سياسيون يستبعدون نجاح المبعوث الأممي

> مطالبات بمراجعة أداء الشرعية والتحقيق في الإخفاقات الميدانية والاستئثار الحزبي

> علي ربيع

يتفاءل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس منذ عامين دون توقف بأنه قادر على إنجاز ما فشل فيه مبعوثان سابقان من خلال التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا والجماعة الحوثية المدعومة من إيران. غير أن نخبا سياسية يمنية في اليمن ترى استحالة تحقيق مثل ذلك استنادا إلى خبرتهم في نتائج التفاوض مع الحوثيين على مدار السنين الماضية، وتنصل الجماعة من كل تعهداتها في كل مرة.

في موازاة هذا الطرح الطاغي في الشارع السياسي المؤيد للشرعية والمناهض للانقلاب أظهرت نتائج المواجهة العسكرية مع الحوثيين طيلة خمس سنوات أشبه ما يكون بالمراوحة في المكان ذاته، وسط اتهامات بالجملة لطريقة أداء الشرعية في إدارة الملف العسكري وهو الأمر الذي نجم عنه في الأخير الكثير من الإخفاقات في عديد من الجبهات لا سيما جبهتي الجوف ومأرب، ما جعل الأصوات من داخل أروقة الشرعية نفسها ترتقع عاليا داعية إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات العسكرية القائمة ومحاسبة القادة الذين ثبت عدم أهليتهم لتصدر واجهة اتخاذ القرار وإدارة المعركة على الأرض.

ولعل هذا الإخفاق أو التراجع عن التقدم باتجاه صنعاء، أعطى المبعوث الأممي وبقية الأطراف الدولية ذات الصلة باليمن الفرصة أكثر من ذي قبل للضغط نحو إحراز سلام مع الحوثيين.

حتى اللحظة، ووفق العديد من المهتمين بالشأن اليمني لا يزال الأفق المحتمل لقدوم ذلك السلام مشوبا بالغموض والضبابية خاصة مع رفع الجماعة الحوثية سقف تطلعاتها لفرض وجودها بديلا عن الشرعية أو على الأقل حاكمة لها في أي صيغة مستقبلية. وهو ما يجعل السؤال يتجلى أكثر حول طبيعة الفرص الممكنة الآن أمام الشرعية والقوى المؤيدة لها لتجاوز عثراتها الماضية.

سراب خادع
وكيل محافظة صنعاء الشيخ عبد الإله أبو غانم يرى أن مساعي جريفيثس الأخيرة لن تكون أنجح من سابقاتها لأن قرار الجماعة الحوثية يأتي من الضاحية الجنوبية ومن طهران، بحسب تعبيره.
ويقول أبو غانم في حديثه لـ «الشرق الأوسط»: «لقد تكونت عند اليمنيين تجربة طويلة ومؤلمة مع الميلشيات الحوثية منذ عام 2004 ابتداء بالحرب الأولى في صعدة حتى سقوط العاصمة في عام 2014 والانقلاب على الشرعية الدستورية».

ويستدعي وكيل محافظة صنعاء وهو أيضا يشغل منصب نائب الدائرة السياسية في حزب «المؤتمر الشعبي» أكثر من 80 اتفاقا مع الميليشيات الحوثية قال إنها «لم تر النور ولم تلتزم الجماعة بأي هدنة أو اتفاق للسلام وآخر مثال هو اتفاق ستوكهولم الذي عطلته الجماعة واستمرت في القيام بعشرات من الخروق اليومية ضد قوات المقاومة المشتركة الموجودة في الساحل وفي ظل وجود المراقبين الدوليين».

ويعتقد أبو غانم أن الجماعة الحوثية استفادت من الاتفاق للسيطرة على مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة وإدخال الأسلحة والخبراء الإيرانيين، كما يشير إلى استفادة الجماعة كذلك من توقف عمليات التحرير في الساحل الغربي وأنها فتحت شهيتها لإسقاط مديرية حجور والسيطرة على نهم والوصول إلى الجوف. ويؤكد «أن الحوثيين لن يقبلوا بالسلام طالما القوة والثروة ما زالت بأيديهم».

وينتقد وكيل صنعاء جهود جريفيثس ويقول إنها «تتستر على جرائم الميليشيات» داعيا في الوقت نفسه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والتحالف الداعم للشرعية إلى اتخاذ الموقف المناسب في اتجاه ما أشار إليه بـ «محاولة المبعوث الدولي الشرعنة للمليشيات الانقلابية».

توحيد المكونات السياسية
جوهر الطرح ذاته فيما يخص عدم الثقة بالمبعوث الأممي، يذهب إليه وكيل وزارة الشباب والرياضة في الحكومة اليمنية حمزة الكمالي، حيث يشير إلى أن جريفيثس «لا يزال يسلك نفس الطرق التي لن تؤدي إلى سلام في اليمن» ويجزم أنه «إذا لم يكن هناك جدية في التعاطي مع عرقلة الحوثيين للسلام فستظل كل الجهود تدور في نفس الدائرة المفرغة دون الوصول إلى شيء».

وأضاف الكمالي «لا بد أن يعرف الحوثي بأنه يخطئ ويعرقل السلام بشكل واضح كما لا بد ألا يتم التعامل معه بأنه يسير في الطريق الصحيح أو تدليله والسكوت على الأخطاء التي يرتكبها بحق عملية السلام برمتها».
أما الأمر المهم في تصور الكمالي فهو يكمن «في كيفية توحيد جميع المكونات السياسية باتجاه صناعة السلام، وكيفية تجاوز الأخطاء والتباينات ليكون المشروع الواضح هو مشروع استعادة الدولة وهو المشروع الذي قام من أجله التحالف العربي والذي يسير من أجله لاستعادة الشرعية».

ويرى الوكيل وهو أيضا عضو الفريق الإعلامي للحكومة اليمنية في مشاورات السويد أنه من الضرورة «أن يتم توحيد جميع الفرقاء اليمنيين في معسكر الشرعية سواء أكان الذهاب نحو حسم عسكري أو نحو مسار سلام»، ويقول «يجب أن توحد الصفوف بشكل كامل للتعاطي مع الملفات لأنه لا يمكن القبول بأن يبقى الوضع على ما هو عليه».

وعن طبيعة الصيغة التي يمكن أن يقوم عليها السلام مع الحوثيين، يؤكد الكمالي «أن أي صيغة تضمن سحب سلاح الحوثيين واحتكار استخدام السلاح والقوة على الدولة هي صيغة مرضية للجميع أما بقاء السلاح بيد الحوثي فهو اللغم المستقبلي الأهم».
ويشدد الكمالي على أن الشرعية لن تقصي أحدا، حتى الحوثيين، ويرى أن المشكلة تكمن في أن الحوثي «لا يرى وجوده إلا بقوة السلاح لأنه يعرف أنه ليس له قبول شعبي ولا جماهيري».

بندقية مؤجرة
لا يذهب وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية عبد الباسط القاعدي عن طرح أبو غانم والكمالي إذ يؤكد في السياق نفسه «أن جريفيثس يبحث عن استمراره كمبعوث أكثر من أي شيء آخر، لأنه منذ تكليفه في هذه المهمة لم يحقق أي شيء بل ينتقل من إخفاق إلى آخر، ويقود الملف اليمني إلى مزيد من التأزيم». بحسب تعبيره.

وحتى الإنجاز اليتيم لجريفيثس المتمثل في اتفاق ستوكهولم ينظر إليه القاعدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أنه «إخفاق مركب» ويقول «بدلا من إيجاد حل لمشكلة الحديدة والوضع الإنساني المتفاقم كما كان يروج حينها زاد الطين بلة وشرعن للميليشيات بقاءها وأصبحت المعاناة الإنسانية أمراً حتمياً يتجرعه المواطن يومياً، كما حال جهد المبعوث دون انتزاع المدينة والموانئ من قبضة الميليشيات وبالتالي استمرار معاناة الناس وأزماتهم».

وفي معرض تفنيد القاعدي لفكرة إمكانية رضوخ الحوثي للسلام، يجزم أن الجماعة «تتعامل مع الجهود الدولية والإقليمية الداعية للسلام باعتبارها محطات لإعادة ترتيب أوضاعها واستعادة أنفاسها وبدء مرحلة جديدة من العنف».

وفي حين يذكر القاعدي بعشرات المواثيق والاتفاقات التي نقضتها الجماعة الحوثية، يضيف «أن الحوثي ينطلق في قتاله ضد اليمنيين وضد الإقليم باعتباره يقوم بأمر الله، فبقاؤه حاكما هو حق إلهي كما يزعم ولذا يسمي نفسه العلم أي صاحب سلطة أعلى من أي سلطة في الدنيا، ما يجعل من طاعته وتقديم الولاء له قربة إلى الله، فلا يجب بأي حال من الأحوال انتقاده أو اتهامه بشيء ومن هذا المنطلق لن يسلم السلاح ولن يرضخ للسلام ولن ينزل البندقية من على كتفه إلا إذا أسقطت بالقوة».

والسبب الآخر الذي يحول دون التزام الحوثي بالسلام -بحسب ما يراه القاعدي- «كونه بندقية مؤجرة لنظام الولي الفقيه في طهران لإلحاق الأذى باليمن وبجيرانها» وبالتالي فالحوثي بهذه المواصفات يعني أنه «ربط مصيره الوجودي بمصير النظام الإيراني وجعل ذلك مسألة حياة أو موت».

ويحيل وكيل وزارة الإعلام اليمنية إلى طقوس الحوثيين المتعددة وما يطرحونه في مجالسهم ومراكزهم التعليمية والثقافية وأهازيجهم الحربية ويرى أن ذلك دليل على أن «الحوثي صناعة إيرانية خالصة من الشعار حتى الكنى والتسميات، والألفاظ والعبارات والاستعارات والتسميات والشعائر الدينية والطقوس الدينية والرسوم التعبيرية وأيام المناسبات وكل شيء على الإطلاق».

تقييم الإخفاقات
إذا كان كل الطرح السابق للسياسيين اليمنيين يفيد باستحالة تحقيق السلام مع الجماعة الحوثية، يظهر أن أغلبهم يراهن على الحل العسكري، لكنهم يدعون إلى إعادة النظر في آليات قيادة المعركة وإلى نبذ الاستئثار الحزبي بالإدارة والمناصب.
ويعتقد وكيل محافظة صنعاء عبد الإله أبو غانم - في هذا السياق - أن تراجع الشرعية في نهم والجوف أخيرا يعود «إلى الفشل والفساد الكبير في إدارة المعركة» من قبل من وصفهم بـ «الطرف المسيطر على الشرعية والقادة الذين تسلموا مهمة بناء الجيش الوطني».

ويذهب أبو غانم إلى القول بأن هناك «تحالفات جديدة وأهدافا مشتركة بين جناح الإخوان الموالي لقطر وتركيا مع الميليشيات الحوثية الإيرانية وهي تعد أبرز الأسباب الرئيسية في الانسحابات التي حصلت من مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة الشرعية» وفق تعبيره، كما يشير إلى «وجود آلاف الأسماء الوهمية في صفوف الجيش الوطني وعدم الالتزام بالمعايير العسكرية لتعيين أصحاب المؤهلات والخبرات في قيادة الجيش».

ودعا أبو غانم إلى تشكيل لجنة محايدة بقيادة التحالف ورئاسة الجمهورية وقيادات عسكرية وتنفيذية للتحقيق في الأسلحة التي قال إنها «نهبت أو ُسلمت للحوثي وفي الانسحابات الكبيرة التي حصلت أخيرا»، لكنه في الوقت نفسه أثنى على خطوة تعيين الفريق الركن صغير بن عزيز رئيسا لأركان الجيش.
وقال «إن إصلاح الجيش لن يتأتى إلا باستبعاد الفاشلين والمتواطئين وإعادة ترتيب الأوضاع في دوائر وزارة الدفاع وقادة الألوية والأركان وفتح باب التجنيد لكل الشرفاء والمقاتلين من الضباط والجنود والقبائل الشرفاء لتحرير اليمن» بحسب تعبيره.

اعتراف بالقصور
يعترف الوكيل القاعدي بوجود قصور في إدارة المعركة، لكنه يرفض تخوين أطراف الشرعية ومناهضي الانقلاب لبعضهم، ويقول «في هذا السياق أرفض لغة التخوين والاتهامات الموجهة لهذا الطرف أو ذاك وبالذات الموجهة للأحزاب السياسية فهذا الأمر كفيل بتمييع القضية وحرفها عن مسارها الوطني وتوزيع دم الخسارة بين الأحزاب، فالمسؤولية وطنية وهناك جيش ووزارة دفاع وحكومة ودولة وهؤلاء معنيون بفتح تحقيق ومعالجة ما حصل».

ويضيف «بعد انكسارات الجوف هناك حاجة إلى أخذ نفس عميق من الشرعية لمراجعة الأداء خلال السنوات الماضية الذي راكم الكثير من الإخفاقات سحبت نفسها على أداء الجبهات عموماً، فجبهة الشرعية حينما انطلقت ضد الحوثي كانت واحدة بعكس الحوثي واليوم وبعد خمس سنوات نجد أن جبهة الشرعية متفرعة ومتشعبة لأسباب ذاتية وأخرى غير ذاتية».

ويرى القاعدي أن «إعادة توجيه المعركة نحو الحوثي بحاجة إلى الجلوس ووضع كل الأسباب على الطاولة بكل شفافية وإخضاعها للمراجعة والتقييم والمعالجة».

أما بالنسبة لمن يتحمل المسؤولية عما حدث من انكسارات فالأمر كما يشير القاعدي «متعلق بوزارة الدفاع وبقيادة الدولة المعنية بالتحقيق في مسببات ما حصل واتخاذ اللازم إزاء ذلك ليس من أجل ضمان استعادة ما تم خسرانه وإنما لتوفير شروط معركة تستعيد عاصمة اليمنيين وتحرر كل المحافظات من قبضة الميليشيات الحوثية».

ولعل أهم أمر ينبغي الوقوف أمامه - والحديث للقاعدي «هو كيفية توحيد كل الجبهات وإخضاعها لغرفة عمليات واحدة في إطار الشرعية تدير المعركة بشكل متوازي ومتزامن بالإضافة إلى انتظام صرف مرتبات الجيش والاهتمام بملف الجرحى وتقديم نموذج ناجح ومشرف ومغري في المناطق المحررة وتفعيل كافة أدوات الدولة وتدمير نقاط القوة التي تسيطر عليها الميليشيات».

وبحسب ما يتصوره وكيل وزارة الشباب والرياضة حمزة الكمالي فإنه «لا بد أن يعاد النظر في استراتيجية الجيش الوطني حيث إن هناك بعض المشكلات والاختلالات التي يجب أن تعالج».

ويعتقد الكمالي أنه «إذا استمر الحال كما هو عليه فإن ذلك يعني تسليم اليمن للحوثي على طبق من ذهب». ويضيف «لا بد من وجود معالجة لوضع الجيش من الداخل ومعالجة الاختلالات التي تشوب عمل أداء بعض إدارات الدولة وهذا هو الأمر الأساسي لإعادة الاستقرار، إذ إنه لا يمكن الانتصار على الحوثي والعودة إلى صنعاء طالما استمر الأمر بالطريقة نفسها». على حد تعبيره.

"الشرق الأوسط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى