الليالي المظلمة "قصة قصيرة"

> همام عبدالرحمن باعباد

> ظننت أن الأحداث ستتمحور حول آخر ليالي الشهر الهجري التي تتصف بالسواد، ولكن هناك ليالي أخرى كانت تكتحل بالظلام.
أجبرني البعوض والحر الشديد على مغادرة الغرفة وعيوني تمتلئ بالنوم وجسدي منهك من تعب يوم طويل أمضيته تحت لفح شمس الصيف الحارقة.

ومثلما هي عادتي، إذ أخصص جزءاً من وقتي للقراءة، فكان حظي هذه الليلة قراءة رواية "الليالي المظلمة" التي شدني عنوانها ووجدت نفسي ألجّ إلى صفحاتها الداخلية، بحيث لم أتفكر في اسم المؤلف، إذ إن العنوان بدا وكأنه يجبرني على البحث عما جاء في الكتاب مسيطر على إعجابي الذي أكدته تفاصيل الفصل الأول وعندما وصلت إلى فقرة "وانطفأت الكهرباء، فإذا بالبعوض يكثف من غاراته هذه الليلة أكثر مما سبق من الليالي ولعل ذلك مبعثه تراكم القمامات ووجود المستنقعات وعدم توفر حملات رش كافية" إذا بالتيار الكهرباء يعلن المغادرة في رحلة ذهاب بدون ميعاد محدد للعودة، عندها لم أجد بداً من مغادرة الغرفة التي تحولت في مدة وجيزة إلى فرن لافح، أخذت أعبث في جوالي متنقلاً في تطبيق "الواتساب" من مجموعة إلى أخرى لعلي أجد فيها ما يفرح بخصوص الكهرباء، فإذا بسيل من الرسائل يتوافد تباعاً وكأننا في حرب دردشة، بعض الرسائل تحمل الامتعاض مما يحصل وبعضها ساخطة من المشكلة المتكررة في مثل الموعد من كل عام وبعضها تلتمس العذر لمؤسسة الكهرباء وبعضها تسخط على الاستعدادات الضعيفة كما تقول، عندها وجدت من الأفضل لي أن أصعد إلى السطح لعلي أجد فيه نسمات هواء تساعد جسدي المنهك في الحصول على قسط من الراحة لكن أنى ذلك في ليالي الأربعينية، فالهواء متوقف والرطوبة مرتفعة وبين هذا وذاك جسدي يتصبب عرقاً، لم أجد بداً من محاولة التكيف مع الواقع فوضعت رأسي على الوسادة وإذا بصراخ رضيع حديث الولادة يقطع غفوتي وبينما تحاول مربيته عبثاً إسكاته إذا بصوته يزداد وينقص وكأنه يتناسب طردياً مع قسوة الجو وكيف لا يكون ذلك وأنا الشاب أضيقُ ذرعاً بالحرارة المرتفعة وغارات البعوض التي فشلت وسائل المكافحة في إيقافها.

سرحت في تفكيري وإذا بقائمة من المبررات تنتصب أمام ناظري: "الأحمال، الخطوط، الرطوبة، ترب، شحة الوقود، المفاتيح" وما أحلى الترب فهو أهون من البقية فما هي إلا دقائق ويعود التيار الذي لا يستطيع الإيفاء بمتطلبات المديرية التي تتوسع في البنيان والاستثمارات.
لكن عودة البدر للظهور من وراء غيوم كثيفة، أيقظ بداخلي عزيمة العودة إلى القراءة طالما أن النوم قد أضحى سابع المستحيلات ولأن الرواية تتناول المشكلة التي أعيشها الآن، فعدت لأستأنف القراءة وإذا بعيني تقف لتأمل ما سطره الكاتب: "وهذا العام نتمنى أن ننعم فيه بصيف بارد يعوضنا عما عانيناه في الأعوام السابقة، فيكفي شرقستان ما عانته فيما مضى من السنين وآن الأوان لأن نقول: وداعاً لانقطاعات الكهرباء، ولنحتفل بصيف بارد تكون فيه الكهرباء خطاً أحمر أمام الانقطاعات"، عندها جاءت الكهرباء فنزلت من السطح مسرعاً لعلي أن أستطيع تعويض بعض ما فاتني وما أن وضعت جسدي على الفراش إذا بالكهرباء تغادر مجدداً فتخيلت نفسي أقرأ الفقرة الأولى من الصفحة الرابعة التي تقول: "والعجيب في كهرباء الريدة وقصيعر كثرة انقطاعاتها مع أن حالتها مشخصة تماماً، بينما عز الحصول على علاج ناجع لمرضها الذي يعاودها كل صيف".

عدت لأطالع ما جاء في وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا بأحدهم يرسل صورة مكعب ثلج كبير، فتخيلت أني أقف في طابور للحصول على قطعة ثلج تقوم بمهام الثلاجة التي توفيت سريرياً بسبب الانقطاعات الكثيرة لكهرباء شرقستان.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى