الفنانة محسنة توفيق في رحاب الخالدين

> د. هشام محسن السقاف

> ترحل الفنانة محسنة توفيق عن دنيانا مع تباشير رمضان الأولى،  بعد حياة حافلة في السينما المصرية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي. وبإمكاني أن أقول في السينما العربية للدور والأثر المحفور في وجدانيات العرب من ماء طنجة إلى ماء المنامة من صناعة الفن السابع المصري.
  نختزن في خابية القلب والعقل صورة متحركة نابضة للفنانة الراحلة محسنة توفيق وهي ترتجل عبارة من (عندياتها)  في فيلم ( العصفور) عام 1972م عندما صرخت: (لا.. حنحارب) قبل أن يكمل زعيم الأمة العربية الرئيس جمال عبد الناصر خطاب الاستقالة التاريخي غداة نكسة حزيران عام 1967م. في 9 حزيران  - إن لم تخن الذاكرة - قالتها في لقطة سينمائية دراماتيكة تراجيدية قبل أن تنطلق إلى الشارع كما فعل ذلك ملايين المصريين، والعرب إجمالا من المحيط إلى الخليج، وهو تجسيد سينمائي لما حدث فعلا وخاضته الفنانة القديرة مثل غيرها ممن خرجوا مدفوعين بحبهم لمصر والزعيم منذ اللحظة التي نطقت شفاهه بعبارة التنحي عن الحكم، وبتلك العفوية الجماهيرية النادرة والهادرة والتي لا تعد ولا تحصى جماهيريا في القاهرة والمدن المصرية و في ذات الوقت مما لا يمكن معه لأي قوة استخباراتية أو شرطوية في الدنيا أن تقوم بإجبار كل هذا السيل المليوني الجارف أن يخرج للتظاهر دعما لـ عبد الناصر مهما كانت القوة التي تمتلكها، حسب ما أرجف به المرجفون ممن سجدوا لله شكرا على هزيمة مصر من العدو الصهيوني.

 ولدت الفنانة محسنة توفيق عام 1939م وماتت في 7 مايو 2019 عن عمر ناهز 79 عاما. وكان دورها في فيلم (العصفور) عام 1972م مع المخرج العملاق يوسف شاهين (بهية) رمز الوطنية المصرية وكانت (لا... حنحارب) رغبة جمعية للشعب المصرية استأذنت المخرج في ارتجالها من خارج النص، وفي  الفيلم حب (بهية) رمزي  بقول الشاعر أحمد فؤاد نجم على لسان الممثلين في (العصفور): (مصر يمه، يا بهية).

 وقد أرجع فيلم (العصفور)  الهزيمة إلى مسببات اجتماعية قبل أن تكون عسكرية، وتشاركت الفنانة الراحلة البطولة فيه إلى جانب الفنانيين الكبار محمود المليجي وصلاح قابيل ومحمود الشريف وآخرين، ليكون المشهد الكلي لوحة بانورامية تجسيدية للواقعية السينمائية ورؤية اليسار المصري لنكسة حزيران، من خلال (حدوتة) الفيلم وتوليفة الممثلين والإخراج ليرقى الفيلم إلى مستويات الالتزام والرؤية التي تحترم عقل المشاهد العربي وهو الخط الإخراجي الذي مثله يوسف شاهين، الذي لعبت الفنانة الراحلة معه أدوارا أخرى في أفلام (وداعا بونابرت) و(إسكندرية ليه).

جسدت محسنة توفيق في (العصفور) ما كانت قد خاضته في معمعان مظاهرات رفض الاستقالة و مواصلة الإعداد للحرب، وهي لا تخرج هنا عن خطها الثوري اليساري الذي جسدته في حياتها من خلال التشارك في العيش مع الفلسطينيين في مخيم (عين الحلوة)  وسواه أو من خلال التزامها الفني بقضايا الجماهير.
 وكان عرض فيلم (العصفور) في عدن مطلع السبعينيات من القرن الماضي بحضور صلاح قابيل وسواه يصب في ذات القناعات التي آمنت بها محسنة توفيق على اعتبار أن (عدن) في ذلك الوقت كانت تمثل قبلة اليسار العربي.

 رحم الله الفنانة القديرة محسنة توفيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى