لماذا انسحابنا من الحوار الوطني

> باشراحيل هشام باشراحيل:

> يلوم الكثير من أبناء الجنوب الأعضاء المشاركين في الحوار الوطني على المشاركة ولاتزال حملة الانتقاد في الجنوب تتقد وكأنهم خانوا الجنوب ومبادئهم، وبسبب حملة التحريض لم يفهم لما شاركنا ولماذا انسحبنا واستمر غيرنا في الحوار.
وهنا أريد استذكار مطلب الجنوبيين منذ نهاية حرب 1994 م الظالمة بوجوب الجلوس إلى طاولة مفاوضات بين الجنوب والشمال بإشراف دولي.
كان سفراء الدول الراعية للحوار الوطني والسيد جمال بن عمر حريصين على مشاركة الجنوبيين، وكانت «الأيام» سباقة بأول اجتماع بالسيد جمال بن عمر قبل مؤتمر الحوار في 8 سبتمبر 2012 م.
وانتقل السفراء والسيد جمال بن عمر إلى عدن مرات عدة لضمان المشاركة.. الجنوبيون من جهتهم طلبوا الوفاء بمجموعة من الشروط للمشاركة منها الندية، وبمعنى أصح 50 % جنوبي و 50 % شمالي في الحوار الوطني، واستجابت المجموعة الدولية لهذا المطلب.
اشترط الجنوبيون ألا تكون الوحدة سقفا للحوار، وبعد جهد جهيد تمت الموافقة، إلا أن الجنوبيين وعندما حانت ساعة النزال انقسموا وغذت أطراف معينة لم يتم الاستجابة لمطالبها المادية موضوع تخوين المشاركين في الحوار.
لم يكن الحوار الوطني نزهة ولكنه كان عملا متواصلا ومضنيا، ففي اليوم الأول وفي جلسة الافتتاح رفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في قصر الرئاسة في صنعاء، وكان ذلك حدثاً فارقاً شاهده السياسيون الشماليون بدهشة في تلك الجلسة، وتلى ذلك تقسيم اللجان التسع في الحوار الوطني والتي قام ممثلو الحراك بطرح كافة القضايا ومن ضمنها موضوع استقلال الجنوب بصوت عالٍ في القاعات.. ومن الطبيعي أن هنالك معارضين لهذا الطرح من ساسة شماليين وجنوبيين.
اتسم الحوار في الأشهر السبعة الأولى باحترام وجهة نظر الجنوبيين وظهر واضحاً على الملأ انقسامهم وغياب القيادة في اتخاذ القرار، وكانت هذه نقطة ضعفهم المميتة في الحوار.
ففريق القضية الجنوبية بأعضائه الأربعين والمكون من الحراك والأحزاب السياسية وممثلي الشباب والمرأة الشماليين قدموا كل على حدة - ثلاثة مستندات مهمة، وهي: جذور القضية الجنوبية، ومحتوى القضية الجنوبية، ورؤية الحل.
عند تقديم وثيقة جذور القضية الجنوبية عمل فريق الحراك على تضمين أهم الأبواب التي سيتم توسيعها في المحتوى، وكانت بمثابة الفهرس للمحتوى في 26 صفحة، بينما كانت بقية الأوراق من 4 إلى 8 صفحات للأحزاب والمكونات.
عند تقديم الجذور اعترض حينها ممثلو الأحزاب على الطرح فيها، ليس لأنها تحتوي على أخطاء أو مغالطات ولكن لخوفهم من تسجيلها في وثائق الأمم المتحدة، فأقروا في اللجنة قرارا بأن يكون المحتوى بحد أقصى 20 صفحة، لكن الجنوبيين اشترطوا أن تكون ورقتهم هي الأخيرة وكان لهم ما يريدون.
وعند البدء في إعداد محتوى القضية الجنوبية عملت لجنة مصغرة على إعداد الوثائق برئاسة السيدة الفاضلة رضية شمشير وعضوية العديد من الجنود المجهولين، أذكر منهم المهندس بدر باسلمة والأخ خالد بامدهف والدكتور محمد حلبوب والأخ العزيز وهيب العيسائي والأخ سليمان حيدرة من الولايات المتحدة، وفتحت صحيفة «الأيام» إرشيفها لهذا العمل.
وجاءت وثيقة المحتوى للقضية الجنوبية المقدمة من ممثلي الحراك الجنوبي في 2650 صفحة بعشرة ملاحق، وبمجرد تقديمها سلمت عشر نسخ إلى ممثلي الدول الراعية وخمس نسخ إلى خبراء الأمم المتحدة ونسختان إلى السيد جمال بن عمر الذي طلبنا منه تسجيلها في مجلس الأمن ووعد بفعل ذلك.
كانت وثيقة المحتوى صادمة للجميع، ففيها بيان بالانتهاكات العنصرية ضد الجنوبيين وشرح تفصيلي لعمليات التهميش والإقصاء من الحياة السياسية والتمييز ضد هويتهم وثقافتهم وحصر بقتلى الحراك الجنوبيين حتى تاريخ 11 مايو 2013 وسجل المتقاعدين العسكريين لدى الدولة التي تدعي أنها حلت مشكلتهم به وعددهم نحو 52 ألف شخص بينما العدد الفعلي أكثر من 150 ألفا، وكانت هذه نقطة ركز عليها ممثلو الدول الراعية.
تنوعت وثيقة المحتوى للأحزاب وممثلي الشباب والمرأة، فكان الحزب الاشتراكي وممثلو الشباب وأنصار الله أقرب إلى الحل وكان طرحهم عقلانيا وسياسيا بامتياز، بينما حمّلت بقية الأحزاب الجنوبيين مسؤولية المشاكل في الجنوب، بل إن حزب الرشاد وضع 14 محوراً حمل الجنوبيين مسؤولية 13 منها.
كانت أكثر المراحل ألماً لنا في الحوار الوطني هو تظاهرة فصيل من الحراك في عدن ضد ممثلي الحراك في المؤتمر والتي رفع فيها المتظاهرون صور المشاركين، وصور آخرين لم يشاركوا في الحوار، ووصفوهم بالخونة، وعرفنا في حينه كيف وصل تمويل المظاهرة وطباعة الصور من بيروت.
لقد قلناها منذ بداية الحوار وعلى الملأ نحن لا نمثل الجنوب، فنحن لم ننتخب من الجنوبيين وإنما نحن نعرض رؤية للمشكلة وللحل، وبنفس المقدار، فممثلو الشمال لم ينتخبوا من الشماليين أيضاً.
وعند تقديم ورقة رؤية الحل كشر ممثلو الأحزاب عن أنيابهم، وكان من المضحك رؤية ممثلة الشباب وهي تتلقى أوامرها من ممثلي حزبي الإصلاح والمؤتمر بالإشارة والإيحاء،بينما وصل الجميع إلى طريق مسدودة، فممثلو الحراك طالبوا بالاستفتاء وتقرير المصير كحل أمثل للقضية الجنوبية بينما حمل بعض ممثلي الأحزاب الجنوبيين مسؤولية القضية الجنوبية والحل، ولم يقدموا أية رؤية تنم عن حرص أو إدراك لحجم المشكلة، بل استمروا في تجاهلها حتى اليوم.
وبعد تفاوض وتعليق والمزيد من التفاوض ولدت لجنة 8+ 8 الندية التي سماها الجنوبيون باسمها 8+ 8 ووصفها الساسة الشماليون بلجنة الـ 16 دعما للوحدة.
كان موقف الحراك صلباً وقدم مقترحين، الأول فيدرالية من إقليمين واستفتاء بعد خمس سنوات على استقلال الجنوب، والثاني كونفدرالية من إقليمين لا يجمعهما سوى العلم، وتم تسريب خمسة مقترحات أخرى إلى الأمم المتحدة لإثبات مرونة الفريق للتعامل مع أي حل مقترح، بينما لم يقدم ممثلو الشمال والأحزاب أي مقترح مفيد باستثناء الحزب الاشتراكي الذي قدم مقترح الفيدرالية من إقليمين، وكان لافتاً دعم الأستاذ عبد الكريم الإرياني للمقترح في ذلك الوقت كوسيلة للحفاظ على الوحدة.
بعد تلك النقطة جاء موضوع القيادة ليسدد الضربة القاضية للجنوبيين في مؤتمر الحوار الوطني، حيث نجح الساسة في الشمال في شق الحراك الجنوبي المشارك وزرعت عداوات وصدرت اتهامات ضد أطراف بدون أي دليل مادي، وعندما فشلنا نحن ممثلي المستقلين الجنوبيين في إصلاح ذات البين بين الفرقاء وحاولت أطراف استخدامنا لشق صف الجنوبيين وتحريضنا لصالح طرف ضد طرف آخر، آثرنا الانسحاب، فنحن في «الأيام» كنا وسنظل على مسافة واحدة من جميع الجنوبيين، ونسعى على الدوام للمِّ شملهم والتوفيق بينهم، فدار «الأيام» كانت وستظل الحاضن ودار الجنوبيين أجمعين.
لقد كان المشاركون في الحوار شجعانا بغض النظر عن انتمائهم السياسي، فقد طرحوا الموضوع تلو الموضوع وقارعوا الحجة بالحجة ولم يتخاذلوا عن عرض القضية الجنوبية بكامل أبعادها دون خجل بالرغم من قبول نفر ببعض “المغريات” وتلقوا تهديدات عدة أثناء مشاركتهم، ويجب ألا ننسى أن العمل السياسي لا يشخصن إلى عداوات شخصية إلا من قبل أولئك الذين خسروا مصالح شخصية.
في الحوار ذكريات كثيرة ومواقف جميلة، فلا يجب أن ننسى ممثلي الشباب ومنظمات المجتمع المدني والمرأة الشماليين الذين استطاعوا نقل معاناتهم ببراعة وكانوا عادلين نحو القضية الجنوبية، ولكن تم الالتفاف عليهم كما سرقت ثورتهم من قبل.. وأيضاً هناك ممثلو أنصار الله الذين كانوا على قدر بارع في العمل السياسي، وعلينا أخذ العبر والتعلم من هذه النقاط المفصلية في طريقنا نحو الحرية.
الخلاصة: إن مجموعة الحراك قدمت بالمكتوب وثائق للمجتمع الدولي وهي المرة الأولى التي تجد دول العالم مرجعاً مكتوباً لما حدث في الجنوب، فلم يقم أحد من قبل بتسليم وثائق إلى المجتمع الدولي عن معاناة الجنوبيين، وهذا يحسب لفريق الحراك المشارك، ويجب أن نتذكر دوماً أن الدول لا تبنى بالهتافات والميكروفونات والشعارات أو الإقصاء أو التخوين أو السب بل بالعمل السياسي العقلاني المنظم الذي يفضي إلى تحقيق الهدف المنشود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى