ذكريات يرويها إعلامي عربي.. يوم سقطت الجنوب في قبضة الاحتلال الشمالي

> توفيق جوزيلت*

> لمن لا يعرف المآسي والمؤامرات والظلم الذي لحق بأهل جنوب اليمن نتيجة فشل الوحدة الاندماجية مع شمال اليمن بعد اجتياح القوات اليمنية الشمالية المحافظات الجنوبية الستة عام 1994 وفرض الوحدة بالقوة بعد سيطرة قوات صنعاء على الجنوب بأكمله.

أقول ما يلي عن معرفة وإدراك لحقائق الأمور: تلك الحرب الظالمة التي قادها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وشارك فيها حزب الإصلاح (جناح الإخوان المسلمين في اليمن)، لينهي بذلك تلك الوحدة الاندماجية بين شمال اليمن وجنوبه، ولتنطلق معاناة الجنوبيين من إقصاء وتهميش واغتيالات إلى حدود كتابة هذه السطور.


ولعلني أركز على نموذجين يعكسان الظلم والتهميش الممنهج ضد الشعب الجنوبي، واستغلال خيرات الجنوب.

الطيار أحمد العبار بعد الوحدة
الطيار أحمد العبار بعد الوحدة

توضح الصورتان أدناه أحد ضباط الجنوب في عهد دولة الجنوب قبل الوحدة من أبناء لودر اسمه (أحمد العبار) طيار حربي وقائد سرب في الجيش الجنوبي، وبعد حرب صيف 1994 قامت الوحدة الغادرة بفصل كل الضباط الجنوبيين مع توقيف رواتبهم دون أدنى معولة لهم ولأسرهم، أنظروا بتأني إلى الصورتين لتدركوا حجم المصيبة التي لحقت بهذا الضابط العسكري.

الطيار أحمد العبار قبل الوحدة
الطيار أحمد العبار قبل الوحدة
أما ما تبقى من الصور، فهي تجمعني بالأستاذ صالح هادي مطبق، من خيرة إعلاميي محافظة حضرموت. فهو يعتبر بحق في تلك الفترة الزمنية الوحيد الحاصل على شهادة الماجستير في التصوير التلفزيوني من جامعة كييف في الاتحاد السوفيتي سابقاً. رافقني صحبه مهندس الصوت أسامة عمر جابر في تغطية وتصوير المواقع الأمامية من الجبهة الشرقية الساحلية إلى حدود انهيار المقاومة الجنوبية في الخامس من يوليو 1994، حيث غادرت المكلا صوب دبي، وعاد صالح مطبق إلى مدينة المكلا التي كانت تحمل على جدرانها صور علي ناصر محمد، وكأنها رسالة انتقام للجنوب بأكمله، وليتأكد بفعل الملموس أن الجنوب بأكمله تم احتلاله من قِبل القوات الشمالية ظهر يوم 7 يوليو حينما قال المذيع سالم علي الشاحت وهو يذيع الأخبار: "هنا المكلا إذاعة الجمهورية اليمنية.."، وفي هذه اللحظة بالذات بدأت تدريجيا معاناة أ. صالح، حيث تم إقصاؤه من مزاولة عمله كأحد الكوادر الأساسية في تلفزيون المكلا، إلى حدود وفاته رحمه الله منذ بضعة سنين.. ومصير أ. صالح لا يعدو أن يكون إلا نموذجا حيا لمعانات الإعلاميين الجنوبيين الذين عبروا عن رفضهم للاجتياح العسكري الشمالي للمحافظات الشمالية، وانتقدوا بقوة فرض الوحدة بالقوة، وممارسة القمع والإذلال على من يتجرأ على رفض الأمر الواقع.. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الغالبية من الإعلاميين في مجالي السمعي البصري أو الصحافة المكتوبة تعرضوا بعد اجتياح الجنوب لإجراءات تعسفية استثنائية، فقد تم إيقاف عدد كبير منهم عن العمل. وأخص بالذكر منهم د. محمد عبد الهادي، وأ. صالح هادي مطبق، وًالأساتذة علوي علي صالح، ومحمد عبد القادر العرجي، ومحمد علي أحمد، ورضية سلطان، وسليم أحمد صالح.. وغيرهم، ولم يتم ترتيب أوضاعهم أو عودتهم إلى مؤسساتهم منذ ذلك التاريخ باستثناء أحمد الحبيشي الذي تم إعادة النظر في وضعه بعد عودته من القاهرة في إطار حزب المؤتمر الشعبي العام ليتبوأ منصب رئيس المركز الإعلامي للمؤتمر وصحيفته الميثاق.

غير أن دار لقمان لا تزال على حالها؛ بل ازدادت سوءاً بعد سقوط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، واستيلاء الحوثي الذين يتمتعون بدعم إستراتيجي إيراني على الحكم في صنعاء.


وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم تضع حكومة ما تسمى بالشرعية ضمن أولوياتها إعادة الاعتبار إلى أبناء الجنوب وإشعارهم بالمواطنة والعدالة الاجتماع. الشرعية الحقيقية تستمد قوتها وشرعيتها من الشعب، وًما دام أهل الجنوب العربي لا يتمتعون بالحد الأدنى من المواطنة ورد الاعتبار لكل من فقد عمله، والحرص على أمن وأمان المواطن العادي وتمكينه من العيش الكريم فستظل من وجهة نظري فاقدة للشرعية.

* إعلامي مغربي كان يعمل مراسلا لقناة إم بي سي أثناء حرب احتلال الجنوب العام 1994م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى