اليابلي ووحي القلم

> ناصر الفضلي:

> لكل قلم وحيه الخاص ويسفر لفظه عن دلالات موحية دون معناه ويدل كل قلم على صاحبه.. فما هو الوحي؟
الوحي إعلام بخفاء، والوحي لا يخص الأنبياء وحدهم كما كنت أعتقد، بل الوحي يتنزل من الله على من يشاء فقد أوحى إلى النحل “أن اتخذي من الجبال بيوتا” وأوُحى إلى أم موسى “أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم...” ولولا أن وحي الله يصحبه برهان بأنه من الله لما ألقت أم موسى وليدها في اليم،وسيوحي الله إلى الأرض بأن تخرج أثقالها عن الزلزلة، ووحيُ القلم يختلف بحسب فكر وموقف صاحبه، وكما ينزّل الوحي سماويا علويا من الطهر المطلق الحكيم فإنه يأتي أيضا دونيا سفليا سقيما كوحي الشياطين؛ يقول الحق سبحانه: “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ..” سورة الأنعام 112.
وكذلك وحي الأقلام وحبرها، ولليابلي حبر طاهر نبيل، وقلم حر جليل، وأسلوب شيق ممشوق رائق رائع، وهو أمير الكتاب الصحفيين اليمنيين عندي، وعندما أقرأ له - وأنا مقل في متابعة الصحف- أشعر أن وراء المعاني والألفاظ التي أقرأها رجلا نبيلا صادقا رصينا متصالحا مع نفسه وأهله من أبناء جلدته، رقيقا أسلوبه، حصيفا فكره، شجاعا لا يخاف أحدا في قول الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، يدفع ما استطاع عن كل مظلوم.
قرأت أنه قبل أيام عشي بصره- بسبب المياه البيضاء- سلامات يا أستاذنا!.
قال معاوية لسيدنا عبدالله بن عباس: “ما بالكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم؟”. فرد ابن عباس: “ما بالكم أنتم يا بني أميه تصابون في بصائركم؟”. فسكت معاوية.
وكان ابن عباس قد فقد بصره فقال في ذلك: إن ياخذ الله من عينيّ نورهما ففي لساني وسمعي منهما نورُ وإن أصيب بصرُ اليابلي فستبقى بصيرته غيمة من نور تنير للجيل الطريق وتؤكد لهم أن الصحافة قلم حر في زمن سقطت فيه بعض الأقلام، وأن آباءهم كانوا رجالا في زمن قل فيه الناصر والمعين.
ذهب المغيرة بن شعبة وهو أمير الكوفة إلى هند بنت المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة وهي عجوز عمياء قد تنصرت وترهبّت في دير لها، فاستأذن فقالت: قولوا له: أمن أولاد جبلة بن الأيهم هو؟ قال : لا. قالت: أمن أولاد المنذر بن ماء السماء هو؟ قال: لا. قالت: فمن أي العرب هو؟ قال : أنا المغيرة بن شعبة الثقفي.
قالت: قولو له فما حاجته ؟ قال : جئتك خاطبا.
فضحكت وقالت: يا مغيرة لو جئتني لمال أو لجمال لأطلبتك، ولكنك أردت أن تتشرف في نوادي العرب بأنك قد تزوجت من بنات الملوك،وإلا فأي خير في اجتماع عجوز عمياء وأعور؟
قال: فاسألوها أن تصف لنا حالهم، وكيف كان أمرهم؟ قالت: قولوا له أأوجز أم أطنب؟ قال: بل توجز.
قالت : أمسينا مساءً وما عربي على وجه الأرض إلا ويرغب إلينا ويرهبنا وأصبحنا صباحا لا يرهبنا أحد ولا يرغب إلينا أحد.
أي بلاغة تلك وأي بيان؟ والله لا يقول هذا إلا الملوك أو أبناء الملوك فقد أوجزت أعواماً من العز والملك وأعواماً أخرى من الذل والمسكنة في عبارة واحدة بليغة بينة.
وجميعكم قرأ قصة عمرو بن الأهتم والزبرقان من بدر وهما من سادات تميم في عام الوفود، العام التاسع من الهجره النبوية وفي الوفد قيس بن عاصم المنقري، وعطارد بن حاجب بن زرراة وغيرهم من سادات تميم،فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم فيّ أكثر مما قال، ولكنه حسدني شرفي فغضب عمرو بن الأهتم وأثنى على الزبرقان فتغير وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) من تغييره لأقواله في نفس المجلس فقال: لا تغضب يارسول الله،رضيت فقلت أحسن ما أعلمه فيه، وغضبت فقلت أسوأ ما أعمله فيه، ولقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية فتهلل وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال : “إن من البيان لسحرا”.
هذا كلام الملوك وأبناء الملوك وسادات العرب وفصحائهم وحكمائهم وحلمائهم.. قد انتهى عهده وانقضى وقته في فضاء زمني بعيد فهل بقى لنا مثلهم من أصحاب هذه الفصاحة والبلاغة والبيان أو بقي لنا شيء مثله في زمننا هذا في مدينة الأحرار عدن المدينة الوادعة الجميلة؟ نعم واليابلي منهم وبعض إخوته من أمثاله من الصحفيين الأحرار.
نعم أنت يا يابلي منهم، وقلمك الحر يفيض ببلاغته وفصاحته وبيانه فكرا وأدبا وعلما وحكمة ومبادئ تحيد الجبال عنها وأنت عنها يا يابلي لا تحيد!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى