سميح القاسم .. الثائر الرياضي

>
 محمد العولقي
محمد العولقي
* في وقت ودع فيه العالم بطولة كأس العالم لكرة القدم بما فيها من صخب هول الفاجعة التي لفت "البرازيل" بعد زلزال "سبعة ريختر" ، وفي وقت تحولت فيه الأنظار والأمصار إلى غرف ملابس "ريال مدريد" الممتعض لاعبوه من طريقة "تصدير" زميلهم راقص التانجو "دي ماريا" ، ودع العالم الشاعر الأديب الأريب "سميح القاسم" الذي مات واقفاً في الأرض المحتلة كما تفعل الأشجار المثمرة.
* سميح القاسم .. الذي إنهار أخيراً في منزل متواضع في وطنه .. لم يكن شاعراً فقط .. ولم يمزج الأدب بفن الرواية ومصفوفات المقالة ، فلقد تعدى ذلك إلى حدود "رياضية" صرفة كان يقول فيها رأيه بمنتهى الصراحة.
* الشاعر الفلسطيني الراحل الذي شغل الناس وشغل العالم ، ودوخ "الصهاينة" بقصائده من قلب المعتقلات ، وزلزل الأرض من تحت أقدام المحتل ، بنيران قافيته وجمر أوزانه .. يكفي أن "أريل شارون" سيء الصيت صفق لقصيدة "القاسم" ذات إيقاع صرخة "سنقاوم يا عدو الشمس"..وقد سبق للسفاح "شارون" أن ضبط متلبساً وهو يقرأ ديوان الراحل "محمود درويش" لماذا تركت الحصان وحيداً؟ .. وأبرز ما يشاع عن شارون أنه كان يحسد الفلسطينيين ، لأن أرضهم أنجبت شاعرين عظيمين من وزن (درويش والقاسم) .. لكنهما رحلا .. درويش قبل ست سنوات مشرداً بلا خطيئة ، والقاسم في أرضه المحتلة بعد أن كابد مراراً المرض العضال الذي ألم به.
* لن أغوص في بحر "سميح القاسم" أدبياً وشعرياً وصحافياً فللمجال إختصاصيون يعرفون فنون قوافيه ، وهمس سواقيه .. ما يهمني عن "القاسم" وجهه الرياضي المشرق والمضيء البعيد كل البعد عن الأضواء المقروءة والمكتوبة والمسموعة.
* شاهد "سميح القاسم" جانباً من مباريات كأس العالم في البرازيل من على فراش إحتضاره .. والمقربون منه أكدوا أن الشاعر رقيق المشاعر .. تبرم من البرازيليين بعد فاجعة "السبعة" الألمانية .. ولا عجب في ذلك ، فالقاسم يتذوق الفن ، ويرى أن "البرازيل" موطن الفنون والعروض الكروية الكرنفالية.
* لم تكن هناك أيام سارة في آخر مراحل حياته لكن "القاسم" نهض للمرة الأولى من فراش الموت بفضل "صرخة" فلسطينية وصل صداها ، من أقصى الشرق إلى الموطن السليب .. ففوز المنتخب الفلسطيني ببطولة كأس التحدي ، لمنتخبات الظل أشعل في قلبه ، فتيل فرحة كان يأمل أن تدوم إلى أن يرى منتخب بلاده ، يلعب في نهائيات كأس أمم آسيا المقامة حالياً في أستراليا لكن القدر لم يمهله ، ففاضت روحه قبل أن يردد نشيد وطنه المحتل في أهم محفل قاري.
* عندما زار فريق نادي "برشلونه" الإسباني الأرض المحتلة ، لم يكن في وضع مناسب للإلتقاء بلاعبيه ، فعلى الرغم من أن سميح القاسم (ريالي) إلا أنه كان يرى "البارشا" فريقاً من مجموعة "عفاريت" ، فقد كان شاعرنا سميح القاسم ، يمتعض من تمجيد الصحافة للاعبي كرة القدم (عمال على بطال) ، وهو من قال :"الأديب يعيش ثلث حياته ليرى صورته ، تنشر في الصحف مرة واحدة" .. بينما صاحب القدم يكاد يشاطرنا رغيفنا في صحافتنا.
* وأبرز رد فعل رياضي للشاعر الذي وحد المشاعر ولم يوحد الفصائل الفلسطينية المتناحرة أنه تعاطف مع "زين الدين زيدان" في نهائي ألمانيا ، قبل ثماني سنوات.. وهو من هاجم الإيطالي "ماركو ماتيراتزي" ونعته بالصعلوك .. بعد أن تلقى نطحة في صدره من رأس "زيدان" أدت إلى طرده ، في المشهد الأخير من حياته الكروية على خلفية كلمات بذيئة عنصرية ، تلفظ بها الإيطالي فاستفزت الديك الفرنسي..وقد قال معلقاً عن الحادثة :"زيدان أهدانا سلاحاً جديداً ، في حربنا مع العدو الصهيوني فلننطح "الصهاينة" برؤوسنا إذا ماتت الحجارة.
* رحم الله الشاعر "سميح القاسم" ، الذي لحق برفيق دربه "محمود درويش" وهو الشاعر الذي لف المعتقلات كاتباً قصائده الحارقة على جدران "الزنازين" .. سانا لسانه الفصيح ليصيح في ليل الدجى بحثاً عن بقعة ضوء .. لم يغادر وطنه رغم كل المحن ، وبقي كشجرة وارفة تمتد جذورها في كل شبر من فلسطين السليبة .. تاركاً خلفه دواوين بمثابة دستور للمقاومة ، وميثاق شرف للثائرين الرافضين لنظام غاب "سايكس بيكو" .. التعازي موصولة لكل رياضي ، في رحيل هذا الرجل الذي كان محباً فوق العادة لكرة القدم .. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى