على هامش محادثات السويد

> حسين باراس

>
حسين باراس
حسين باراس
 
تفاجأ الكثيرون من اتفاق السويد، وكل فسّر هذا الاتفاق من وجهة نظر الجهة التي ينتمي إليها، واعتبرها نصرا ساحقا يستحق الاحتفال به.
ما حصل في السويد هو نتيجة لحرب استمرت 4 سنوات، لم تحقق من أهدافها الشيء الكثير، فبعد 4 سنوات ما زال الحوثي مسيطرا على العاصمة (صنعاء)، ومازالت الحديدة بيده، ومازال 80 % من عدد السكان تحت حكم الحوثي.

الحرب التي طالت لسنوات ولم تحقق الهدف الأساسي لها وهو القضاء على جماعة الحوثي وعودة الشرعية للعاصمة، فبعد 4 سنوات اضمحلت هذه الأهداف على ما يبدو ولم يعد أحد يتذكرها.
ولكي نعرف لصالح من كان هذا الاتفاق، يجب أن نعود إلى ما قبل بدء الحرب بسنة، ونلقي نظرة على الوضع اليمني.

الحوثيون يسيطرون على محافظة صعدة بعد ستة حروب خاضوها مع نظام علي صالح، الشرعية تحكم 95 % من البلاد وتسيطر عليها.. انقضت جماعة الحوثيين على السلطة وسجنت الرئيس ورئيس حكومته، إلى أن استطاع الرئيس هادي الافلات منهم والهروب إلى عُمان ومن ثم السعودية، ليتدخل بعدها الأشقاء، وتبدأ «عاصفة الحزم»، وحينها كانت جماعة الحوثي والمؤتمر مسيطرَين على اليمن إلى حدا ما.. فكانت الجماعة الحوثية تسيطر اسميا على صنعاء، إلا أن الجميع يعرف تماما أن من يسيطر فعليا على العاصمة هم الحرس الجمهوري، ومع حلقات الصراع استطاع الحوثي أن يحتوي الدولة ويؤدلج الحرس الجمهوري، وأصبح لديه كل أدوات السلطة، وأصبح هو الحاكم الفعلي، حتى استطاع في 2017 الإطاحة بعفاش ومن ثم قتله.



بهذا أصبح الحوثي هو الوارث الحقيقي للدولة، بعد أن أصبح الحرس الجمهوري ومؤسسات الدولة كاملة تحت إدارته، وهكذا تحولت الجماعة والتي يصفها البعض بأنها جماعة اتت من الكهوف تتحكم في كل مفاصل الدولة ولديها مؤسساتها التي تدير كافة الأمور بما فيها دفع رواتب الموظفين في الجغرافيا التي تقع تحت سيطرتها.
بعد أربع سنوات وجدت الشرعية نفسها تتفاوض مع نظام آخر سماه المبعوث الأممي إلى اليمن «مارتن جريفيثس» وفد صنعاء، مرت هذه العبارة على الكثير مرور الكرام، غير أنها في حقيقة الأمر لها بعد آخر يعطي المعنى الحقيقي للتسوية في اليمن، وتحول الصراع من وجهة نظر المجتمع الدولي إلى صراع قوى معترف بها.. وليصبح ذلك الكيان معترف به، وبالتالي يجب عمل تسوية يكون فيها وفد «صنعاء» شريكا مستقبلي في السلطة.

يتحدث البعض عن مؤامرة وموقف دولي من أمريكا والغرب، حيث تسبب في منع الشرعية من السيطرة على صنعاء والقضاء على الحوثيين، وهذا مع الأسف تحليل جانبه الصواب وبعيد عن نظرية المؤامرة، ومن وجهة نظري المتواضعة أرى لو أن هناك موقفا غربيا إلى جانب الحوثيين فلن تكون هناك عاصفة حزم، ولن يكون هناك حرب، يجب أن نرقى الى مستوى الواقع، فلا أحد يستطيع معارضة النظام العالمي، وهذا واقع يعرفه الجميع، وأي دولة من الدول الكبرى تستطيع إيقاف الحرب متى ما شاءت وبسهولة، فلو زود طرف ما بصواريخ نوعية مضادة للطيران، فسوف تتغير المعادلة والكل يعلم ذلك.

العالم أعطى الشرعية 4 سنوات للقضاء على جماعة الحوثي، 4 سنوات توقفت القوات في فرضة نهم وفي الساحل الغربي، وإلى الآن لم تتحدث الشرعية عن السبب وراء هذا التوقف، من الواضح والمعروف أن الحوثيين قاوموا ببسالة، لكن هناك روايات كثيرة حجبت عن فهم المتابع ولم تنقل وتفسر بشكل منطقي ماهية أسباب فشل تقدم السلحفاة المشلول.
العالم الحر وبعد كل هذه السنوات، وبعد أن أصبحت المجاعة تهدد الشعب اليمني، فهو بكل تأكيد لن يسمح بذلك، كما ان المجتمع الدولي يخشى من توقف إمدادات الطعام في حال حدوث اشتباكات في الميناء الوحيد الذي يغذي أكثر من 18 مليون انسان، حيث إن وقوع الاشتباكات في هذا المرفق الحيوي سيؤدي إلى كارثة دولية، حيث من المتوقع أن تصل عدد الوفيات الى المليون نسمة.

هناك سبب آخر من الأهمية بمكان، وهو يشكل ورقة ضغط  يثقل كاهل المجتمع الدولي ويتجلى في ظهور أصوات في الغرب بدأت ولازالت تتحدث عن مجاعة يعاني منها الشعب اليمني، وهذه الأصوات بدأت تسمع وبقوة، وبالتالي فإن الأنظمة الديمقراطية غير مستعدة للاستغناء أو خسارة ناخبيها من أجل سواد عيون أناس فشلوا لسنوات ولذلك فرضت التسوية.
يتساءل البعض عن الرابح في هذه التسوية، وباعتقادي أن الحوثيين هم أكبر الرابحين، لأنهم أصبحوا شريكا معترفا به دوليا، كذلك فإن الاتفاق ينص على  سيطرة القوات الوطنية أو القوات النظامية، نحن نعلم أن القوات النظامية في معظمها تم أدلجتها وفي معظمها تتكون من أبناء الشمال، ومع الأسف فإن الإخوة في الشمال إن هم خيروا بين عبدربه منصور والحوثيين سيختارون الحوثيين، وهذا أمر يراهن عليه وفد صنعاء عند بدأ حوارات السويد.

وفي الختام، فإن الشعب اليمني قد أُنهك من ويلات الحرب، ويريد السلام بعد أن مزقته ودمرته هذه الحرب، ولكن الأطراف السياسية على ما يبدو لا تشعر بذلك الألم، سيفرح البسطاء بالسلام، وستفرح الأطراف السياسية بالمكاسب.
سيظل اليمن برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، طالما لازالت جميع الأطراف السياسية تركز على التسويات السياسية والصفقات وتتجاهل عمق المشكلة اليمنية، وترفض الخوض في تراث المراكز المقدسة والمشكلات الاقتصادية التي دون تسويتها لن نصل إلى السلام المستدام في اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى