قصة قصيرة .. فضول صحفي

> «الأيام» محمد عبيد ناصر:

> رميت بجسدي على أقرب مقعد صادفني في مقهي العم (أمين).. وضعت أوراقي على مائدتي أعيد ترتيبها لأختار منها موضوعا قابلا للنشر.. كانت عيناي منشغلتين ببعض القصصات التي تناثرت أمامي.

فجأة لمحت من بعيد رجلا يدخل المقهى وقد ارتسمت على ملامح وجهه هموم الدنيا وأوزارها.. جلس وهو يتمتم ببعض العبارات.. توقفت بدوري عن الاهتمام بأوراقي ووضعتها جانبا وركزت نظري على الرجل، الذي بانت على ملامحه السنون العجاف التي مر بها.. وانتشار الشيب في شعر رأسه.. والتشققات التي لم ترحم يديه.. أصبح وجبة صحفية لابد من التهامها والتلذذ بها.. أمسكت بيد (أحمد) عامل المقهى.. وأجبرته على الاقتراب مني، ووضعت في أذنه سؤالا (صحفيا) خفيفا:«من هذا الرجل؟» وأشرت بإصبع يدي نحو الرجل.. نظر (أحمد) إلى الرجل بتعجب واستغراب:«من..!! هذا؟!!» وهو ينظر إلى الرجل، فأشرت برأسي بالإيجاب.. فرد (أحمد) وهو ينظر إلى أحد الزبائن:«لا أدري.. إنها المرة الأولى التي أراه فيها».

تركت (أحمد) الذي لم يشبع شهيتي ورغبتي في التساؤلات التي تزاحمت داخل رأسي، وكأنها ستتقافز وتتركني حائرا.. جمعت كل أحاسيسي الصحفية، وأخذت فضولي وتساؤلاتي واتجهت إلى الرجل جلست أمامه بعد أن ألقيت عليه التحية.. ورمقني بنظرة خاطفة لامبال.. وغير مهتم..كشفت عن رغبتي في أول سؤال طرحته عليه:

«هل أنت غريب.. أنني أول مرة أراك فيها هنا؟!!» فلم أتلق سوى زفرات ضيق ساخنة.. فلم أبال أو أستسلم.. فرميت بسؤال آخر:«لماذا أنت حزين؟!».

فتبدلت ملامح الرجل، وازدادت غضبا.. فوضع كأس الشاي بعصبية، وهو يوجه كلامه إلى (أحمد):«تعال يابني.. خذ حسابك» ونهض وهو يرمقني بنظرات عصبية.. وغريبة.. فبدأ الحس الصحفي يؤجج فضولي.. ويزيد من رسم قصة في مخيلتي.. فنهضت أيضا وعدت إلى مائدتي، وأخذت أوراقي على عجل، وركضت خلف الرجل.. وقد اكتمل سؤال آخر في ذهني.

توقفت خارج المقهى أنظر في كل الاتجاهات، أبحث عنه.. فرأيته يسير بصعوبة، يستند على (عصا) اتخذ منها عكازا، لحقت به، وسرت معه وأنا أسأله:«ماذا حدث.. لماذا لا تريد الكلام معي؟!»

توقف الرجل ونظر إلي بضيق وقد أصبح كرة مشتعلة من الغضب:«هذا أنت مرة أخرى؟!!

ماذا تريد مني.. أنتم كما أسيادكم.. كاذبون..!!». ابتلعت ريقي بصعوبة.. وعدلت منظاري الطبي:«

ماذا تقصد..بـأسيادكم.. ولماذا نحن كاذبون؟!» فرد الرجل وقد خانته دمعة سقطت على خده:«سبع ساعات واقف أنتظر حسنتي (الراتب) أمام البريد.. ولا رحموني.. ولا رحموا غيري.. هل هذا هو الجميل الذي ردوه لنا.. أين العدل في هذه البلاد؟.. والله يجازي إلي كان السبب!!!».

تركني الرجل وهو مازال يصرخ.. تسمرت في مكاني.. وعلامات الدهشة تسيطر على كل جزء من وجهي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى