قصة قصيرة .. الـــــدرويـش

> «الأيام» جيهان عثمان :

> يدعى عبدالله، درويش فقير، يسكن في أطراف مكة المكرمة، يلبس أسمالاً ويحمل «بقشة» على ظهره.. هو كثير الترحال بين مكة وجاراتها الأخرى.

يطارده بعض الأطفال في الشوارع، ويرشقونه بالحصى، ظناً منهم أنه مجنون يستلطفونه.

اعتاد أن يزور بعض متاجر مكة متجراً متجراً، قبل اتجاههم لفترة القيلولة، يأخذ منهم زكاة أموالهم- كما يقول- ويذهب بها إلى حيث يعلم الله!

وذات يوم من الأيام مر رجل من أهل فلسطين بمكة معتمراً، رأى عبدالله الدرويش، خيل إليه أنه رآه من قبل.. تذكر.. لم يُحر بياناً..ثم رآه يدخل متجراً ويخرج من آخر، حاملاً حفنة من نقود في أحد كفيه، فعرف من تلك الكف والأخرى البيضاوين اللتين ابتهلتا متضرعتين إلى الله تدعوانه المغفرة والنصر المبين على الأعداء الغاصبين في أرض فلسطين.. إنه كان إمام مسجد الأقصى الذي أم المصلين الجمعة الماضية .. أيكون هذا الشيخ متسولاً؟..لا..لا.

تبع «الفلسطيني» الدرويش عبدالله متخفياً عن ناظره حتى وصل إلى أطراف مدينة مكة، وقد شارفت الشمس توديع النهار.. رآه يدخل كوخاً صغيراً بأعلى الجبل.. انتظر إلى أن خرج.. ثم اتجه «الفلسطيني» نحو الكوخ ودخله.. رأى امرأة حاملاً وعندها بنت صغيرة وبجانبهما بعض النقود.. فروت له حكاية عبدالله الدرويش الذي يكفيها وغيرها بمواساته.

خرج «الفلسطيني» من كوخ المرأة متجهاً نحو أقرب مسجد ليصلي صلاة المغرب، فسمع صوت أذان من الوادي خلف الجبل.. تبع صوت الأذان إلى أن التحق بجماعة من الرجال شرعوا في صلاة المغرب.. لم ير مثلهم في حياته!.. إنهم ليسوا من أهل مكة! إنهم بيض يشع النور من وجوههم وملابسهم التي لا تشبه أهل مكة!.. وقف ليصلي في الصف الأول على يمين الإمام، بعد أن شرعوا بالصلاة.. صلى صلاة لم يصل مثلها في حياته! وفي الركعة الأخيرة.. سلم الإمام يميناً «السلام عليكم ورحمة الله» والتفت إلى «الفلسطيني» والتفت «الفلسطيني» إليه، وقد خيل إليه أن في تلك النظرة نوراً يشع من عيني الإمام للفلسطيني امتدت قروناً من السنين.. ثم سلم «الفلسطيني» يساراً ونهض، فلم ير إماماً ولا مصلين!! ذهل «الفلسطيني» مما رآه.. وكانت السماء قد أظلمت ولم يبق غيره في ذلك المكان! رجع إلى مكة بنية في قلبه أن يرى ذلك «الدرويش» في اليوم التالي.. وبعد صلاة فجر ذلك اليوم .. ذهب ليبحث عن الدرويش عبدالله، فأرشده الناس إلى منزله.. وعند منزل الدرويش رأى ماءً يخرج متسرباً من بابه، وصرخات نساء البيت تملأ المكان.. لم يصدق هواجسه التي دارت في رأسه عقب ذلك المنظر.. وعندما دخل الدار.. رأى «الفلسطيني» الإمام الدرويش عبدالله.. مكفناً بالنور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى