المعاق والهم الوطني

> جهاد عوض

> يلتبس الفهم وتقل المعرفة لدى كثير من الناس عن مشاعر وأحاسيس المعاقين نحو بعض القضايا والأمور العامة والوطنية، معللين بأنهم واقعون في هم معاناتهم وظروفهم الصحية والحياتية المحيطة بهم، التي لا تدع أي عامل أو فكر آخر ينتابهم ويشغلهم عما يعانوه كالتفكير بالهم الوطني، وما يجري ويحدث في الوطن من فعاليات وأحداث.

المعاق يا هؤلاء، مثله مثل سائر البشر، لكن بإمكانات أقل، وله مشاعر وإحساس متنامي لا يفارقه أبداً، بالحب والانتماء للوطن تفوق ما لدى البعض الذي يقولون فيه كثيراً ولا يعملون لأجله إلا قليلاً، المعاق ليس أسيراً لهمومه وذاته كما يقال، بل يدرك ويتأثر بما بجري ويعتمل من حوله في البلد عموماً، وعندما يكون صاحب إرادة وشجاعة، يجعل الواقع والمستحيل حقيقة لا تخفيها العين إلا من به عمى في عينه ومرض في قلبه.

وقد شهدنا في الحرب الأخيرة التي شنت على عدن في 2015 وما قام به وجسده بعض المعاقين من تقديم المساعدات والتبرعات المادية والعينية، لدعم الجبهات والمقاتلين حسب إمكاناتهم وقدراتهم الخاصة، بل لم يكتف البعض منهم بذلك، إنما سخر ووهب نفسه وروحه في سبيل الدفاع عن الوطن.

لم يتحمل المعاق مناظر الدمار وقتل الأبرياء والنساء والأطفال في مدينته المسالمة، بل تحركت وفاحت روح الوطنية والانتماء في نفسه، فانطلق وإن كانت مبتور أحد القدمين، لتلبية نداء الواجب المقدس الذي تخلى وتقاعس البعض عن الوفاء به نحو وطنه. لم ينتظر أو يبحث عن عذر له يعفيه عن أداء الواجب الديني والوطني، كغيره من الأسوياء الذينَ بعضهم يبيعون كلاماً ويقولون شعراً في الوفاء والفداء للوطن وترابه، فاتجه إلى ساحات الوغى والمعارك متنقلاً بين الخنادق والمتارس، يد على الزناد والأخرى متكئ على عصاه ليتنقل بها.

صحيح أن المعاق يعاني ويقاسي هم الإعاقة، بل مهضوم ومحروم من حقوقه التي كفلتها وأقرتها له الحكومة، ويقرأ ويسمع ترديدها يومياً على لسان مسؤوليها وفي وسائل إعلامها المختلفة، كمن يرى جعجعةً ولا يرى طحيناً. إلا أن النوازع والمشاعر الوطنية النبيلة في عقله وقلبه ثابتة وراسخة لا تتغير ولا تؤثر عليها المؤثرات الصحية والاجتماعية المحيطة والمحبطة أحياناً لذاته وإعاقته. جعل من حبه وإخلاصه لوطنه درساً ومثالاً يحتذى به في المجتمع وللأجيال القادمة في الانتماء والدفاع عن حياض العرض والأرض.

وهنا نؤكد حقيقة المعاق الإنسان المنتمي لهذه الأرض والغيور عليها، ليبعد من في قلبه شك، وعينه قصر نظر نحوه، وبأنه أسير لهمومه وذاته فقط، ولا يفكر بالحرص على الانتماء الوطني، وبالتالي التضحية بكل ما يملك بماله وروحه في سبيله ورفع شأنه. نعم يعاني من عجز نسبي في حركته، إنما بالإيجابية والثقة بنفسه وعدالة قضيته، أصبح إنساناً آخر ورمزاً عالياً يحتذى بقوله وفعله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى