تقدير وحل الأزمة الإستراتيجية في اليمن حلاً شاملا

> د. باسم المذحجي

> الشمال القبلي يجب أن يعامل الجنوب العربي كدولة ذات سيادة


لا يعد هذا العمل إستراتيجية لإدارة الأزمات في اليمن بقدر ما يقدم إستراتيجية تقديم الحقائق، والحجج والبراهين، والحلول المنطقية، والمعقولة، والواقعية، والتي بموجبها يمتلك المواطن اليمني في الشمال القبلي، أو الجنوب العربي، أو تهامة، أو مأرب، أو تعز، أو الحجرية الحق في فحصها والتأكد من سلامة معطياتها، في الحقيقة لابد وندرك نحن اليمنيين بجل مشاكلنا السابقة، وندرك إدراكاً تاماً لما تتصل به مشاكلنا الراهنة؛ ولذلك لابد ونصحح عملية التفكير الناقد والصادق لنستطيع حل مشاكلنا في اليمن، ومن هذا المنطلق سأبدأ في رسم معالم حل جذري للمشكلة اليمنية.

أولًا: ما نوع الأزمة في اليمن؟
هل هي أزمة داخلية تهدد مصلحة الأمن، والحالة القومية للبلد؛ أي وجود حالة طارئة تهدد الدولة، وتجعلها في خطر؟
هل هي أزمة اجتماعية؛ خلل وعدم توازن النظام الاجتماعي وعدم القدرة على تغيير الثقافة السائدة؟
هل هي أزمة إدارية؛ الحيرة، وعدم القدرة على إدارة الأزمة قبل الدولة؟

هل هي أزمة اقتصادية؛ أزمة مالية، وبطالة، وانعدام فرص العمل، وقلة الدخل؟
هل هي أزمة سياسية؛ ارتباط بالصراع الدولي والنزاع بين الحكومات أو تهديد المصالح الدولية والأمن الدولي لليمن؟
باختصار؛ ما أهم سبب مما سبق؟ وأيها ذات الأولوية العليا، والرؤية الإستراتيجية؟ وأيها سبب في الأخريات.. إلخ؟

ثانياً: تقدير الأزمة اليمنية
من مفردات أي أزمة في العالم نقطة التحول، أو النقطة الحرجة، والحاسمة، والمصيرية، ومواقف تهدد صناعة القرار، لكن الأزمة اليمنية قد تجاوزت كل ما سبق لنجد أنفسنا في مربع خلل يؤثر ويشمل كل النظام وصراع بين إرادات متخذي القرار وإرادات صانعي الأزمة، وتنامي المفاجآت والإرباك في صناعة القرار المصحوب بقلة الإمكانيات.
في الحقيقة؛ ما حدث في اليمن كان بسبب الآتي:

1 - الظلم الاجتماعي، الانفجار السكاني، التخلف والجهل، والتوترات المناطقية، والعنصرية والطائفية.
2 - الفقر والبطالة، وغلاء المعيشة، وانخفاض مستوى دخل الفرد، وعدم توزيع الثروة بشكل عادل.
3 - الصراع السياسي على السلطة، والفشل في التداول السلمي للسلطة، والصراع بين مراكز القوى، والنفوذ، الصراعات المسلحة، والتوترات الحدودية، التغيرات الإقليمية والدولية.
4 - سوء الإدارة، وسوء الفهم، وسوء التقدير والتقييم، وعدم استيعاب المعلومات المتوفرة، وتعارض المصالح والأهداف والرغبة في السيطرة على متخذي القرار، والشائعات وانتشارها.

ثالثاً: حل الأزمة اليمنية
يتم تقديم قاعدة بناء عريضة، وأساس إستراتيجي نبدأ منه حلحلة مشاكل اليمنيين.
1 - الكتلة القبلية في الشمال؛ صلب المشكلة تمكن في صعدة، والتي تجاور المملكة العربية السعودية، وأكبر خطأ إستراتيجي أن تعادي دولة جارة، علماً بأن الريال السعودي في فترة من الفترات كان العملة الفعلية في صعدة، بالإضافة إلى أن كل الصادرات اليمنية الزراعية وأجودها عبر منفذ علب الحدودي بصعدة، ومن هذا المنطلق فجماعة الحوثي مطالبة بمراجعة سياستها المرتهنة لإيران، وبحث خيارات بديلة لبناء علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية، وتكفل عودة صعدة إلى مربعها السابق في منفذ تجاري وإستراتيجي مع المملكة العربية السعودية، ونجاح جماعة الحوثي في هكذا سياسة سيجلب الأمن والاستقرار والرخاء لكل شبر في مناطق قبائل الشمال وعلى رأسها صعدة.
2 - الجنوب العربي؛ لابد ويقتنع الشمال ويسلم بأمر واقعي بأن الجنوب العربي كان دولة ذات سيادة وله ثقافته وهويته، ومن هذا المنطلق يعيد أبناء الشمال إعادة بناء تعاملاتهم من هذا المنطلق، وليس من منطلق أنهم أوصياء على الجنوب، ولابد يتم إخضاعه بالسياسة أو بالقوة الغاشمة.
3 - التفكيك الجيوبوليتكي الإستراتيجي في اليمن، والمحدد بالجنوب العربي، كتلة موحدة مبتعدة عن الشمال، وفي المقابل التفكيك الجيوبوليتكي لكل من: تهامة، وتعز، والحجرية، ومأرب عن الشمال القبلي، ومن هذا المنطلق سأقدم مغزى إستراتيجياً سيلغي كل أسباب الأزمة اليمنية، وسيجعلها عدم ما يوجب الاستجابة له والمباشرة بتنفيذه خصوصًا إذا نجحت جماعة الحوثي في رسم سياسة جديدة مع العربية السعودية، ونجح الشمال في فهم الجنوب بأنه دولة وليس ملحقاً بالشمال.

رابعاً: هكذا تنهض اليمن
لقد مثل تداخل الصراع ما بين السعودية، وقطر، والإمارات، وإيران كارثة حلت باليمن، ولم ينقصها إلا فشل مراكز القوى والدولة العميقة في إدارة اليمن، منذ ثلاثة عقود؛ بل عمالتها وارتهانها لمفاعيل تداخلات الصراعات المسرودة. اكتمل هكذا صراع باستهداف التنمية والإنسان؛ ليكون حديث الأمس واليوم أن مشاريعها تقوم على إنهاك الأرض والبشر، وإدخالها في دوامة صراع وأزمات لا تنتهي، لتصبح لدينا دولة فاشلة، أو لا دولة بتعبير أكثر دقة.

تغيير نظام الحكم في الجمهورية اليمنية، يُعنى به علم وعمل، يقابله نظام وقانون، وذلك وحدهُ ما يقود إلى بناء اليمن، وهكذا بناء يجب أن توضع له إستراتيجية، لنبدأ بخطوة جوهرية تعد امتدادًا لدراسات وأبحاث منذ عقود، وهي جسر مدينة النور بباب المندب، ولا نجد بدًا من وصف هذه الخطوة عبر استحضار نموذج أُعد في خارج اليمن، وقد نجح بالفعل هذا النموذج الذي أنشأته شركة «FCC Construction».

الفكرة أن فرص الاستثمار مع الفقراء يمكن أن تعود على أصحابها بأرباح كبيرة، وفي الوقت نفسه؛ فإنها تساعد الفقراء على تحسين مستوى معيشتهم، بل ما تحتاجه اليمن هي الإدارة بلا حواجز ولا اعتبار للمسافات وبتكلفة قليلة، وإمكان مشاركة فئات كثيرة في العملية الاقتصادية والإنتاجية، كالنساء والعائلات، وسكان المناطق البعيدة المعزولة، وكبار السن، وذوي التحديات الحركية، ونبدأ من الساحل اليمني.

يبدو أن الحديث السابق يريد مقاربة واقعية، في خضم فوضى الحرب، وغياب الأمن والاستقرار؛ لتكون معها البداية في اليمن الساحل قبل المدن النفطية.

الخطوة الأولى: كيف نبدأ في المشاريع، وفي الوقت ذاته تحييد كل الدول والمراكز التي تتصارع في اليمن؟
«إذا لم يكن العمل جادًا وذكيًا وسريعًا يحل كل مشكلة، فليس ثمة شيء آخر يحلها».
«الحياة الأفضل لليمنيين» وبناء اتفاقية المكسب المشترك.

إذا سلمنا بفشلنا منذ عقود، وبفشل كل الأدوات الإقليمية التي جلبها فشلنا، فنصبح منصفين بالإقرار بأن الحل في خلق مناطق إسكان وفرص عمل وتنمية، وفي الوقت ذاته نقبل بتحييدها عن الصراعات؛ لتكون نموذجًا جديدًا قابلًا للتقييم.

الخطوة الثانية: كيف ننتزع قبول مشترك لكل الأطراف الداخلية والخارجية في تحييد الساحل اليمني؟
الأمر فقط يحتاج تحرير مذكرات حكومية، نحو دول أو شركات رائدة في مجال تطوير الجسور والمدن الساحلية، كـ «kaizen properties» نموذجًا لتطوير عقاري، ومنح امتيازات لتلك الشركات والعقود الاستثمارية، بحيث تمنح كل منطقة في اليمن عقدًا حصريًا وحيدًا لدولة وحيدة، ومعها يحظر عليها مزاولة نشاط في غير ذلك الموقع، فمثلًا «الساحل الممتد من خور عميرة بمحافظة لحج حتى باب المندب وذباب في محافظة تعز، يمنح امتيازًا لدولة واحدة فقط، أو شركة استثمارية وحيدة، ويحظر مزاولة أي نشاط في سواها، بالتالي يتضح أن المسئول اليمني، إذا كان نزيهًا فسيوجه دعوة استثمارية شفافة بعيدة عن حوارات وعمولات وراء الكواليس، ليقابلها تحديد موقع وحيد، بحيث تتحول سواحل اليمن لقطاعات مفتوحة للتنافس لمن يقدم أفضل العروض لخدمة الشعب اليمني، هذا بشكل علني وفي متناول عامة الشعب.

الخطوة الثالثة: كيف تُفرض شروط التعاقد والاستثمار وتقليص الشروط الإدارية؟
لقد مثل إلغاء اتفاقية «تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية» خطوة جيدة؛ نظرًا لأن الفكرة لم تقم على جوانب استثمارية بل إدارية، ومعها لم تكن المشكلة من الجانب الإماراتي، بل الخلل من الجانب اليمني. ولتوضيح الفكرة؛ فمقتضيات التعاقد تحت مسمى تأجير، يعنى به استخدام ما هو موجود في الميناء بخلاف التعاقد الاستثماري، والذي سيعنى به «تعميق حوض استدارة السفن وتوسعته وتركيب رافعات» وتوسيع النشاط الملاحي. من جانب آخر، لابد وحرف الجانب الإماراتي من الموانئ نحو الجزر؛ نظرًا لأن المقتضيات الواقعية تقدم إستراتيجية المنافسة على إستراتيجية التأجير. ومعها تبرز فكرة منح جزيرة واحدة فقط للاستثمار ضمن مقتضيات إستراتيجية الاستثمار الناجح، يبدو أن مشغلي الموانئ، والعبارات والخدمات اللوجيستية، وأحواض السفن، لابد أن يجلبوا فورًا إلى اليمن مثل «Baja Ferries» على سبيل المثال، أو «ASTILLERO BARRERAS».

وفي المقابل، فنفط الجوف، الذي يعد ثالث أكبر مخزون احتياطي في العالم، لابد أن يتم رفع سياسة «حظر الاستخراج والإنتاج لأسباب سياسية إقليمية» عنه، ومنح تعاقد مبدئي مع شركة «بيميكس» «Pemex» على سبيل المثال، والتي لها خبرات غير اعتيادية. يتزامن كل ما سبق جلب العقود الاستثمارية لكامل القطاعات النفطية والغازية البحرية في اليمن.

الخطوة الرابعة: كيف نجعل مشاريع الاستثمار الساحلي تسند الدولة في اليمن؟
يلي هذا الطموح أمران؛ أن الدولة التي ستنفذ المشروع ستتكفل بتوفير الأمن، ونشر خبراتها وإرادتها العسكرية لتأمين المناطق، بالشراكة مع أبناء المناطق ذاتها والجيش الحكومي، وفي المقابل أي الدول المستثمرة في اليمن، ستسهم منذ إبرام العقد في دفع فاتورة الأجور والمرتبات، والخدمات، والغذاء والدواء، وتوفير الطاقة، لأبناء المنطقة محل التعاقد، ليشمل الأمر تأهيلهم علميًا ومهنيًا وأمنيًا وعسكريًا.

ستكون المحصلة إيرادات تدخل خزينة الدولة، ليصاحبها خفض في الإنفاق والالتزامات الحكومية؛ بل وافر وفائض.
ماذا لو كنت في موقع صناعة قرار إستراتيجي للنهوض باليمن و/ أو اتخاذه؟

مما لا شك فيه أن إبرام عقد مع مجموعة سيمكس «CEMEX» لتوليد الكهرباء بتوربينات الرياح، هي أول خطوة لعرض 2500 كم في اليمن للتعاقد الاستثماري، ولعدة أسباب، كون عامل الأمن والاستقرار سيتوفر في أي نقطة من الشريط الساحلي اليمني، وهذا مشروع إيرادي، وفوق ذلك ستتبعه حزمة مشروعات استثمارية لا تنتهي بالاتصالات، ولا تبدأ بالمواصلات وبناء أحواض سفن ومنافذ بحرية، وتشييد عقاري ساحلي عملاق؛ ليتحقق هدف إستراتيجي قومي، هو رفع حجم العمالة اليمنية، التي ستجد فرص عمل، والفائدة المجتمعية من ريع تشييد، وبناء، واستثمار، واستقرار، قبل ريع فائدة خدمية إيرادية.

لكن في المجمل، كيف نعرف العالم بكل ما نمتلكهُ من مميزات استثمارية؟ يحضر هنا الخطاب مع اتحاد الغرف التجاري العالمي «ICC» وعقد اتفاقية توأمة في مجال الترويج السياحي والاستثماري في اليمن، بل نحتاج إلى عمل مكثف من السفارات اليمنية في أمريكا وأوروبا وآسيا؛ لتوسع نشاط الملحقية التجارية إلى دول الجوار، والتي لا توجد فيها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى