الحوار الوطني.. ضرورة تفرضها الظروف الحالية

> أحمد عبد ربه علوي

> يبدو أن البعض منا لم يستوعب دروس الديمقراطية ولم يفهم مضمونها وحقيقتها بعد، لذلك ترى هؤلاء يجنحون إلى ممارسات غريبة لا يجوز بحال أن تظهر في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالحوار بالكلمة والحجة وبالتفاهم بلغة الإقناع والمنطق، ولعل بعض أولئك المتضررين من أجواء الانفتاح الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ انزاح الحزب الواحد الذي لا صوت يعلو فوق صوته طالما وهو قده (عقل وضمير وشرف البلاد مع أن كل هذه الخصال لا تتوفر فيه على الإطلاق).

لقد صحا البعض من نومه على هدير صوت الديمقراطية وهي تمشي في جنبات المجتمع تكشف الأفكار المخبوءة، وتنبش النظريات المقنعة، وتسلط حزم أشعاعاتها صوب كل الزوايا والتكايا التي يختبئ فيها المرجفون، وتشرع أبواب الحوار والجدل بين كافة الاتجاهات الفكرية والتيارات السياسية تختبر صدف شعاراتها وتكشف عن طبيعة أهدافها وسر توجهاتها وخفايا ممارساتها وتحالفاتها ونواياها تجاه المجتمع والوطن.

أسوق هذا الكلام بين يدي تعبيري عن استيائي الشديد وأسفي البليغ لما يحصل في بلادنا الآن، كل فئة أو جهة لها وجهة نظر مختلفة مع أن البلاد ليس في حاجة لهذه الترهات الآن (ما فيها يكفيها) ضيعتها الانقسامات وتشتت الآراء على رأي المثل "أنا أمير وأنت أمير من منا سيسوق الحمير". تلك الحمير التي ينقلون فوقها المعدات والأدوات والبضائع، العجيب في الأمر أن هناك أشخاصاً ارتأت أن تعبر عن آرائها ووجهات نظرها إزاء هذه الأحداث المتسارعة، وتراها تلزم السكون عن ما يجري في الوطن بدون أن يبدون آراءهم الصائبة والمناسبة بشأن حلها، مع أن الديمقراطية تقتضي أن يعبر كل عن رأيه بأسلوب حضاري وبطريقة مهذبة، وأن يحاول في المقابل أن يستمع إلى وجهة النظر الأخرى حتى وإن تعارضت تماماً مع وجهة نظره، وتناقضت في كل حرف ومدلول مع اجتهاده ورأيه، أما أن يصار إلى إثارة الشغب وإشاعة التشويش على الرأي الآخر من خلال أساليب غير أخلاقية لا تليق بأناس ارتضوا لأنفسهم أن يسلكوا النهج الديمقراطي في حياتهم، فتلك هي الطامة، وتلك هي الصاعقة التي تشكل خطراً كبيراً على المسير تهدد بنسق قواعدها وسحق جذورها..

إن أسلوب التحدي واستعراض العضلات من خلال طرح الشعارات الكبيرة والهتافات الرنانة والتراشق بها بطريقة لا تكاد تخلو من الاستفزاز وإثارة الحساسيات والتحريض على المواجهة وإشعال فتيل الفتنة بين الصفوف هو أسلوب مناطقي مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يقبله عاقل، ولا يرتضيه منصف واعٍ، ولا يؤمن به إلا أصحاب النفوس المريضة والمنافع الشخصية الذين لا يبصرون طريقهم إلا وسط العتمة، ولا يتسللون إلا في الظلمة، ولا يعرفون طعم الراحة إلا إذا أججوا نيران الفتنة، وألبوا القوى بعضها على بعض من أجل أن يظهروا بعد ذلك في مظهر الأبطال المصلحين يهتمون على مصالح الوطن ويتظاهرون بالحرص على سلامته وأمنه واستقراره.

إن هؤلاء المحرضين المخربين والمشوشين (أبو شريحتين) الذين يخشون سماع الرأي الآخر الذين لا يملكون غير أن يدسو أنوفهم فيما لا يعنيهم، ويسعوا بين أبناء المجتمع الواحد بالفتنة والتأليب والتحريض؛ هم الأعداء الحقيقيون للوطن الذين علينا جميعاً أن نعريهم أمام المجتمع؛ ليحذرهم الناس ولينبذوهم حتى لا يقع البعض ضحية ممارساتهم اللاإنسانية الجبانة، ما الذي يدفع البعض إلى مصادرة الرأي الآخر ومحاولة التشويش عليه بكل الأساليب الهمجية/ المناطقية والوسائل الممجوجة المتاحة؟ وما هذه الديمقراطية التي تجيز للمتسللين ـ أي كانت الجهات المحرضة لهم ـ أن يرفعوا أصواتهم بالتشويش وأيديهم بالتخريب لكي يحولوا بين الناس وبين سماع الرأي الآخر مهما كان ذلك الرأي متطرفاً أو جانحاً أو بدا متناقضاً تماماً مع رأي السلطة؟

إن الحفاظ على الديمقراطية وصون مسيرتها ودفعها إلى الأمام لا يمكن أن يتسنى إلا من خلال الحوار الهادي الموضوعي الذي يتيح الفرصة لكافة الآراء والاجتهادات أن تبصر طريقها في النور، وإن خرج إلى الناس تخاطب عقولهم بالحجة والمنطق والإقناع، وأما غير ذلك فلا لزوم له، ولا حاجة لذكره ولإضاعة الوقت وبث لغة التشويش وأسلوب التهويش، فتلك هي وسيلة الضعفاء والمرجفين وأصحاب الخطايا وذوي المنافع الشخصية الذين يعيشون على أوجاع الآخرين، ويتراقصون على آلام الجماهير. فهل يا ترى نوقفهم عند حدودهم؟

وحتى نعمل حداً لهذه المعمعة التي تمر بها لبلاد حالياً نرى أن يعتمد حواراً وطنياً يشارك فيه كل أطراف المجتمع لكلمة سواءً لتحقيق عودة الحياة والاستقرار، ويسود مناخ سياسي يتبع إجراء حوار وطني بنوايا صادقة مخلصة وحرية وواقعية دون مزايدة من طرف على آخر؛ لكون الحوار الوطني يعد ضرورة تفرضها ظروفنا الحالية لنصل إلى وفاق وطني إن شاء الله..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى