هنا عدن

> عبدالله باكدادة:

> هذه عدن.. فاتحة الآيات، شهرة الفاتحين، رقة المانحين .. روعة المبدعين .. قمة في السخاء، زهوة في العطاء .. رحله بدون بداية ولا نهاية..
هي ذلك الفضاء الواسع الرحب الذي تسافر منه وإليه وفيه كل القوافل السيارة على الجمال أو الراحلة في البحر أو السابحة في الفضاء.
عدن .. قبله القادمين .. من كل أرجاء الكون ومن المحيطات الواصلة عبر البحر الأحمر وبحر العرب.. هي الشاهد دوماً بين البحر والجبل.. ريشة تتماهى بألوان الحياة بين أنامل فنان يرسم لوحته الأول ولوحته الأخيرة.. هي الرحلة الجميلة بين الميلاد والموت، وليس لها من موت غير ميلاد جديد.. هي تلك القصيدة التي لم يكتبها الشاعر بعد، وهي الأغنية التي ترامت بين أصوات لا تأتي إلا من المرشدي ومحمد سعد وأحمد قاسم والعطروش وخليل محمد خليل وبامدهف ومن جايلهم في ترانيم عشق الحياة وفلسفة الزمان والمكان وديمومة من يملكون البقاء في دار الفناء.
هي تلك الأيقونة التي تفوح رائحتها من البخور العدني والدلع الذي لا يأتي من (أنا فدا لك) و (راسك) و (يا عيباه) و (مش عيب عليك) والحروف التي الطاء إلى ثاء والحركة التي تصنع من الصفعة قبلة للحياة ..هي قبلة الحياة للعدنيين وليس قبلة الموت عند العدنيين.
وإذا ما بحثنا عن أنفسنا فلن نجدها في فوهة رشاش وطلقة مدفع أو بزّه عسكري أو جنبية قبيلي يصرخ بصوته ويطلق ذاته كي يعلن عن نفسه.. لن نجدها في مسكنه الذي يأتي من تحته، أو في سطوة من يأتي من فوق.. بل سنجدها في الطيور المهاجرة من أوروبا وأمريكا اللاتينية إلى ساحل أبين وبحيرة البجع كي تعلن عن ربيع دائم.. سنجدها في وقفة طائر الفلامنجو وهو يستقيم على ساقٍ واحدة تتكئ عليها الأخرى، كي يمارس الدلال على أنثاه في حالات لا يجود بها الزمان إلا كي يعلن عن عدن.. ذلك الدلال الذي يضطر الأنثى كي ترقص رقصة الفلامنجو التي أخذها الإنسان من هذا الطائر الواقف في الطريق البحري بين جولة كالتكس وجولة فندق عدن.
هذا الجمال بين رغبة الأنثى وتدلل الذكر في لوحة البحر هي مسيرة ذاتية لهذه المدينة التي تركت أثرها في كل من عاش فيها.
هذه عدن .. محمد عبده غانم، مصطفى خضر، لطفي جعفر أمان، محمد سعيد جرادة، عبدالله عبدالكريم.
هذه عدن .. فتاه الجزيرة، "الأيام"، النهضة، اليقضة، القلم العدني، الجنبية، الآمل، الصباح وغيرها.
هذه عدن .. التضامن المحمدي، شباب التواهي، الهلال، وشباب الجزيرة.
هذه عدن .. الهتاري والمجيدي .. عوضين والقيراط الصيني وعادل إسماعيل، نشطان والماس وغيرهم.
هذه عدن .. سطور نذكّر بها أولئك الذين نسوا من هي على صفحات أول إصدار "الأيام" بعد الاحتجاب.
عدن .. هذا الميناء الذي نافس سنغافورة، وميناء هونج كونج، وتبارى مع ميناء مرسيليا والموانئ الأمريكية، هذا الميناء الذي قال عبر إذاعةٍ حينما تأسست عام 1954م "هنا عدن"..
فهل آن الآوان أن يستعيد مجده مع عوده صحيفة "الأيام" وعودة الحياة إلى عدن عبر الدولة الاتحادية.
هل آن لأبناء عدن ـ مثلهم مثل أبناء اليمن ـ أن يعوا خصوصية الأقاليم في ظل يمن يمثل قوة إقليمية على مستوى الجزيرة والمنطقة العربية؟
هل آن أن ننتقل من الصراخ إلى الفعل ومن الشعارات إلى العمل ومن الغوغائية إلى رسم خارطة المستقبل؟
هل آن لنا أن نأتي بالمرشدي وأحمد قاسم وخليل محمد خليل ولطفي والجرادة مرة أخرى في واقع نرسمه اليوم لنرى غداً؟
تلك هي المعادلة الصعبة التي لو وعيناها اليوم لرأيناها مرأى.
العين غداً .. ولاستطعنا أن نطبق مقولة كونغوشيوس عظيم الصين حين قال : "إذا أردت أن تنظر إلى تطور بلد عليك أن تنظر إلى موسيقاه" .
دعونا نقف على ساحل أبين كي نستمع معاً إلى ( ياساحل أبين بنى العشاق فيك معبد) ونقف في الجولدمور وخلجان البريقة ونحن ذاهبون إليها كي نستمع إلى من يردد وهو متكئ على حجر وبيده عشب قات (عدن عدن .. ياريت عدن مسير يوم .. شاسير به ليله ما شرقد النوم )..
تلك هي عدن وعلى من يفخر بها أن يردد "هنا عدن".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى