دروس حادثة منصة العند (الجنوبية)

> علي صالح الخلاقي

>
بين 13 يناير 1986م و13 يناير 2019م، جرت مياه كثيرة، وأحداث مريرة، كان ضحاياها دائماً الجنوبيين.. الأولى مزّقت النسيج الاجتماعي الجنوبي وجعلت من الأخوة ورفاق النضال أعداء وفرقتهم شذر مذر، وخلخلت بنتائجها الكارثية كيان الدولة الوطنية القوية، وقادتنا تداعياتها المأساوية إلى وحدة ضيزى في تهور عجيب واندفاع عاطفي غريب لم نحسب حسابه إلا بعد أن وقع الفأس بالرأس. وللأسف أن قوى النفوذ الزيدية استثمرت مأساة يناير في تأليب الجنوبيين على بعضهم، ومكنها التمزق والتشرذم الجنوبي من كسب النصر في حرب اجتياحها واحتلالها للجنوب صيف 1994م، التي قضت على الوحدة وحولتها إلى احتلال ببسط كامل سيطرتها العسكرية والأمنية على الجنوب. ومثلما ألقت شركاء صنع الوحدة، همَّشت وألقت شركاء صنع نصرها الموهوم وتعاملت مع الجنوبيين كأتباع أو مواطنين من الدرجة الثالثة!!

وتعلمنا الأحداث المتتابعة بين يناير الأول والأخير وما بينهما أنَّ خلافات الجنوبيين فيما بينهم قد جعلتهم، دون غيرهم، يدفعون الثمن باهظاً.. وجاءت حادثة منصة العند الأخيرة وكان ضحاياها فقط جنوبيين، قادة عسكريين من العيار الثقيل وضباط وأفراد بين قتيل وجريح، ولولا لطف الله لحصدت الطائرة المفخخة كل القيادات العسكرية الجنوبية التي حضرت حفل تدشين العام التدريبي.
 ولعل رحيل الشهيد طماح في يوم التصالح والتسامح الجنوبي 13 يناير 2019م متأثرا بجراحه البليغة، يعد رسالة ذات مغزى لكل الجنوبيين، وفي المقدمة منهم جنوبيو الشرعية، بمن فيهم فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، بأنهم مستهدفون جميعاً من قوى النفوذ الزيدية. ولم ولن ننسى مسلسل التصفيات للقيادات العسكرية والأمنية الجنوبية منذ بداية وحدة الغدر والخيانة والتي حصدت خلال عامين- مما سميت بالمرحلة الانتقالية أو (الانقامية)- أرواح أكثر من 150 من القيادات الجنوبية، لاستنزاف الكفاءات القيادية وبقاء الساحة لرموز قوى النفوذ، وتأتي حادثة منصة العند في هذا السياق، فلا فرق بين جنوبي في الشرعية أو خارجها، فالجنوب وكل جنوبي مستهدف.

ولا يستبعد أن تكون هذه الحادثة المأساوية مدبرة من تلك القوى ذاتها، وبعناصر تلتحف مِعْطف الشرعية، كما كشفت التحقيقات الأولية، ولا غرابة في ذلك، فقوى النفوذ الزيدية وإن اختلفت فيما بينها إلا أنها مجمعة في العداء للجنوب ولكل ما هو جنوبي، وهذه حقيقة واضحة وجلية، ولا تنطلي على أحد.. وعلى الجنوبيين، الذين ما زالوا يؤملون أن يأتيهم خير من باب اليمن، أن يعوا أنه لا مكانة أو قبول لهم في صنعاء تحت أي مسمى، أي كان، إلا كتابع ذليل، وتجربة الوحدة الضِّيزى والمُرَّة معهم بنتائجها المأساوية على الجنوبيين خير دليل، وكذلك تعاملهم الفج مع الرئيس هادي ومع رئيس الحكومة بحاح، حيث لم يجدوا من يقف معهم أو ينصرهم إلا حين وصلوا إلى حاضنتهم وبين أهلهم في الجنوب.

 ولذلك نقول إنه لا حل أمامهم سوى الثبات جنوبا حيث جذورهم وأرضهم وشعبهم الذي ضحى ومازال من أجل حريته واستقلاله، وترك الشمال لأهله يقررون مصيره، ولا مانع من مساعدتهم في ظل شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وبدعم الأشقاء في التحالف العربي، إذا ما تحركوا في سبيل الخلاص من سطوة المليشيات السلالية الحوثية التي تشكل خطراً على الجميع، ثم العيش في دولتين متجاورتين كما كان الحال حتى عام 90م. ودون ذلك فإن كل جنوبي يحلم بالعودة إلى صنعاء (عاصمة الوحوش) فإنما يسعى إلى حتفه.

 وكما تؤكد مجدداً دماء شهداء وجرحى منصة العند الجنوبيين، التي لن تذهب هدراً، فقد كشفت تلك الحادثة أن الجنوبَ جنوبٌ والشمالَ شمالٌ، ولن يلتقيان إلا على قاعدة دولتين جارتين تربطهما علاقة حسن الجوار وتتعايشان بأمن وسلام.. ودون ذلك مزيد من ترحيل الحروب والكوارث وزعزعة أمن واستقرار المنطقة. وعلى من يريدون أن يعيدوننا إلى باب اليمن مجدداً- تحت أي مسمى- أن يتمثلوا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ». ويكفي أن شعبنا، الذي ساقته قيادته من (الوحدويين) إلى وحدة متسرعة عام 90م، مازال يدفع ثمنها المرير إلى اليوم بعد أن تعرض إلى حرب احتلال مرتين.

 فلا تقودونا أيها (الاتحاديون) إلى أحضان من لا عهد لهم حتى لا تصنعوا لشعبنا مأساة جديدة، قد يطول الفكاك منها مع قوى أدمنت الخيانة والنكث بكل العهود، واحترموا إرادة شعبنا ولا تقرروا مصيره نيابة عنه.
إن على الجنوبيين كافة قراءة الدرس جيداً، والقبول ببعضهم- أحياء- في وطن يتسع للجميع وبتصالح وتسامح حقيقي، وذلك أقل وفاء لدماء الشهداء.. فهل نتعظ ونعي الدرس؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى