مطلوب إعادة كتابة التاريخ

> أحمد عبدربه علوي

>
قلنا مراراً إن التاريخ هو التاريخ يكتبه الصادقون بطريقة موضوعية وحياد كامل ولا يجب أن يحكمنا في ذلك هوى سياسي أو غرض مرحلي ولكننا لا زلنا نكرر أخطاءنا مع التاريخ ذاته رغم أن ذلك التاريخ بطبعه لا ينسى، دعونا نتساءل: ماذا سيقول التاريخ عنا وماذا سنقول لأجيالنا القادمة، وعن ماذا نخبرهم عن تاريخ بلادنا لأن من كتبوا عن التاريخ في بلادنا لم يكتبوا الحقيقة عن ما مرت به البلاد من حروب وويلات ومآس، منذ رحيل المستعمر البريطاني في نهاية عام 1967م والحروب تتوالى، بريطانيا تسحب قواتها في ميناء التواهي إلا والحرب الأهلية قد قرحت في الشيخ عثمان بين قبائل الجبهة القومية وقبائل جبهة التحرير ومن تم حرب الإطاحة بدولة قحطان الشعبي التي لم يكن لحكمها سوى عام واحد.

وبعد ذلك توالت الانقلابات والحروب حرب حركة 20 يونيو 1969م انقلاب 22 يونيو 1969م الذي رفعت فيه رأية الماركسية الشيوعية فوق المباني الحكومية بعدها حرب 26 يونيو 1978م وحرب 13 يناير 1986م. كما ظلت الحروب تتوالى في الحدود مع الشمال حرب البيضاء والبلق وغير ذلك قبل الوحدة.. وفي 7 يوليو 1994م غزو عدن والجنوب كما ظلت الحروب دائرة في مدن الشمال بعد ان طردت القوات الشمالية من عدن والجنوب.

 والان تجري الحرب في الشمال مع الحوثي الذي يسعى لاستعادة الامامة الكهنوتية بتعاون وتوجيه واشراف دولة الملالي الصفوية الشيعية (ايران الكهنوتية) التي بينها وبين البلدان العربية (حب مفقود). مسكين المواطن الجنوبي منذ رحيل الأجنبي وهو في حالة استنفار من ناحية الأمن والاستقرار والحياة المعيشية لا أحد ينكر ان بلادنا الجنوب مر بمراحل عصيبة من الحروب لفترة اكثر من خمسين عاماً ولا تزال الحروب متواصلة لتدمير البلاد، وأظن أن شعب الجنوب قنع وتاب من الحروب وويلاتها يريد أن يعيش في أمن وأمان بعد أن عاش مآسي الحروب وأصبحت في باله دروساً يقتدي بها للسير بالوطن الجنوبي نحو الاستقرار نحو مستقبل آمن مستقر.. كفى ما حدث في حرب 13 يناير راحوا ضحيته (40) ألف مواطن بين قتيل ومفقود والآن حرب الحوثي التي تجري رحاها في البلاد عشرات الآلاف (قتيل وضايع ومسجون).

 إن الذين كتبوا مذكراتهم التاريخية تعتبر ناقصة عما يجري الان من إجرام وارهاب وضياع وعشرات الآلاف من المصابين (المجاريح) نتيجة لهذه الحرب المسعورة الهمجية، لقد تعب هذا الشعب الأبي الذي اثبت عبر تاريخ البشرية الطويل بانه شعب عريق اصيل قوي الجذور والمنبت وان ارضه كانت دائماً مقبرة لكل غاز دخيل ولكل طامع موتور. المؤسف إن التاريخ يعيد نفسه ولا أحد له رغبة في أن يتعلم من دروسه وكلنا نذكر عن الحروب التي أخربت كل مقومات الحياة في البلاد.. ظللنا نحارب أنفسنا بانفسنا الى أن ضيعنا أنفسنا وضيعنا البلاد وضاع العشرات من خيرة الرجال مدفونين في الصحاري والاكوام الترابية لا أحد يعرف اين قبورهم بالرغم من مطالبة اسرهم بالحاح ان يعرفوا عن قبورهم المجهولة. التاريخ ليس عملة قابلة للتقليد أو التزييف كما يحاول البعض.. للأمانة التاريخية نطالب بإعادة كتابة تاريخ بلادنا بكل أمانة، لا نريد تاريخاً رسمياً ولكن نريد تاريخاً شعبياً يسجل دور الشعب في صناعة التاريخ، ولعل معسكر 20 يونيو حالياً المسمى في السابق (معسكر البوليس المسلح) ARMED PoLICE  وعن ما تعرضت له مدينة كريتر وأهلها من حصار ومضايقة من قبل المحتل البريطاني وأكبر دليل عندما قال المغني: (ولا با تنتسي يا يوم عشرين).

لابد أن ننصف شعب الجنوب المناضل البطل فدوره أهم من دور القادة والزعماء .. أن لا ننسى دوره، إذ من حقه ان نسجل له تاريخه ونذكر بأمانة تضحيته ونضاله فهو من ناصر الثورة وشارك فيها الرجال والنساء أمثال الفدائية (نجوى مكاوي) طيب الله ثراها، وغيرها من النساء.. أما من يأتي اليوم وقال لجماعته أبناء قريته سجلني (مناضل) أو من مات أو قتل بسبب ثأر أو حادث سيارة أو مات مغترب في مصنع من مصانع أروبا وأمريكا وشمّر ابناء قريته ان يحتسب ويسجل كشهيد فهذا لا يجوز.. وهناك الكثير من هذه النوعيات ليسوا شهداء في معارك نضال أو واجب وطني.. وكم نحبذ لو شكلت لجنة أمنية صادقة وحددت الشهداء والمناضلين الحقيقيين أما هذه الأعداد الهائلة فهو أن كل مسئول عمل على تسجيل أبناء قريته (مناضلين - شهداء) فهذا قمة الفوضى والازدراء.

 رحم الله الشاعر أحمد شوقي عندما قال في (الشوقيات) إن "الثورة يخطط لها الدهاة وينفذها الشجعان ويستغلها الجبناء" (المزعبقين - المزايدين).. إن الحكمة من كتابة التاريخ تكمن في أنها تمكن الإنسان من الاطلاع على مسارات الماضي بسلبياتها وإيجابياتها ليوظفها في مساعدته قراءة صحيحة خالية من الكذب وبالتالي التخيطط لبناء المستقبل الأفضل.
 ان الوقوف على الحقيقة يتطلب إعادة التاريخ وإعادة كتابته على أسس علمية وصولاً إلى تصحيح ما كان سائداً من مفاهيم خاطئة وتسمية الأحداث بمسمياتها الحقيقة باعتبار أن القراءات الخاطئة للتاريخ تولد استنتاجات ورؤى خاطئة وبالتالي قرارات أيضاً خاطئة تدخل البلاد في مزيد من المآسي ودورات الصراع غير المبررة التي يمكن تجنبها لو أننا أحسنا فهم ماضينا باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يمكنا من تقييم حاضرنا والتأسيس لبناء مستقبل أفضل.

 إن كتابة التاريخ يجب (أن يتحلى بعدد من السمات وفي مقدمتها الأمانة والصدق والموضوعية والحياد أو عدم الانحياز). إن تاريخنا يا أبناء الجنوب مكتوب بدمائنا التي هدرت من قبل الساعين للحصول على المكاسب الشخصية والمنافع الذاتية (المتمشدقين) باسم النضال والثورة اللتين يتستران بهما من أجل المغانم والفيد والفشخرة ورجفات أصابعنا.. وأتساءل هل حافظنا على تاريخ بلادنا (المنكوبة) دون أن نفسح المجال لمن يريد له التزوير أو التبرير من هؤلاء ادعياء النضال الجدد (المزايدين الوصوليين).. لذا نقول من الأهمية بمكان أن التزوير الواقع أصلاً في العرض يصل إلى الجوهر فإذا بأجيالنا المعاصرة من اليسار إلى اليمين وان نميز فيه بين الغث والسمين وبين الشعير والتبن بين ما يثبت المزاعم والأكاذيب على أنها حقائق ومن يطمس الحقائق حتى تختفي الأبصار وها نحن نعيش فترة تاريخية من أدق الفترات المتعبة التي يمر بها شعبنا تشهد حروباً متواصلة وإرهاباً وسلسلة من الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في حق هذا الشعب المؤمن المسالم تصل تلك الاخطاءات الى حد الجريمة بالنسبه لحقوق الإنسان.. وعليه فلن يؤرخ للثورة بطريقة علمية رصينة مع استمرار باب الوثائق مغلقاً أمامنا، هذا مع العلم بأن الوثائق البريطانية وغيرها يتاح الاطلاع عليها بعد ان تكون الوقائع التي تضمنتها هذه الوثائق قد مر عليها 30 عاماً والامريكية 20 عاماً.

والأمل يحذونا أن نحذوا حذو بعض الدول في هذا المجال حتى نريح الستار عن خبايا عهود الأنظمة السابقة التي حكمت بلادنا وما بعدها إذ بكلامنا هذا نريد أن نضيء النور في ظلام التاريخ.. ودمتم!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى