قصص مؤلمة تدمع العين.. أبناء يعقون آباءهم إرضاء لزوجاتهم

> تقرير/ فردوس العلمي

> كثيرة هي الصور المؤلمة التي نراها أو نسمع بها هنا وهناك عن معاملة قاسية يتعرض لها آباء وأمهات من أبنائهم، حتى باتت أقسام الشرط تستقبل بشكل متزايد شكاوى الآباء من سوء معاملة أبنائهم لهم، فالنصوص القانونية لا تشير إلى عقوبة "العاق" في مجتمع يعاني آثار حرب مدمرة، واختلالات تربوية، وتدهور اقتصادي، وبؤس وفساد في البر والبحر، انتشر كما تنتشر النار في الهشيم.

قسم شرطة كريتر بمديرية صيرة وحده يستقبل 3 حالات يومياً من شكاوى الآباء والأمهات بسبب سوء معاملة أبنائهم.
فضل الجحافي
فضل الجحافي
يقول مدير قسم الشرطة، العقيد فضل الجحافي لـ«الأيام»: "قضية عقوق الوالدين استفحلت وتحولت إلى ظاهرة".

ويضيف: "لا توجد نصوص قانونية تتحدث بشكل واضح عن عقوبة العقوق، فنضطر إلى اتخاذ إجراء تأديبي بالحجز لمدة لا يزيد عن ثلاث أيام، بعدها نجلس مع الأب أو الأم ونحاول حل المشكلات بينهم ونأخذ من الأبناء تعهدات بعدم التكرار، والبعض يلتزم بالتعهد والبعض يكرر المشكلة ويزور قسم الشرطة بشكل مستمر".
ويرى الجحافي أن من أسباب بروز هذه الظاهرة الأوضاع المعيشية الحالية التي يمر بها أغلب المواطنين، خاصة فئة الشباب، وكذا الظروف المادية للشباب العاطلين عن العمل، لهذا يأخذون مصاريفهم من آبائهم ويتحولون إلى أعباء عليهم.

أسباب عدة
تقول الصحفية نور سريب: "إن عقوق الوالدين فعل خطير ودخيل على مجتمعنا المتراحم، وانتشار هذة الظاهرة يأتي لعدة أسباب، منها التفكك الأسري الذي انعكس بشكل سلبي على علاقة الأبناء بالوالدين، ما جعل العاطفة والشعور بالرحمة والمسؤولية تقل حتى تنعدم عند بعض الأبناء".
وتضيفت: "أحد أخطر الأسباب هي المخدرات، التي تجعل الشاب يتجاوزون كل الوصايا الربانية والاجتماعية التي تحث على الاهتمام بالوادين وطاعتهم والبر بهم، وتقديم العون لهم.

تتابع: "قابلت بعض الحالات التي ارتكبت هذا الجرم في حق أحد الوالدين، فما كان من الأبناء إلا انتهاج نفس التعامل لبعض الأمهات اللاتي يشكين عصيان أبنائهن لهن، حيث تعرضن للعنف والضرب.
نور سريب
نور سريب
وترى سريب أن "الحل بالتوعية والتعامل الإيجابي مع المشكلات داخل المجتمع، وبالتصدي لهذه الظاهرة بالنصيحة وحتى بإبلاغ الجهات المعنية، وتفعيل نصوص قانونية تعاقب كل من يتطاول على والديه".

سالم الكثيري
سالم الكثيري
الناشط الحقوقي سالم الكثيري، يصف عقوق الوالدين بالمؤلم والموجع، ويقول: "مجرد فكرة عدم احترام الآباء، أو التلفظ ببعض الألفاظ أو التأفف منهم، محرم في الإسلام، وتنهى عنه كل الشرائع السماوية".
ويرى الكثيري بأن تفضيل الزوجة أو الزوج على الوالدين من القصص التي انتشرت مؤخراً، والأشد إيلاماً على الضمير الإنساني هو التخلص من الأب أو الأم بنقلهم إلى دور المسنين أو الملاجئ.

ويضيف: "من يسيئون معاملة آبائهم لا خير فيهم، فمن لم يكن فيه خير لمن أنجبه وتعب عليه ورباه لن يكون فيه خير لأحد، مهما كان".
ويطالب الكثيري المجتمع بالوقوف الجاد تجاه إساءة معاملة الأبناء لآبائهم: "من يسيئ لوالديه نتوقع منه أي شيء في تعامله مع الآخرين والمجتمع من حوله".

كثير ممن التقيناهم يطالبون بقوانين رادعة تطال "العاق" وكل من يسئ معاملة والديه، لكن البلد يعاني من حالة اللا دولة، فالقوانين تحتاج إلى مراحل طويلة لتشريعها وإقرارها والمصادقة عليها وتنفيذها.

التنشئة الصحيحة
عزت عنبول
عزت عنبول
م. عزت فضل عنبول يرى أن التربية السليمة والتنشئة الصحيحة أساس متين لأي أسرة وغرس مفاهيم الاحترام المتبادل مند الصغر لدى الأبناء تؤتي ثمارها في الكبر.
ويضيف: "أسس التربية تعطي نتائج ممتازة، وتعامل الآباء مع الأهل أمام الأولاد يخلق صورة عن السلوك الصحيح المتبع مع الغير، لذلك نحن من نصنع جيل صحي أو جيل مريض، لأننا أساس البناء".

الشاب محمد عبدالقادر (18عاماً)، الذي تحدث إلينا عن الفراغ الذي خلفه رحيل والده لديه.
يقول: "فقدت أبي وأنا في الثالثة من العمر ولا أتذكر سوى ملامح خيالية لذكرياتي معه، وكلما أمعنت النظر في صورته المعلقة على جدار غرفتي تمنيت أن ألقاه لأحتضنه وأنسى عذاباتي".

ويضيف: "الأب عمود الأسرة، وما تفقد الشمس إلا بعد المغيب، واستغرب من سلوك الكثير من شباب اليوم، أي قسوة بلغت لديهم حتى يستطيعون وضع آبائهم في الملاجئ ودور المسنين".

ضعف الإيمان وانتشار الفساد
د. بسام عبدالملك أضاف قائلاً: "نسمع شكاوى مقلقة وأخبار مزعجة من هذا القبيل تتفطر لها القلوب، وتهتز لها النفوس، هي نذير شؤم وعلامة خذلان، يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لها، وتتعلق بأعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، إنها أخبار عقوق الوالدين.. فهذا يهجر والده لأتفه سبب، وأخرى تسب أمها لأنها منعتها من الخروج. وآخر يتجاوز ذلك بالضرب والتعدي على أمه أو أبيه، وربما تصل القضية إلى حد القتل، كما نسمع في بيانات تنفيذ بعض الأحكام".

وأضاف: "إننا حينما نتحدث عن عقوق الوالدين فإننا نتحدث عن أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله. كيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد.
وعن أسباب انتشار ظاهرة عقوق الوالدين، قال د. بسام: "لا يجرؤ على هذا الأمر إلا من ضعف إيمانه ووازعه الديني، وبسبب انتشار الفساد بكل صوره والأفكار الهدامة التي تفسد الشباب والبنات، وتجرئهم على الآباء والأمهات، ومنها الثقافة الوافدة إلى مجتمعاتنا من مجتمعات أخرى".

وأكد أن "شبابنا اليوم يقصرون في بر آبائهم وأمهاتهم، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما من أجل سفر أو قضاء متعة، وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجته ويقدمه على رضا والديه. إنها حقاً صورة من صور العقوق".

شكاوى عديدة
جواد بجاش
جواد بجاش
العقيد جواد بجاش عبدالله، رئيس البحث في شرطة الممدارة بالعاصمة عدن، أشار إلى أن "شكاوى عديدة تصل إلى الشرطة من آباء وأمهات يفيدون بأن أبناءهم لا يطيعونهم ولا يستمعون لكلامهم، حيث يقوم القسم بحجز الولد العاق يوماً أو يومين لردعه، وفي حالات تكون البلاغات على الأبناء بسبب اعتدائهم على أمهاتهم أو آبائهم بالضرب أو التهديد أو السب، وفي هذه الحالة يتم حبسهم وعرضهم على النيابة، ويتم ترحيلهم إلى السجن المركزي وتقديمهم لمحاكمة جنائية ثم تصدر بحقهم أحكام بالحبس"، مضيفاً "تصلنا قرابة 7 شكاوى شهرياً من آباء، وأكثرها تنتهي بالتنازل من قبل الأب أو الأم بعد التزام الولد بعدم تكرار فعلته".

محمد المحضار
محمد المحضار
وبدوره، قال المحامي محمد المحضار: "جاءت الشريعة الإسلاميّة بنظام مُحكَم يهدف إلى صيانة المجتمع من الفوضى والفساد، ويسعى إلى تحقيق الأمن المجتمعيّ لحياة طيّبة، ومن المنهج الحكيم الدعوة إلى حفظ حقوق الوالدين، وطاعة أوامرهما وتكريمهما، والعناية بهما، وإجهاد النّفس في تحقيق سعادتهما".

ويتابع قائلاً: "لقد شنّعَ الإسلام عقوق الوالدين، وذمّ من ينسى فضلهما، وتوعّد من يتنكّر لحقّهما بالحرمان في الدنيا والآخرة، حيث يحرّم الإسلام عقوق الوالدين بشكل واضحٍ وقاطعٍ، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب التي يقترفها العبد، ويفتح عاقُّ والديه على نفسه باباً من أبواب جهنّم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما من مسلم يصبِح ووالداه عنه راضيان، إِلَّا كان له بابان من الجنة، وإن كان واحداً فواحدٌ، وما من مسلم يصبح ووالداه عليه ساخطان إِلَّا كان له بابان من النار، وإن كان واحداً فواحدٌ، فقال رجل: يا رسول الله، فإن ظلماه؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه، (ثلاث مرّات).

القانون لا يشير إلى عقوبة للعقوق
أنيس جمعان
أنيس جمعان
من جهته، أكد القاضي أنيس جمعان، في حديثه لـ "لأيام"، بأن جرائم السب والاعتداء على الوالدين تتطلب إجراءات قانونية عند الشكوى، كأن يكون للشاكي شاهدان اثنان على الواقعة.

وأشار جمعان إلى أن القانون اليمني لا يشير إلى "العاق"، ولكن هناك مواد عامة تتعلق بالإيذاء العمد الخفيف، حيث تنص على الأرش والحبس مدة لا تزيد على سنة أو الأرش والغرامة لمن اعتدى على سلامة جسم غيره بأي وسيلة وأحدث به جرحاً لا ينضبط مقداره أو تسبب بضرر في الصحة إذا لم ينجم عن الاعتداء مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً.

واضاف: "وتكون العقوبة بالحبس لمدة أقصاها ثلاث سنوات، أو الغرامة، فضلاً عن الأرش أذا أفضى الاعتداء إلى مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً، وكذا المادة (254)، وهي التي تعنى بالتهديد وتنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة لكل من هدد غيره بأي وسيلة، بارتكاب جريمة أو بعمل ضار أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه، حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعاً لدى من وقع عليه"

وتنص المادة رقم (291)، تعريف السب هو إسناد واقعة جارحة للغير لو كانت صادقة لوجبت عقاب من اسندت إليه قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، وكذلك كل إهانة للغير بما يخدش شرفه أو اعتباره، دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة إليه.
وعقوبتها في نص المادة رقم (292) التي تقول: "كل من سب غيره بغير القذف يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة، ولو كانت الواقعة المسندة للمجني عليه صحيحة".

عبدالدائم قحطان
عبدالدائم قحطان
من جهته يضيف العقيد عبد الدائم قحطان: "من لا يستجيب للنصح يتم استكمال إجراءات التحقيق معه وجمع الاستدلالات وأقوال الوالدين، ويتم إحالتهم للنيابة لتقوم بدورها، أما أن تحل القضية وداً أو تحال إلى المحكمة للبت فيها".

وعن فترة الاحتجاز قال قحطان: "من 24 إلى 48 ساعة، لكن بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد، بعض النيابات والمحاكم لم تباشر عملها بشكل مستمر، فلهم تقديراتهم الأمنية الخاصة ولهذا الحجز يمدد لفترة آخري، وذلك بالتنسيق مع أعضاء ووكلاء النيابات، ولكن بعض القضايا الكبيرة، مثل القتل، تستدعي الحجز ويتم الحجز فيها حتى بدون التنسيق مع النيابة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى