مطر.. بين الحوطة وعدن

> د.هشام محسن السقاف

> أتعلمين أي حزن يبعث المطر

وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع

بلا انتهاء كالدم المراق كالجياع

كالحب كالأطفال كالموتى هو المطر

بدر شاكر السياب

عند أول غيث من الله على هذه المدينة العاصمة تجيء الكارثة وتغدو النعمة نقمة -والعياذ بالله- لأن عدن بلا راع، بلا مسئول، والقائم الأول عليها نائم في العسل، استطاب العيش في المثل الذي يتداوله أهل عدن: (النار تورث رمادا) عندما يتذكرون ماضيهم في عهد والده.

ليس أقل من أن يحال مسئولو الطرقات -حتى المتقاعدون منهم- إلى القضاء بما عبثت أياديهم بهكذا طرقات تتحول عند أول قطرة غيث إلى برك راكدة لا يستطيع اجتيازها إلا مغامر عنيد، ناهيك أن تكون مرتعا للجراثيم والأوساخ ولا أريد أن أضيف الفيروسات. أما جريان المطر في الطرقات والشوارع فغالبا ما يهدد حياة المواطنين في البيوت الأرضية الصغيرة، وكأن هذه البيوت هي فتحات تصريف المياه التي ترافق أي تخطيط عمراني للطرقات وسواها!

كانت عدن زهرة مدن بحار الدنيا، وكان كل شيء يجري بميزان وترتيب وتنظيم والقائم على أمرها (استعمار...) وربما سار على دواليب الإدارة البريطانية العصرية بنمطية المدينية والمدنية الحزب الاشتراكي اليمني في فترة حكمه الجنوب. وربما ساعده للحفاظ على ما هو قائم تجاوب السكان الفطري مع القانون والاصطفاف على إنفاذه، وربما قلة السكان كانت عاملا من عوامل ترتيب البيت الجنوبي وإصلاحه والاتجاه نحو استيعاب أي كارثة تحل ومحو آثارها سريعا كالأمطار والسيول وسواهما.

اليوم تأبيد للمآسي وإعادة تدوير الفاسدين ونفاياتهم التي تزكم الأنوف، والتهام كل مردودات المدينة الطيبة وكأنهم الثقب الأسود، وجعل إصلاح البنية التحتية مثل مساحيق التجميل لإخفاء الوجه البشع للفساد الممنهج.

إن هؤلاء وهؤلاء يصادرون الفرحة من صدور الناس إذا استبشروا خيرا بغيث من الله من به على هذه المدينة، إذ سرعان ما تغرق الشوارع وتصبح المطبات المليونية في الطرقات بركا تغوص فيها الأرجل والعربات، وتصبح البيوت -بيوت البسطاء والبؤساء من المواطنين- عرضة للجرف والغرق.

أما حوطة لحج فوضعها كارثي لا محالة، لاعتبارات جغرافيتها المحدودة جدا، واندثار الصرف الصحي واكتظاظها بالسكان، علاوة على قدم بيوتها الطينية العتيقة التي تضررت غير مرة من الأمطار في الشهور الأخيرة وستزداد الخطورة اليوم بعد هذه الأمطار.

وكلنا ثقة في الأخ المحافظ اللواء الركن أحمد عبدالله تركي، الذي شهادتنا فيه مجروحة ولكنها الحقيقة التي يجب أن ننصف بها الرجل الذي يهب دائما للعمل ووضع المعالجات السريعة لمثل هذه الكوارث التي تلم بالمحافظة لحج وحوطتها المحروسة، وسيكون المواطنون إلى جانبه لوضع تصورات علاجية شاملة ومستقبلية لوضع الحوطة وليست معالجات طارئة لإنقاذ هذه المدينة التاريخية كإجراء إستراتيجي يضمن لأبنائها السلامة من أي مخاطر قادمة، وليس بكثير أن تسجل الحوطة المحروسة بالله على قائمة التراث العالمي بعد أن نكبت قبل حرب 2015م وأثناء هذه الحرب وبعدها مباشرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى