والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع، وساعدته قراءته هذه على نضوجه الشعري المبكر، كما مكنه احتكاكه بالشاعرين الكبيرين سعدي يوسف والدكتور جيلي عبدالرحمن، والأول على وجه التحديد، من تجاوز صعوبة الخطوات الأولى في المكابدة الشعرية ، وهو ما عبر عنه هيثم بالقول:

«كنت، إلى حد ما، مغرماً بتجربة سعدي يوسف.. فكان هناك نوع من النظر إلي، بأن لدي نوعاً من التأثر بسعدي، فحرصت - من حينها- ألا يكون لي ارتباط بأي شاعر أو بأي تجربة، مع التأكيد على الاستفادة من جميع الاتجاهات.. استفدت من تجربة سعدي.. لكنها لم تؤثر في تجربتي أو تظهر عليها؛ فميزة (سعدي) أنه يعلمك كيف تدخل إلى القصيدة دون أن تقع في شباكها، لكن مع ذلك هو يعطيك مفاتيح القصيدة، لكن لا يأخذك في شباكة بحيث إنك تنطلق بتجربتك إلى مدى أبعد». وهو ما أكده سعدي يوسف نفسه - بصورة ما- في مرثيته لهيثم (رحيل شاعر اليمن)، إذا قال:«ترافقنا، أنا، وهيثم في رحلة استمرت أياماً بين عدن وحضرموت، في محاولة لقراءة المكان الشعري الأول للعرب: دمون. قطن. حومل..إلخ.

وهيثم كان في محاولاته الشعرية الأولى، وفي تلهفه للإطلال على أسرار من الصنعة.

في رحلة الحج تلك، كنت أكتب قصيدة طويلة، أكتبها منجمة، حسب طريقتي في كتابة القصائد الطوال، حرصت على أن يتملى هيثم ما أنجزه، يوماً بعد يوم. كنت أريد أن أطلعه على مكامن معينة في كتابة النص.

التجربة كانت نافعة لنا، نحن الاثنين».

المتابع للمنجز الشعري لمحمد حسين هيثم، سيرى مدى سعي الشاعر إلى تجديد أدواته الشعرية، ودأبه على الإضافة إلى تجربته، فأعطى بعض قصائده بعداً إيقاعياً وإلقائياً متميزاً، ووظف المحكي الشعبي توظيفاً راقياً فنياً وموضوعياً، وأبرز النماذج على ذلك قصيدة «غبار السباع (فانتازيا شعبية)»:

بنو عمي سباع سبعة، شرَّاب دم، حاطبو موتٍ

بنو عمي جنونٌ واجتياحٌ. بنو عمي هبوبٌ صاعقٌ، عصفٌ، ونارٌ

بنو عمي استعاروا

من رعود الزهو خيلاً، واستعاروا

من بروق الويل أسيافا، وساروا

جحفلاً يختط للنسيان دائرة

وللطوفان دائرة

وللقتلى دوائر تستثار

بنو عمي سباع سبعة....

................

................

بنو عمى رأوه على مشارف ظلهم

رجلاً قليلاً فاستطاروا

بنو عمي رأوه

فداوروه

فسار ملغوماً بهدأته

فثاروا

بنو عمي استداروا

بنوا عمي سباع سبعة......

.....................

بنو عمي استداروا

بنو عمي أغاروا

على رجل قليل، عابر في الظلِّ

فاشتد الأوار

(طراطق طق - طراطق طق - طراطق طق- طراطق طق - طراطق طق - طراطق طق- طراطق طق).

امتد التجريب عند هيثم إلى قصيدة النثر والقصيدة المدورة، وأبرز مثال لذلك قصيدته «عبداللطيف الربيع».. والقصيدة ناضحة بالشعر وناقوسها الموسيقي مصدره بنيتها الداخلية، والتراكيب اللفظية المتسقة مع بعضها البعض، والتجاذب بين مفردات القصيدة، وتآخيها إن صح القول، والتدوير في القصيدة لا يبرز من خلال الشكل المعماري الذي تحتكم إليه، وإنما -أيضاً- من خلال خطابها المشبع بالدلالات والمعاني.

تبدأ القصيدة بالقول، والاستقطاع- هنا - لا يخلو من مجازفة، إذ وحدتها بشموليتها:

(هذي «خزيمة»، أي بدءٍ بعترينا، والصباح يرن، مئذنة تقود إلى سررك طائر القلب الكليل، وأنت تغفو، حولك العطر الإلهي، وبين يديك يبتهل الرفيق، وأنت تغفو، أو ترتل وقتنا العاري، وثمَّ جنازة ومشيعون، هناك كم مروا.. وكم أبلوا من العثرات؟ كم تركوا هنا وهناك من شجر وصمت؟ هل يجيش النعش بي؟ أم أنك الغافي على أضلاعنا؟ أم سريالية أخرى، تعدّ لها فضاء في خرائب ليلنا؟).

هيثم شاعر وكاتب وباحث ونقابي بامتياز، وقبل ذلك إنسان متفرد.. إنسان قل نظيره..

هيثم قصيدة لم تكتب بعد.. فمن يجرؤ على كتابتها؟

اعذرني محمد.. اعذرني أخي.

أحبك.. وأقبل تراباً كساك والتحفته.

ورقة قدمت لفعالية نظمها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة الشاعر اليمني الكبير محمد حسين هيثم

اشارة إلى أولاد الشاعر.. هند وهيثم وهوزن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى