عدن.. بين الازدحام والانتقام!

> د. عبده يحيى الدباني

> ما هذا الذي يحدث في عدن؟! أصبح وضعها لا يطاق وحالها يرق له العدو قبل الصديق؛ لكأنما خصوم عدن فاجرون في خصومتهم وأصدقاؤها وأبناؤها مشاركون في صناعة أسوأ أوضاعها. لم نعد نخرج من منازلنا إلا إلى أعمالنا ومساجدنا، فقد تركنا التجوال في شوارعها وزيارة شواطئها، كل هذا من سوء ما نرى من أوضاع ومشاهد محزنة ومقرفة.
وقبل أيام كنت في زيارة صديق عزيز في الشيخ عثمان فهالني ما رأيت. شوارع كاملة رئيسة وخلفية مغلقة تماما من مرور السيارات قد افترشها البائعون للملابس وغيرها وأخرى لبيع القات والسمك، هذه الشوارع ليست أسواقا فهي للمارة من الناس وللسيارات ولكنها أصبحت محلات تجارية، فهل رأيتم عبثا أكثر من هذا؟! أنا أرجح أن السلطات المحلية المختصة راضية عن هذا العبث، فهي بالتأكيد قد أجّرت هذه الشوارع لمن يحتلها في ظل حالة السلب والنهب الطاغية في عدن؛ ولعل أصحاب المحلات الذين على جانبي كل شارع قد رضوا بالوضع وقد أخذ كل منهم نصيبه من الشارع المسطو عليه. كل ذلك ضاعف الزحمة في الشيخ عثمان وفي غيرها.

لقد وصل الازدحام إلى الخطوط العامة الطويلة، فصارت الطرق كأنها مواكب متلاحقة من السيارات بمختلف أنواعها وأحجامها يسوقها أناس مختلفة أعمارهم وألوانهم وكثير منها من غير أرقام مع سوء أخلاق وانعدام ذوق وغياب النظام والمحاسبة، وفي ظل خراب الطرق وعدم صلاحيتها وانتشار المطبات فيها.
أما سياكل النار والموت والفوضى، فحدث ولا حرج، فهي كالأغنام منتشرة حيث ذهبت وحيث يممت.. مشهد الحديدة الذي رأيته قبل سنوات هنالك تحول اليوم إلى عدن بصورة أكثر تخلفا وفوضوية.

مسكينة هذه المدينة، فالكل يتزاحم فيها دوليا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا ومروريا وسكنيا ووظيفيا وخدماتيا وغيره، ومع أنها مدينة (حمالة الأسية) حتى في تاريخها إلا أن الضغط عليها في الوقت الراهن قد بلغ حدا لا يطاق.
وقد تجد أمامك عمارات شاهقة ولكنها في غير مكانها الصحيح، فتبدو نشازا مع ما حولها، وتقرأ أسماء محلات ووكالات كبيرة وكثيرة وإعلانات ودعايات هنا وهناك ولكن المشهد الخارجي العام للشوارع والأسواق يثير القرف والإحباط. جيوش من الشحاذين يجوبون الشوارع وباعة مستأجرون يعرضون ما لديهم بكل توسل وحزن وإلحاح؛ وصور الشهداء معلقة في كل مكان تنظر من فوق إلى المأساة التي وصلت إليها مدينتهم التي دفعوا حياتهم من أجل عزتها وانعتاقها.. والصور الكبيرة للرئيس عبدربه منصور هادي تنتصب فوق كل هذا الجنون والعبث. أما المواكب المسلحة فلا يخلو منها مكان في عدن ولا تدري لمن تتبع، وهي لا تراعي أبسط قواعد المرور، فتمر بسرعة جنونية حيث تشاء ولا تتوقف حين يتطلب الأمر ذلك وتدخل حيث تشاء وجنودها يصوبون أسلحتهم في كل الاتجاهات ويعاكسونك في خط السير ويصرخون فيك.

هذا هو المشهد الراهن في عدن فضلا عن أنهار المجاري وجبال النفايات والزبالات التي تتوشح بها المدينة المغلوبة على أمرها، وفضلا عن السطو على الأماكن العامة وعلى حرمة الطرق والشوارع والتضييق والاقتحام الكامل والبناء العشوائي؛ كل ذلك يجعل عدن مدينة مخنوقة تستغيث فلا من مجيب، فالمستغاث بهم بين مشارك في المأساة وصامت عليها.
هذا هو المشهد الخارجي لعدن وما خفي كان أعظم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى