بريكه وبديد وسلمى بت حرز نماذج شخوص مهمشة خلدها الشعر اللحجي

> «الأيام» سند حسين شهاب:

> معلوم أن الشاعر ابن بيئته في المقام الأول يتأثر بها وتظل هي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها عبر الكتابة بما قد تمده من ثقافة تراكمية تظل ذخراً ورئة يتنفس منها كلما هب هاجسه لصناعة القصيدة.

لحج مدينة ديناميكية حية تشكل بيئة مناسبة لصناعة الأدب على كافة مضامينه بما يعتمل فيها من إيقاع حياتي يومي.

وعلى إيقاع هذه الحياة يحاول الشاعر النبيه التقاط ماطاب له من مفرداتها وضبط هاجسه الشعري عليها ومن ثم توظيف ما يمكن توظيفه في أعماله الشعرية سواء عبر الرمز أو الكتابة المباشرة ولاتأتي هذه المفردات غالباً في صورة معينة، ولكنها تتغير وفقاً لطبيعة القصيدة وحاجة الشعر إلى توظيف جزء من هذا المشهد سواء أكان ذلك من خلال إبراز اسم أو حدث أو مشهد أو ظاهرة أو أي شيء آخر يظل عالقاً في ذهن المتلقي بعد ذلك سواء عاصره هذا المتلقي أو قرأه أو سمع عنه. وقد حفل التراث اللحجي بأسماء كثيرة في عدد من القصائد نقتطف منها اليوم هذه الحالات كتعبير عن هذه الظاهرة، ورغم أن هذه القصائد تعج بأسماء من مقامات مختلفة إلا أننا سنحصر موضوعنا بالتركيز على الأسماء الهامشية العابرة التي خلدتها تلك القصائد على الرغم من أنها لم تكن تشكل أي ثقل في المجتمع آنذاك.

أ) القمندان يبادل بريكه الوفاء:

يقول الباحث الأستاذ عمر الجاوي إن القمندان قد ترك إمارة الحكم والتحم بالناس في حياتهم اليومية، ولذا فإن أغلب أعماله كانت تجسد هذه الحياة اليومية بمختلف مضامينها.

ما يميز أعمال القمندان أنها مثلت انعكاسا للمشهد اليومي للناس بمختلف صورها، فقد تجد في هذه الأعمال كل ما يمكن أن يخطر على بال المتلقي أو العكس، فالرجل كان يوظف كل ما يستطيع التقاطه. بريكه هذا الاسم قد يبدو بعيداً جداً عن ذهن الناس لولا أن القمندان كان قد وظفه في إحدى قصائده المشهورة، وبريكه هذه الجارية الوفية للقمندان، التي يبالغ البعض في وصف حبها ووفائها للقمندان إلى درجة المغالاة، كانت حياتها ستمر مرور الكرام لولا أن القمندان كان قد ذكرها في قصيدته كصوت معبر عن الفرح بما تمتلكه من قدرة على إطلاق الصوت ونفاذه سواء زعاريد الفرح أو نياح الحزن حتى أنه قيل إن صوت نياحها كان يسمع إلى مناطق بعيدة خارج حوطة لحج لحظة الإعلان عن وفاة القمندان، ولاشك أن القمندان كان ذكياً ووفياً عندما وظف هذا الاسم حتى تظل هذه الحالة البشرية حية في التراث اللحجي:

هذا جبر للجابري

وصالي وكلف علي

ومصعبين جالس هنا

للسركال بايعتلي

ما الليلة صفا الجابري

وانتي يابريكه احجري

جانا في السمر بن علي

هادي هوه والمجعلي

يا حيا بهم في صفانا

ذا فضلي وذا عبدلي

ما الليلة صفا الجابري

وانتي يابريكه احجري

ولي صاحبي ذي يشل

الدانة ودوبه سلي

قد لي جم في بير جابر

من فـرقـهم أقـتلي

ب) بديد في شبك الفقيه:

على هامش الحياة يعيش ناس كثيرون لسنين طويلة دون أن يكون لهم ذكر حتى بعد مماتهم، لكن فعلا معينا لأحد هؤلاء البشر يمكن أن يخلد ذكره عبر التاريخ.

بديد اسم قد يبد غريباً على أهل لحج وغيرهم لولا أن إحدى قصائد الشاعر الكبير صالح فقيه قد تضمنت هذا الاسم في أحد أبياتها.

قد تكون الضرورة الشعرية أحياناً أحد الموجبات التي تحتم على الشاعر أو غيره أن يوظف اسماً سواء أكان هذه الاسم صحيحاً أم حتى يتم ابتداعه من قبل هذا الشاعر أو ذاك.. لكن الشاعر النبيه يحاول دائماً اكتناز أكبر كمية من المعرفة حتى يتم توظيفها في أعماله عند الحاجة. ولذا فإن الشاعر صالح فقيه الذي عرف باستيعابه مجمل حياة الناس آنذاك كان يوظف اسم بديد هذا وهو اسم صحيح لرجل صومالي بسيط كان يبيع السمك في لحج، وعلى الرغم أن هذا السمك لم يكن من النوع الجيد إلا أن اسم الرجل ومضمون القصيدة قد ساعدا على أن يوظف في إطارها الأمر الذي جعل هذا الاسم يظل حياً كلما جاء ذكر هذه القصيدة المغناة:

قال بوفضل سالم في سبتك يامهيد

عدمتني الفيد ذي قدني من العصر شوفه

كود بوبكر بايحكم عليا بقيد

ياليت وش هم سالم لا تقتضت شفوفه

قال بو زيد لاشي تحسب القصد صيد

ماهو من العيد ذا غاني منقش كفوفه

صيد موصوف ماهو من بضاعة بديد

مليح يابخت من شافه وحقق وصوفه

ريم في الحيد والغاني يروده رويد

شعوف ما با يذوق النوم لاشاف هوفه

له عيون المها حارس لورد الخديد

راوي من الظل ذي مسبل عليها دفوفه

لا تقولوا تجنن أو تقولوا وليد

يمين ما يتركه لو مايلاقي حتوفه

من المرادع لاسطنبول لاحد وحيد

هذا الذي تدعسه رجله ونفسه تعوفه

مايبا مال بن مسعود أو باسويد

ولا الذهب ذي في الخزنات حمراء حروفه

جـ) سلمى بت حرز في مرمى كرامة:

على الرغم من أنه محسوب على الجيل الجديد من شعراء لحج إلا أن الشاعر عارف كرامة قد سار على نهج أسلافه الذين جعلوا من إيقاع الحياة اليومية في لحج زاداً معرفياً ينهلون منه كلما هبوا في صياغة أعمالهم الشعرية. لاتزال ذكراه وأبصار الكثير من أبناء لحج تحتفظ بصورة وصوت تلك المرأة التي كانت تقف بشكل دائم في محيط بوابة سوق الخضار والفواكه في قلب الحوطة حتى النصف الأول من ثمانينات القرن الفارط وهي تكسو جسمها بلباس لافت، إضافة إلى عدد كبير من الحلي الفضية والأساور والحلق حتى شكلت مشهداً غير مألوف عند العامة، وعلى الرغم من أنها كانت تفتقد نعمتي العقل والسمع معاً إضافة إلى هذيان مستمر دون معرفة مقاصدها كانت حياتها ستمر مروراً عابراً إلا أن قدرة الشاعر على التقاط نبض المجتمع جعلته يوظف هذه الظاهرة التي عرفت باسم سلمى بت حرز في إحدى قصائده وعلى الرغم مما تنطوي عليه هذه القصيدة من رمزية ملحوظة إلا أن ما يعنينا أن هذا الشاعر أبى إلا أن يخلد اسم هذه المرأة العابرة التي شكلت ظاهرة معينة في حقبة زمنية من تاريخ لحج حتى أصبحت في عداد التراث اللحجي:

وزنا القملي والثور الأحمر

وجدنا القملي رجح وقيه

لأنه مجتهد بالأمر أفكر

ومتعرف على خبر البنيه

وحجم المخ هوى في وزن أكبر

شبيه الحب في صدر الغبيه

تصون من مدح فيه وأثر

وباتت للهوى ترقص رضيه

لها جعبل نفخ حلقه وزمر

وصوت يفقع على طبلة نديه

سلا الهبلى عبث في وسط محضر

لها رقصة وقفزة خنفسيه

وحتى القملي وضّح وفسّر

وأعطى الفرق في حب الذكيه

لها أسلوب به تلعب وتسحر

بشأن الحب رتبتها عليه

وهدت في الهوى دولة وعسكر

وداستها قلوب جمع البقيه

أذيه بعمد والعاشق منه تخير

على اللي حبته من صدق نيه

هبيلاء دوبها منه تخبر

وسلمى بت حرز تقلي قليه

تقص لها على قصة مكرر

تشابه حبها في اللاذقيه

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى