تحديات في طريق قيام دولة الجنوب

> د. عبده يحيى الدباني

>
إن مقالا في صحيفة سيارة لا يمكن أن يحيط بالتحديات التي تعترض مسار انتصار قضية الجنوب بقيام دولته المستقلة، حتى وإن اقتصرنا على التحديات الجنوبية وحدها... ولكنا هنا سنشير إلى أبرز هذه التحديات بنوع من الإيجاز وهي تحديات معروفة لدى القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، لكننا سنذكر بها تذكيرا، فالذكرى تنفع المناضلين وغيرهم من المؤمنين بالقضايا العادلة، وننور شعبنا بها كما عودناه على الشفافية والوضوح والوفاء وعدم الخوف والمجاملة والصمت.

فمن هذه التحديات:
 1 - لقد طرد الجنوبيون قوات الشمال التي كانت تحتل الجنوب وإن بقيت لها خلاياها أو احتفظت ببعض مناطق في الجنوب فهي إلى زوال، لكن التحدي يكمن ببقاء الغزو الثقافي الشمالي معشعشا في أوساط الجنوبيين وخلال ثورتهم وثوارهم فلا ينبغي للثورة الجنوبية أن تكون ثقافتها شمالية لأنها ستحمل عوامل فشلها في داخلها حتى إذا تحولت الثورة إلى دولة، فالذي عصف بدولة عفاش هو ثقافة الفساد والإفساد التي قامت عليها وانتهت بها منذ مقتل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، رحمه الله، الذي حاول التغيير فقتل.

فعلى الجنوبيين أن يعوا جيدا أن ثورة جنوبية بثقافة شمالية لن يكتب لها النصر وأن دولة جنوبية بتقاليد شمالية قبلية كذلك لن تقوم وإذا قامت لن تنجح. لهذا لابد من ثورة ثقافية أخلاقية جنوبية، فالثورة فكر وسلوك وليست مجرد تغيير سياسي.

2 - هناك من الجنوبيين منهم مع الجنوب وقضيته وثورته واستعادة دولته، ولكنهم يتعاطون مع قضايا تضر القضية الجنوبية وتضر الناس مثل التواطؤ مع وجود الشماليين في عدن لدواع غير إنسانية أو صرف بطائق شخصية وشهادات ميلاد في عدن زورا وتزويرا لنازحين شماليين مقابل مبالغ مدنسة، بل وجدنا بعض الجنوبيين يحرسون ممتلكات الناهبين الشماليين في عدن ولحج وغيرها من أراضٍ تجارية وزراعية تم السطو عليها ومساكن ومصالح مختلفة مقابل رواتب حقيرة أو شراكات وهمية وغير ذلك، فيخلصون لهؤلاء الطغاة الفاسدين على حساب الإخلاص للجنوب وقضيته العادلة.

3 - مع افتخارنا واعتزازنا برجال المقاومة الجنوبية وقوات الأمن العام والحزام الأمني وقوات الجيش الجنوبي ورهاننا الكبير عليهم حاضرا ومستقبلا مثلما أبلوا بلاء حسنا في طرد الاحتلال ومكافحة الإرهاب بدعم دول التحالف لاسيما دولة الإمارات العربية المتحدة فإن هناك سلوكيات غير محمودة تصدر عن بعض هؤلاء فقد تدمغهم جميعا فيتلبسون بهذا السلوك الذي يستفز الناس ويحبط أملهم في قيام دولة جنوبية مدنية عادلة. ومن هذه السلوكيات الشطح والنطح والتفحيط والعنجهية التي تؤذي والتورط في صراعات على قضايا أرض وغيرها وحماية متنفذين وبسط على أراضي ومواقع والالتهاء بمثل هذه الأمور على حساب الواجب واليقظة والتأهيل والتدريب، بحيث تجسدت فيهم الثقافة العسكرية الشمالية وكأنهم ورثوها وراثة عنهم فلا ينقصهم إلا أن يأكلوا الكدم ويبنوا الدشم ويجمعوا الدانات ويبيعوها، ومن السلوكيات أيضا عدم الاهتمام بالمظهر العسكري والتنقل بالأطقم والمصفحات وإطلاق النار لأسباب تافهة وحمل السلاح وتوجيهه بطرق خاطئة وغير ذلك.

4 - الإخوة جنوبيي الشرعية يشكلون واحدة من هذه التحديات، فهؤلاء معلقون بين الشمال والجنوب، قلوبهم معنا وسيوفهم علينا وبعضهم ليس معنا لا بقلوبهم ولا بسيوفهم إنما هم وراء مصالحهم المتراكمة التي نمت وترعرعت في أودية الفساد الشمالية، هؤلاء ينتظرون جولة حوار ناجحة أو جولة صراع دامية والأعداء يدفعون نحو الثانية بينما العقل يدفع نحو الأولى على وفق مقولة (تحاوروا عاما ولا تتقاتلوا يوما) ولكن ليس حسب حوار صنعاء الذي استمر عاما ففجر الحرب أعواما وأعواما.

هذا التحدي الذي يمثله إخواننا الجنوبيين في شرعية هادي وعدوانية الأحمر لا تكمن مشكلته في نفسه، ففساده لم يقتصر على نفسه ولكنه صار فاسدا مفسدا حيث امتد هذا الفساد إلى أوساط جنوبية محسوبة على الثورة الجنوبية التحررية لأن السلطة فاسدة مفسدة كما قال يوما الشهيد علي عنتر رحمه الله.

فنحن نريد أن تكون العلاقة جيدة بين القيادات في الحراك الجنوبي وبين المسؤولين الجنوبيين في الشرعية، لما فيه خدمة القضية الجنوبية وأهدافها المنشودة، ولا تكون هذه العلاقة علاقة مصالح وفساد وإفساد تصب أخيرا في غير مصلحة الجنوب.

5 - ثنائية الدفاع والهجوم مسألة مركزية في قضايا الصراع المختلفة وقد اعتاد الحراك الجنوبي لاسيما في سنوات انطلاقه الأولى أن يهاجم سلطة الاحتلال، فكان مزدهرا منتصرا، ولكن في سنوات تلت ومنها هذه المرحلة الراهنة استطاع أعداء الجنوب أن يشغلوا الثورة الجنوبية وقيادتها السياسية بردود الأفعال تجاه ما يحدثه هؤلاء الأعداء من عراقيل ومؤامرات وسياسات تكبح تحقيق الهدف الجنوبي، ومسألة الدفاع مهمة لإفشال هذه السياسات والمحاولات البائسة اليائسة ولكن يجب عدم الاكتفاء بموقف الدفاع وحده فالهجوم خير وسيلة للدفاع، إذ يجب مباغتة هؤلاء المتربصين بإجراءات وسياسات لم يكونوا يتوقعونها تخدم الهدف وتقلص وجود المتربصين ونفوذهم وتستبق ما يمكن أن يخططوا له، فالسياسة دهاء وثورات الشعوب ارتبطت بالمفاجآت وروح المبادرة والإبداع الثوري.

6 - لا ننسى في هذا المقام التحدي الاقتصادي، فتأسيس الدولة أو قيامها بحاجة ملحة إلى اقتصاد وطني كافٍ يكون تحت السيطرة وتأمين معيشي للشعب، وهذا يحتاج لوضع اليد على المرتكزات الاقتصادية في الجنوب وعمل حساب لكل شيء.

7 - ومثلما هي الحروب والتحديات الراهنة في العالم المعاصر اقتصادية وعسكرية فإنها كذلك حرب إعلامية، ولعل الحرب الإعلامية أشدها ضراوة ومنازلة دفاعا وهجوما، وقديما قال الشاعر العربي: «وجرح اللسان كجرح اليد» والجنوب حتى الآن يعاني من ضعف في هذه الجبهة المهمة، لقد صار الأشخاص يملكون قنوات فضائية بينما الجنوب شعبا ووطنا وقضية لا يملك قناة فضائية خاصة به، فحتى الطيور لها قنوات وحيوانات الصحراء كذلك، خاصة أن هذا الضعف يأتي في ظل وجود قنوات ومنابر عديدة معادية للجنوب تنبح على مدى الساعة وتبث سمومها في كل مكان.
ولنا وقفات أخرى في هذا الميدان.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى