مستقبل اليمن.. الدستور الاتحادي افتقر للمساواة وسن القوانين السياسية والاجتماعية

> د. باسم المذحجي

>
مناقشة إستراتيجية
تم مناقشة العدالة في توزيع السلطة والثروة في مخرجات الحوار الوطني الشامل، لكن المساواة بشكل منصف لم يتم مناقشتها في جلسات الحوار الوطني الشامل، وسأقدم الأدلة على ذلك، فالعدل تم تصويبه ما بين الكتلة القبلية في الشمال، والجنوب العربي بحيث تم الاتفاق على وضع حد لكل الممارسات الإقصائية، واللامسئولة، لكن المساواة هي من تحدد علاقة أبناء تهامة، ومأرب، وتعز بالدولة اليمنية، نظرًا إلى أنهم أبرز المتضررين من هكذا انتهاكات، وإقصاءات تسبب بها الشمال القبلي، والقيادات المنتمية إلى الجنوب العربي معًا.

المساواة تتحقق عبر سن القوانين السياسية، والاجتماعية، والجنائية. الأساس القانوني للمساواة في إعلانات الحقوق، والمواثيق، والاتفاقات، وهذا ما افتقرت إليه مسودة الدستور الاتحادي الجديد، والذي يعد خلاصة وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، ومعها أصبحت صناعة القرار السياسي مقصورة على أبناء الجنوب، والشمال القبلي، وإن جعل من الوظيفة السياسية شماعة لاسترضاء أبناء تهامة، ومأرب، وتعز.

مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي استمر من 18 مارس 2013، واختتم أعماله في 25 يناير 2014، عبارة عن 565 عضوًا 50 % منهم من مواطني المحافظات الجنوبية، و30 % من الجانب النسائي، و20 % من الشباب، جرى اختيارهم وترشيحهم ببروغاندا سياسية من جميع الأطراف السياسية، والفاعلة، ومنظمات المجتمع المدني، وهذا محل انتقاد قانوني كونه يفتقد للمساواة؛ بسبب أن من صاغوه نخب حزبية، وجهوية، ومراكز قوى، ونوضح الخلل على النحو التالي:

أولًا: ما تم تمثيله في الحوار الوطني، ومن يدعي تمثيل الشعب تنشئة داخلية، تطورت مع السنيين، وهذه تكمل بعضها البعض لكنها لا تمثل الاتزان والاستقرار الفعلي داخل اليمن، نظرًا إلى أنها كانت سبب الأزمات، والكوارث، والحروب الحاصلة في اليمن.

ثانيًا: تدليل أبناء صعدة على حساب أبناء تهامة، وتعز، ومأرب ليتم منحهم تبويبًا تحت مسمى «قضية صعدة»، وهم في الأساس ضمن الكتلة القبلية الشمالية، والتي هي سبب الخصومة مع الجنوب العربي، ليتضح بأن الكتلة القبلية الشمالية تستحوذ القرار، والمشاركة بصورة ظاهرية عبر المكونات الحزبية، وأخرى خفية تحت مظلة جماعة الحوثي، ومن باب قضية صعدة، لتتجاوز المساواة مع أبناء تعز، وتهامة، ومأرب.

ثالثًا: تدليل أبناء الجنوب العربي، ليتم منحهم تبويبًا تحت مسمى «القضية الجنوبية»، ومعها يحصلون على نسبة 50 %، وهذا ليس ملزمًا على أبناء تهامة، وتعز، ومأرب؛ كون صفحتهم الجنائية ناصعة البياض بخلاف الكتلة القبلية الشمالية التي مارست الاستبداد القبلي.

رابعًا: الثابت بأن الواقع يتطلب كشف القضايا الرئيسة، ومناقشتها، وهي تعمد جنائي، وسياسي مقصود على محاربة ريف الحجرية وسواحلها في محافظة تعز بجعلها منافذ للتهريب «قضية ريف وسواحل الحجرية»، ومحاربة تهامة بجعلها ساحة للفقراء، والإفقار المتعمد «القضية التهامية»، فضلًا عن وسم مأرب بالإرهاب «قضية مأرب»، والعمليات الإرهابية، وهذه تدار من الكتلة الشمالية، والجنوب العربي على خط واحد، فهما يديران المعارك الحربية، وكذلك إستراتيجية الحوار، وكانت الخلاصة الحوارية، والمشروع الاتحادي أفضى إلى تقاسمهم السلطة، والمناصب السياسية بالمناصفة على مستوى القيادات، ومراكز القوى ليكون لدينا إصلاح مردود، وخراب منشود وصلنا إليه يومنا هذا في 2019.

مبدأ المساواة بصفة عامة في اليمن
قالب جامد توقف عند عدم القدرة على الاستفتاء على الدستور، والأصل أن يتم إدارة التغيير في اليمن، بكل ذكاء، والتي عبارة عن آليات الربط بين مكونات الحل الشامل المفضي للتغيير، وخصومات المناطق في اليمن، لإيجاد مركز جديد للمعالجة في إطار حل شامل للتغيير، وإعادة هيكلة الدولة، وبلورة رؤية نهائية. لكن طالما الفكرة تقاسم المناصب مناصفة ما بين الشمال والجنوب، عبر توسيع امتداد المكونات الحزبية في الجنوب، هو ما يفقد القدرة على تنظيم آليات الانسجام، والتعايش، ومنع الحروب، والاحتكاك في المستقبل.

بمناقشة وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، والتي تعد أرقى نموذج حل سياسي في اليمن؛ فسنكتشف العلل التالية:
1. أيديولوجيا الحياة السياسية: تسيس القبلية، واستغلالها لتحقق مطالب التنوع القبلي والحزبي في الكتلة الشمالية، وقبلت بالشراكة مع الجنوب العربي لتظل مشكلة أبناء تعز، وتهامة، ومأرب معلقة بشكل معلن، وغير معلن، وما يسمى بثقافة التمييز الذكي.

2. الوعي الذاتي والهوية: فشل سلطة الشمال مع فشل إدارة الجنوب قاد اليمن لهذا الوضع، والذي لا دخل لتهامة، وتعز، ومأرب بهكذا وضع، بل من الملاحظ أن السلطة ما بين الرئيس، ونائب الرئيس تدار بالتناوب منذ تحقيق الوحدة اليمنية حتى يومنا هذا.

3. الثروة: تمر بمرحلة تنازع البقاء، فاستمرار السجال العسكري والسياسي بين السلطة الشرعية، والانقلاب يقود لكارثة على الغالبية العظمى من المجتمع المدني وهي تهامة، ومأرب، تعز. فهناك قطاعات نفطية في تعز والحديدة وحجة، في البر والبحر تم التكتم عليها منذ عقود.

4. المواطنة: هناك مجتمع قبلي شمالي، يتقاسم السلطة مع الجنوب العربي، لكن أبناء تهامة، ومأرب، وتعز خارج هذه اللعبة، ولذلك من لا يرغب في اللامركزية يطيل خطواتها. فعندما تناصف الشمال مع الجنوب المناصب الرئيسية لم يعد هناك اكتراث باللامركزية، بل اكتفى الجميع بوأد مسودة الدستور الاتحادي، وتعطيلها منذ 2014، وهذه جريمة سياسية لا تغتفر، ومحل التقاضي الإستراتيجي إلى يومنا هذا.

المساواة القانونية لا تعني المساواة الفعلية
مراعاة حياة أفراد المجتمع بناء على مواقعهم، فالأغنياء سيعيشون عند أي شكل من أشكال الدولة، لكن ماذا عن الفقراء، ومحدودي الدخل؟ وهذه تأخذ بعين الاعتبار المحددات التالية:
1. مورفولوجيا السكان: بعضها تعاني نزاعات، وتنافس على امتلاك الأسلحة، خصوصًا المتاخمة الحدودية، إما بسبب نزاع قبلي، وإما نزاع ديني في ما يسمى عصر التكتلات في اليمن، لكنها أي تهامة مدنية، وهذا ما يحصل في محافظة الحديدة، وميدي حجة.

2. مورفولوجيا المدن: تقبل الاختلاط والتمازج، وتقبل كل الفئات، وتمتلك ثروة كمأرب.

3. التسويق السياسي: مبدأ المساواة في الدستور اليمني، ليس تقسيم الحكم، بل منح المساواة لتأخذ مجراها، فعلى سبيل المثال ريف الحجرية والمجاور لمديرية ذوباب يعد بموجب دراسات مدينة الجسر البري، ما بين اليمن، وجيبوتي هو مركز الموانئ الدولي، والخدمات اللوجيستية العالمية للاعتبارات التالية:

1. موانئ للحاويات، وليست ميناء واحد، ويفوق غاطس البحر في القدرة الاستيعابية عن كل موانئ العالم، وعلى رأسها الحديدة، وعدن، ودبي. وبالتالي وصول سفن الشحن العملاقة إلى رصيف ما أسميناه بمركز الموانئ الدولي سيوفر 40-70 % من كلفة الشحن، نظرًا إلى أنها ستفرغ حمولتها لتتولى سفن أقل حجمًا التوصيل، في اتجاهات متعددة نحو جيبوتي، أو الهند، أو دبي… إلخ، وليس أن تكمل المسار نحو دبي.

2. خفض كلفة التخزين بنسبة 50 %، نظرًا إلى أن مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجيستية يمتاز بريف بارد، وهذا لا يحتاج إلى تبريد وتكييف وكهرباء.

3. يجاور مركز الموانئ الدولي والخدمات اللوجيستية مياه الشرب العذبة والزلال تنتشر في لحج وتعز، وهذا يرفع نسبة النمو السكاني الإستراتيجي.

4. يجاور بيئة مدنية ومتعلمة، وعمالة ماهرة تنتشر في مدن الحجرية.

أحدث التوصيات
إذا كانت وحدة الهدف تعني تقاسم السلطة، والعدالة ما بين الشمال، والجنوب؛ فلابد لمأرب، والحجرية، وتهامة أن تأخذ نصيبها من المساواة.
إذا كان التعبير عن التنوع هو هدف الدولة المستقبلية؛ فلابد من حفظ التنوع لأبناء الحجرية، ومأرب، وتهامة وليس اختزاله في التفاهمات ما بين الشمال القبلي، والجنوب العربي. سواء كانت تفاهمات مع السعودية، وقطر، أو إيران، أو الإمارات.

لابد وتغول خيار ربط الأطراف، كالحديدة، وميدي، ومأرب، والحجرية لتعد تموذجًا إستراتيجيًّا في مستقبل اليمن، بما في ذلك إزالة الغبن، وتحقيق التنوع، ووحدة المجتمع، والتي عمودها الفقري المساواة بعقد اجتماعي يجمع الحرية، وكرامة الإنسان، وتحديد الواجبات. ويتم وضع حد لثقافة التمييز التي تحتكر السلطة في كيان أبناء الجنوب العربي، وأبناء الشمال القبلي.
عن «ساسة بوست»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى