رجال في ذاكرة التاريخ: الفقيد المناضل محمد عبادي حسن.. سفير التوأمة بين كارديف وعدن

> نجيب محمد يابلي

> الميلاد والنشأة
محمد عبادي حسن
محمد عبادي حسن
الأخ والصديق العميد محمد عبادي حسن صالح المردعي من مواليد قرية قرنة في جبل جحاف "إمارة الضالع" عام 1943م لأسرة فلاحية فقيرة وفي سن السادسة التحق بكتاب (معلامة الفقيه علي الحاج العدف، وبعد سنتين أرسله والده إلى منطقة الحود لمتابعة دروسه على يد الفقيه حمود السنمي الذي لاحظ تعلق الفتى محمد بالعلم، فأشار إلى والده بإرساله إلى جبلة (إب) لدراسة العلوم الشرعية.

ثورة 26 سبتمبر ونقطة انطلاق الشاب محمد عبادي
قامت حركة 26 سبتمبر، 1962م في صنعاء على أيدي ضباط شباب تقدمهم عبدالله السلال، وكان الشاب محمد عبادي في جبلة فانطلق مع عشرات الشباب من الضالع وردفان ولبوا نداء الثورة وعاد محمد عبادي وشباب آخرون للإعداد لثورة جنوبية وقاموا بتشكيل قيادتين عسكرية واستخبارية وأرسلت القيادة العسكرية إلى الجمهورية العربية اليمنية، حيث تلقوا تدريباً على أيدي خبراء عسكريين معنويين، وكان الفقيد محمد أحمد الحبيشي قائداً للمجموعة العسكرية الجنوبية وكان، رحمه الله، من منطقة الحزيبة بالضالع.

كانت هناك قاعدتان عسكريتان في الضالع إحداهما عربية تتبع جيش اتحاد الجنوب العربي والأخرى تتبع الجيش البريطاني، وكان الثوار يقومون بعمليات عسكرية ضد القاعدة البريطانية في الضالع، بالإضافة إلى توزيع منشورات بنشاطاتهم وساهمت المنشورات في رفع الوعي وسط أبناء الإمارات والمناطق المجاورة.

من رفاق دروب محمد عبادي حسن: علي بن علي هادي، قاسم سيف علي عنتر، صالح مصلح قاسم، علي شايع هادي، هادي عامر، محمد سالم الزجر، عبدالله ناجي الحود، سيف حمود الشيخ، الشيخ عبدالله حمود السنمي، محمد حمود هادي، علي صالح القاضي، أحمد مهدي، عبدالله مثنى، محمد حميد محسن، محسن شايف، وآخرون.
محمد عبادي حسن أثناء الدراسة في الكلية الحربية بالقاهرة عام 1967صورة للفقيد مع محافظة كاردف والدكتور الشعيبي
محمد عبادي حسن أثناء الدراسة في الكلية الحربية بالقاهرة عام 1967صورة للفقيد مع محافظة كاردف والدكتور الشعيبي

محمد عبادي في صفوف جبهة التحرير
في 13 يناير 1966م تم دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير في إطار جبهة التحرير (FLisy) من نفس الوحدات العسكرية التي كان الفقيد أحد رموزها الأوائل وأصبح الفقيد من رموز جبهة التحرير، وكان يزاول مهاماً أخرى كمسؤول في القيادة السرية لجيش التحرير في منطقة الضالع وفي مناطق الشيخ عثمان والتواهي وكريتر والمعلا والمنصورة حتى العام 1966م.

عبادي في خندق واحد مع جيش مصر
في مارس 1966م غادر محمد عبادي على رأس كتيبة عسكرية من جيش التحرير إلى قاهرة المعز للدراسة والتدريب في الكلية الحربية وكان شقيقة ناجي عبادي حسن قد سبقه إليها وتدربوا هناك على فنون وأساليب القتال، وقاتل عبادي ورفاق دربه في الكلية في خندق واحد مع أشقائهم من أفراد الجيش المصري في وجه العدوان الإسرائيلي على مصر في يونيو 1967م، وتزامن تخرجهم من الكلية الحربية في القاهرة مع عيد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، ونزح الرفاق من جبهة التحرير إلى الشمال وسبقت ذلك انتكاسة حركة 5 نوفمبر، 1967م الانقلابية على المشير عبدالله السلال.

ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى المصيريتين
مضت الأيام في الاتجاه المعاكس لنفسيه الإنسان التواقة إلى طعم لذة العيدين ومحيط الوالدين، ففي ليلة عيد الفطر الموافق 30 رمضان 1383هـ وصل إلى ميناء الحديدة ومنها واصل رحلته براً إلى تعز، والتحق هناك بسلاح المظلات برتبة ملازم ثانٍ بناء على شهادة الكلية الحربية بمصر وهزه الشوق للأهل بعد شهرين فأخد إجازة عارضة مدتها خمسة أيام لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك، وفي الساعة الواحدة من فجر يوم عيد الأضحى المبارك الموافق 2 مارس، 1968م وصل إلى منزله بقرية القرنة، ونتيجة استمرار الخلافات بين رفاق العمل الوطني احتجزت السلطات محمد عبادي في دار الحيد مقر سكن، العطر الذكر، الأمير شعفل بن علي، ودام احتجازه ظلماً وبهتاناً لمدة ستة أشهر.

غادر محمد عبادي الضالع متجهاً إلى عدن حيث تعرض للملاحقات هناك فغادر إلى القاهرة ومنها إلى كارديف (Cardiff) عاصمة إقليم ويلز (Wales)

ورشة لحام أضرت صدر عبادي
بعد أن حط رحالة في العاصمة كارديف وجد فرصة عمل في أحدى ورش اللحام التي تعتمد على مادة الرصاص الذي ألحق ضرراً بجهازه التنفسي وخضع بعد ذلك للعلاج وحصل بعد ذلك على إجازة مرضية (Siek LEAVE).

تم انتخاب محمد عبادي حسن في قيادة نقابة العمال في كارديف، وظل يمارس عمله النقابي ليساعد أبناء الجالية اليمنية في أداء مهامهم من ناحية، وربطهم بالوطن من ناحة أخرى، كما تم انتخاب محمد عبادي حسن في قيادة الجالية اليمنية في كارديف في عدة دورات ونسج علاقات طيبة مع كافة أبناء الجالية وبكافة المسؤولين في المقاطعة، وكان عبادي من أنصار حزب العمال البريطاني على مستوى إقليم ويلز، وعلى وجه الخصوص المجالس المحلية في مدينة كارديف.

عبادي توارى بعد 30 نوفمبر، وعاد بعد 22 مايو.
قدم الأخ المناضل صلاح قائد الشنفرة شهادة للتاريخ وردت في كتاب "تأبين فقيدنا محمد عبادي حسن":

"إن الفقيد الكبير محمد عبادي حسن علم من أعلام الجنوب وهامة من هامات التاريخ النضالي لأبناء جحاف والضالع والجنوب في الثورة وفي صنع الاستقلال فقد عاش كبيراً في صفاته وفي أخلاقه وقيمه في تعامله مع الآخرين.. ولم يمنن يوماً بما قام به من أدوار على أحد، وآثر الرحيل والاغتراب عن الوطن الذي أعطاه حياته وروحه، وتحاشى الصدام مع رفاق السلاح.. لقد عاش الفقيد بعيداً عن الوطن منذ ما بعد الاستقلال بسبب الصراعات المعروفة التي حصلت آنذاك ولم يعد للوطن إلا بعد 22 مايو 1990.."

شهادة السفير والوزير صالح مثنى
الأخ المناضل صالح عبدالله مثنى، السفير الجنوبي لدى بريطانيا قبل الوحدة ووزير النقل بعد الوحدة، قدم شهادته للتاريخ وردت في كتاب التأبين، بأنه بعد أن تولى مهامه كسفير في لندن كان محمد عبادي في كارديف المدينة التي عاش فيها المناضل الكبير الشي عبدالله علي الحكيمي، وتحدث الأخ مثنى عن سنوات نضال عبادي ورأى ضرورة عودته إلى الوطن واقتنع القيادي الكبير علي أحمد ناصر عنتر، رحمه الله، بعودته لولا أن تعرض المناضل الكبير علي بن علي هادي، في القاهرة، لحادث مروري وتطور الأحداث في الداخل وتفجر الأوضاع في يناير 1986، التي أرجأت عودة الأخ عبادي..

تحدث الوزير مثنى أنه عرض وظيفة وكيل مساعد في وزارة النقل على الأخ عبادي، الذي عبر عن عدم رضاه بأوضاع البلاد فآثر البقاء في كارديف.

شهادة الحبيب سلطان الشعيبي
حبيبنا الفقيد سلطان محمد الشعيبي، وكيل محافظة عدن، وردت شهادته للتاريخ في كتاب "تأبين فقيدنا وحبيبنا محمد عبادي حسن" بأن فقيدنا عبادي أحد الذين وضعوا رؤوسهم على أكتافهم وحملوا مشعل الثورة حتى تحقق الاستقلال، وكان له دور في نشر الفكر القومي بين أوساط المواطنين وأنه كان قيادياً في إطار التنظيم الشعبي للقوى الثورية الذي ولد من رحم التيار الناصري وأنه لعب دوراً وطنياً بارزاً في وحدة الجالية اليمنية وأسهم إسهاما متميزاً في دعم التعاون الأهلي الرائد آنذاك.

الشيخ سيف العزيبي يقدم شهادته للتاريخ
وردت في كتاب "تأبين فقيدنا عبادي" كلمة المناضل الوطني الشيخ سيف بن محمد فضل العزيبي، عضو المجلس الاستشاري في 8 فبراير 2010م، بأن فقيدنا عبادي غادر الوطن مكرهاً بعد أن دفع ضريبة نضاله الوطني مع أهلنا في الضالع من الفدائيين وعددهم (157) بطلاً، استشهد منهم (27) شهيداً أثناء سير المعارك مع العدو.
وأضاف الشيخ العزيبي بأن فقيدنا عبادي أصبح رقماً في كارديف لصالح مرشحي كارديف في الانتخابات البلدية والبرلمانية، وظلت علاقته حميمية مع رفاق الدرب وأنه يقدم مساعدته لكل من يصل إلى بريطانيا ويتحمل مشاق السفر من كارديف ليصل إليه.

عبادي سفير التوأمة بين كارديف وعدن
دخل فقيدنا محمد عبادي حسن التاريخ عندما وظف العلاقات التاريخية بين ميناءي كارديف وعدن، وكما ورد في مرثية نجيب محمد يابلي التي تصدرها مانشيتان.

ماذا يعني جبل جحاف لعبادي؟ وماذا يعني جبل شمسان لكارديف؟
شهد أبريل 2004م حراكاً محموداً للفقيد عبادي عندما ربط جسراً فاعلاً بين د. يحي محمد الشعيبي، محافظ محافظة عدن، واللورد جوردن هولستين، عمدة مدينة كارديف، والتقارب هذا يحمل دلالة تاريخية يعيها المهتمون بالتاريخ الحديث.

كما حمل الفقيد أثناء زيارته لعدن في أبريل 2004م دعوتين إحداهما دعوة من عمدة كارديف إلى نظيرة الشعيبي، ودعوة من غرفة تجارة كارديف إلى نظيرتها غرفة تجارة عدن، واستقبله لهذا الغرض الشيخان محمد عمر بامشموس، رئيس الغرفة، وعبدالله الرماح، نائبه لشؤون التجارة، وغطت تفاصيل زيارته بالخبر والصورة "الأيام" المقهورة، آنذاك.

يناير 2010 وظلاله القاتمة على عبادي
الثلاثاء الحزين 19 يناير 2010 شهد صمتاً مصحوباً بالدموع عبرت عنه أولاً مدينة كارديف، عاصمة إقليم ويلز في بريطانيا، عندما نعى الناعي العميد محمد عبادي حسن المردعي عن عمر ناهز 67 عاماً ووري الثرى هناك، بعد الصلاة عليه في المسجد الكبير بمدينة كارديف، وشارك في تشييع الجثمان جمع غفير تقدمهم مسؤولون بريطانيون رفيعو المستوى حكوميين وبرلمانيين.
ضريح محمد عبادي حسن بمدينة كارديف
ضريح محمد عبادي حسن بمدينة كارديف

حوى كتاب التأبين، الذي صدر في أربعينية الفقيد محمد عبادي حسن، العشرات من برقيات التعازي والكتابات نثراً وشعراً وباللغتين العربية والانجليزية من أصدقاء الفقيد وكلها أشارت إلى مناقبه وأن وفاته كانت خسارة على الجميع، سواء في إقليم ويلز وخاصة كارديف، وعلى مستوى الوطن.
الفقيد محمد عبادي حسن المردعي متزوج ولديه خمسة أولاد، الذكور منهم ثلاثة هم: 1- جلال 2- سند 3- ناصر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى