قراءة في محتوى العدد السابع والعشرين من مجلة آفاق أدباء حضرموت الفصلية الأدبية الثقافية

> «الأيام» وليد محمود التميمي:

> في شكل أنيق، وإخراج فني مميز، صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب بالمكلا، العدد (2009/27) من مجلة آفاق الأدبية الثقافية الفصيلة، غلاف العدد زين بعناوين بارزة من محتويات صفحاته المائتين من الحجم الكبير، وفي ركن من زواياه، توسدت صورة كتاب آفاق الثالث: عن إبداع الأديب عبدالله سالم باوزير.

وكسرا للنمط ومن دون مقدمات اخترق الشاعر الفلسطيني د. خالد علي مصطفى أولى صفحات العدد ليدون في باب أفق البدايات قصيدته الطويلة (درس في التاريخ) حينما كان يمكث في أرض دجلة والفرات العام 2003م، حكاية قوم يفتدون النار، وتنتقيهم واحداً فواحداً موائد المقامرة في حانة تديرها بنات آوى سلالة جميلة تنسل من حمالة الخطب، وفي أغانيها المهجنة تحتشد الموانئ المدجنة.

وفي لحظة غبش كاليقين تراءى له رحل د. سعيد الجريري (على غيمة من هديل خرافي) إلى حيث تغفو وتصحو الأميرة لتطل من عينيها، أغنيتان من خمر وكوثر، وعلى شفتيها الأماسي حنيناً يهاذي احتراق المنى في المنافي، في بلاد تنام على دمها مثخنة.. تقيد به جذوة المستحيل، على وردة من نشيج خرافي.

وفي باب أفق الدراسات والمقالات التي اكتظت بها صفحات العدد كتب حسين أبوبكر العيدروس عن أحكام العمارة في العصر الإسلامي، معرجاً على شواهد من الآثار الباقية، مؤكداً في مدخل دراسته أن العمارة شاهد من الشواهد الأثرية التي تدل على الاستقرار والاستيطان في الأرض، مستعرضاً عوامل تحكمت في اختيار موقع العمارة، منها القرب من مصادر العيش الأساسية وتوفر الحماية الطبيعية والمناخ المناسب، مضمناً دراسته بالأحكام على مستوى البلدة وأحكام الشوارع وحق الجار.

ونشر علي عبدالعزيز باعشن دراسة عن معالم الفكر التربوي والفلسفي عند الإمام الشوكاني، مستفيضا في شرح الإطار العام لنشأة الشوكاني في حياته الخاصة والعامة، ورؤيته الطبيعة البشرية التي تتسم من وجهة نظره بالمحايدة ولها قابلية التشكيل نحو الخير أو الشر، ومن الرؤى التي قدمها الشوكاني حول الطبيعة البشرية هي: أن الإنسان كفور غير شكور، أنه ظلوم لنفسه بإغفاله شكر نعم الله وجحوده، النفوس البشرية مجبولة على السرور بالخير والنفور عن الشر، طبيعة الإنسان السهو والغلط والنسيان وحب المال.

وعن (لقمان والدهشة من الحداثة) كتب د. قاسم المحبشي دراسة انصب تركيزه خلالها على قراءة نصوص محمد علي لقمان التي جمعها د. أحمد الهمداني في كتاب (الأعمال المختارة) والتي فهرسها في ثلاثة أصناف: الكتب الاجتماعية والسياسية والروايات وأدب الرحلات.

مختتماً رحلته الفكرية في فضاء لقمان الثقافي باستنتاج أن دهشة لقمان من الحداثة في كتابه (بماذا تقدم الغربيون) كانت مزيجاً من الانفعال النفسي الحاد المصحوب بالانبهار والإعجاب من جهة، والخوف والحسد من جهة أخرى. غياب المنهج التاريخي العقلاني أوقع لقمان في موقف مضطرب ومتناقض من واقعة الحداثة.

الكتاب ظهر كمجموعة من الخواطر العابرة وسوانح الأفكار المجنحة الشاردة والفوضى الفكرية العارمة والاضطراب الشامل، إلا أنه رغم كل الملاحظات أكد أن العمل ينطوي على أهمية استثنائية بالنسبة للبيئة الثقافية في جنوب الجزيرة العربية ومحاولة جريئة وخطوة رائدة في استشكال ظاهرة خطيرة كظاهرة الحداثة، نقف أمامها موقف العاجز عن فض بنيتها وفهم مغاليقها.

الناقد طه حسين الحضرمي خاض في دراسته (مفهوم وجهة النظر في السردية الحديثة) في خضم المحيطات الواسعة للسرديات الحديثة، محلقاً في آفاقها الشاسعة، التي بلورت حيثيات هذا العلم، مشيراً إلى أن دراسة وجهة النظر أصبحت من مشاغل النقد القصصي والروائي الأساسية، وجرى التركيز على الطريقة التي تقدم بها الأحداث وطبيعة الراوي الذي يقدم هذه الأحداث، ولاستبيان السبل الممهدة لاستكناه أبعاد قضية (وجهة النظر) فقد تناولها من خلال أبرز مكوناتها: ثنائية العرض والقول، تقنية الراوي، الرؤية السردية.

وحلل د. عبدالقادر باعيسى أربع طبقات تداعت من قصيدة (رواء) لعلي أحمد بارجاء، ليكون التداعي واحدة من علاقات التفاعل في الإعجاب والتعاطي والتطهير والإحساس بالمفارقة بين النص والقارئ.

وهامشاً على موت المؤلف، كتب د. أحمد سعيد عبيدون قراءة عن (العناب والعنم من دم الذات إلى نقش النص) مؤكداً أن العناب والعنم في الشعر تدل على الأنامل، مبدياً استغرابه لقول شاعر معاصر معلقاً بأن المقصود بها شفتا المحبوبة، مشيراً إلى أن سياق العناب يدل على الندم والعض على الأنامل كناية عنه.

ووسط أسطر من السحر المفترس، قال د. عبيدون:«إن ذاك الشاعر كأنما يريد أن يضيف إلى زينة النص ما يكتسب بها عصرية أكثر، ولأن النص قد تشبع في علاماته، فليس له أن يضيف الآن إلا إلى دلالته، بالانتقال من خضاب الأنامل إلى حمرة الشفاه».

فيما كتب د. عبده يحيى الدباني قراءة في قصة كملاديفي للقمان قسمها على جانبين موضوعي وفني.

وفي حقل تحقيقات لغوية كتب د. عبدالله صالح بابعير عن ما يشيع في الكتابات الأدبية والثقافية المعاصرة من استخدام مقولة (بادئ ذي بدء) في مفتتح الكتابة وجعلها بمنزلة ابتداء الكلام، مستعرضاً عبارات أخرى جارية على أساليب العربية في التركيب ويمكن استخدامها على النسق نفسه.

ونغلق أفق دراسات العدد بالعربية في نحوها القرآني للدكتور سعيد العيشي.

وفي باب أفق الإبداع ، اصطفت قائمة من القصائد الشعرية والقصص القصيرة، حيث كتب الشاعر جنيد محمد الجنيد قصيدة بعنوان (الشحر)، وسالم عبدالله بن سلمان عن (ملكة القوافي)، وسالم زين باحميد قصيدة بعنوان (حنين)، و(نخيل يتقزم) لعبدالحميد الحسامي، و(مابين نسيان الخليفة وارتياب الحاشية) لعبدالله باكرمان، و(اليوم الذي سقط سهواً) لسوسن العريقي، و(ذاكرة الجليد) لمحمد المحفلي و(يوسف في سوق الملح) لعصام واصل.

كما نشر فصل من رواية (الصماصيم) للقاص صالح باعامر، و(أربع قصص قصيرة جداً) لصالح بحرق، و(أقاصيص) لأحمد جعفر الحبشي، و(أحجار القلق) لشريفة محمد الحداد، و(ماتت طفولة) لسعاد عمر سواد.

في أفق حوار العدد الذي أجراه صالح سعيد بحرق برزت العناوين التالية على لسان القاص والروائي سالم العبد: أنا محب للأدب ضل طريقه إلى مجاهل الإعلام والصحافة- هامش الحرية المسموح به للمبدع غير كاف ولكنه يستقطع مساحات أكبر من ثورة المعلومات.

وفي باب أفق عربي، نشرت ثماني قصائد هي:

قصيدة (عائشة) للشاعر السعودي علي الحازمي، وقصيدتان (صباحات وشايات أمي) للشاعر البحريني أحمد السترواي، و(امرأة من خيال) للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس، (عما قليل تقوم الحرب) للشاعر التونسي سامي السنوسي، و(حنانك غزة) للشاعر الفلسطيني نمر سعدي، و(شيخوخة) للشاعرة الأردنية سناء الجريري، و(لو أن بعضا من عبيرك زارني) للشاعر العراقي هيثم كامل، وأخيراً قصيدة (البنت ذات الصندل الفضي) للشاعر السوري المقيم في بلغاريا خضر سلفيج.

وفي أفق التجارب أفاض أ. عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي في الحديث عن محطات بارزة في حياته الأدبية والثقافية.

وقدم أ. أحمد عوض باوزير في أفق الكتب عرضاً شائقاً لكتاب د. سيد مصطفى سالم عن مجلة الحكمة اليمانية وحركة الإصلاح في اليمن.

واختتم العدد بأفق التأمل، حيث قدم د. عبدالله الجعيدي (قراءة في رؤى بعض النخبة حول السيد أحمد محمد العطاس بوصفه أول وزير وطني في السلطنة القعيطية) من خلال نموذجين للأستاذين سعيد عوض باوزير وحسين محمد البار، ناشراً في سياق قراءته مقتطفات من خطبتي السلطان عوض وبدر الكسادي في وداع الوزير جهان خان وتنصيب العطاس.

الغلاف الأخير نمنمت صفحته قصيدة عنوانها (حضارمة) للشاعر العراقي سعدي يوسف.

يذكر أنه يوزع مجاناً مع العدد، كتاب آفاق في تسلسله الثالث:

الأديب عبدالله سالم باوزير، دراسات ومقالات في منجزه الإبداعي، بأقلام الأساتذة: نجيب باوزير ود. مسعود عمشوش، ووجدي الأهدل، وطه الحضرمي، وعلي العيدروس، ود. مسعد مسرور.

وجاء في التقديم الذي كتبه د. سعيد الجريري، رئيس التحرير:

(وإذ نخرج هذا الكتاب فإننا نقدمه تحية إبداعية لعلم باذخ من أعلامنا الأدبية، مازال- وسيظل - موضوعاً مفتوحاً على عناوين شتى مقترحة لمقالات ودراسات نقدية وفق مداخل متعددة تستكنهه. وفي الوقت نفسه نؤكد دأبنا في المجلة والاتحاد على مواصلة ما بدأناه، وصولاً إلى ترسيخ تقاليد مفيدة تسهم في استعادة الحلم ومشروعيته بأن يكون لنا ما نخطط له بوعي، وما نستطيع تحقيقه أيضاً، في المشهد الأدبي والثقافي المستلب الهوية والملامح، من دون أن نركن إلى لغة تستمرئ لعن ظلام يأبي أن يغادر، تعبيراً عن حالة تعويضية تستعذب المواجهة بالكلام العاقر).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى