مجزرتا سناح ومطار عدن ودور المحكمة الجنائية الدولية

> القاضي أحمد عمر بامطرف

>
  • بمناسبة ذكراهما السنوية الواحِدة..
ق. أحمد بامطرف
ق. أحمد بامطرف
صادف يوم الاثنين الماضي، 27 من شهر ديسمبر المنصرم، الذكرى الثامنة للمجزرة الوحشية التي وقعت في منطقة سناح بمحافظة الضالع، والذكرى الأولى لمجزرة مطار عدن الدولي، ففي مثل ذلك اليوم من عام 2013، ارتكب اللواء 33 مدرع الذي كان مرابطا في مدينة الضالع آنذاك بقيادة المجرم (عبدالله ضبعان) مجزرة وحشية ضد حشدٍ كبير من المواطنين من أبناء الضالع في أثناء حضورهم مجلس عزاء أقيم في مدرسة بمنطقة سناح؛ من أجل تقديم التعازي والترحم على أرواح مجموعة من الشهداء من أبناء الضالع، فقام أفراد من اللواء المذكور بإطلاق قدائف الدبابات مباشرةً على المواطنين في مجلس العزاء، وسقط من بينهم على الفور 25 شهيدا، تحولت أجسادهم إلى أشلاء متناثرة، بالإضافة إلى عشرات الجرحى من الشباب والأطفال والشيوخ، توفي كثير منهم فيما بعد متأثرا بجراحه.

وفي نفس التاريخ 27 ديسمبر الماضي، تُصادِف الذكرى الأولى لمجزرة مطار عدن الدولي، ففي مثل نفس اليوم من عام 2020 اُطلِقت عدة قذائف صاروخية على حكومة المناصفة برئيسها وكامل أعضائها عقب وصولهم في الطائرة التي أقلتهم من الرياض إلى مطار عدن، ولم تُعلِن أية جهة عن مسؤوليتها عن الحادث الذي نتج عنه أكثر من مائة شهيد وعشرات الجرحى من المواطنين المسافرين وأفراد من الطواقم الحكومية.

ومثلت تلكما المجزرتان جريمتان من أبشع ما شهدته البشرية على وجه الأرض من جرائم قتل جماعية وحشية سُفِكت فيها دِماء الأبرياء، فبالنظر للطريقة وللكيفية التي أُرتُكِبت بها كل جريمة من هاتين الجريمتين، والوسيلة التي اُستُخدِمت في القتل والدوافع من وراء ارتكاب الجريمة وزمان ومكان وقوعهما، فهذا ما يجعل كل جريمة من الجريمتين ترقى إلى مصافِ جرائم الإبادة الجماعية التي اُرتُكِبت على مدى التاريخ الإنساني، كجريمة المحرقة (الهولوكوست) التي ارتكبتها القوات النازية في اليهود في معسكرات الاعتقال التي نصبها النازيون في ألمانيا وبولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الصربية ضد المدنيين من مسلمي البوسنة والهرسك خلال حرب الصرب ضد مسلمي البوسنة عامي 1994/ 1995، ومجازر القتل الجماعية التي ارتكبتها العصابات المسلحة في النزاع بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا بإفريقيا، وغير ذلك من جرائم الإبادة الجماعية، اُرتُكِبت في بلدان مختلفة من العالم.

إن مجزرة سناح كغيرها من مجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي وقعت في السنوات الأخيرة في اليمن كمجزرة مستشفى مجمع الدفاع (العُرضي) في صنعاء، التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من الأطباء والممرضين والمرضى ومرافقيهم، وكذلك مجزرة ميدان السبعين، ومجزرة كلية الشرطة، اللتين ذهب ضحيتهما المئات من الشهداء والجرحى من العسكريين ورجال الأمن، وكذلك جريمة قتل المقدم سعد بن حبريش، مقدم قبائل الحموم، ومرافقيه من القوات الشمالية في وادي حضرموت، وجرائم قتل المتظاهرين السلميين من أبناء الجنوب أثناء تظاهرات الحراك الجنوبي السلمي، وجرائم القتل التي وقعت في معسكر العند، ومنها جريمة مقتل القائد أبو اليمامة، وغير ذلك من جرائم قتل سابقة، فهي جميعها جرائم قتل تتصف بالوحشية والإبادة الجماعية.

وتشترك الجريمتان معا، مجزرة سناح ومجزرة مطار عدن، ليس في الذكرى السنوية لوقوعهما فحسب، بل أيضا - وذلك هو الأهم - في الوصف القانوني (التكييف القانوني) لِكُلٍ منهما، وأيضا في الاختصاص القضائي في محاكمة مرتكبي المجزرتين.
فمن جهة التكييف القانوني تتوافر في كُلٍ جريمة منهما التوصيفات القانونية التالية:

1) جريمة ضد الإنسانية:
لأن المستهدفين بالقتل في مجزرة سناح هم مواطنون يُراد الانتقام منهم بسبب ما يُطالبون به من حقوق وحريات أساسية منزوعة منهم أو منقوصة عليهم كالهوية الوطنية والمواطنة المتساوية والمشاركة في السلطة والثروة وحرية التعبير عن الرأي، ومناهضة كافة أشكال التمييز العنصري والمناطقي والقبلي والمطالبة بحقهم في العيش في حياة حرة وكريمة وآمنة. أما جريمة مطار عدن فقد كان المستهدف بالقتل هم رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهي السلطة التنفيذية في الدولة المسؤولة عن رعاية مصالح الناس وخدمتهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم وإنجاز مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وتوفير الأمن والاستقرار في المجتمع وغير ذلك من مهام .

2) جريمة إبادة جماعية :
لأن مجزرة سناح وقعت على جمع كبير من المواطنين المدنيين أثناء حضورهم مجلس عزاء، وكانت وسيلة القتل التي استخدمت في ارتكاب المجزرة هي الدبابة حيث أطلقت قذائفها مباشرةً على المواطنين المتجمعين في مجلس العزاء بشكلٍ عشوائي، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، والدبابة هي سلاح تدميري إذا اطلقت قذائفها على تجمعات من البشر فمن شأنها أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية، وكذلك الحال في مجزرة مطار عدن، التي استهدفت قتل رئيس وأعضاء الحكومة ومساعديهم من مدنيين وعسكريين وجمع كبير من المسئولين المدنيين والعسكريين والمواطنين بقذائف صاروخية، ولذلك فهي حريمة إبادة جماعية.

3) جريمة حرب:
لأن القوات التي قامت بارتكاب مجزرة سناح هي في الأصل قوات حرب غازية، أسقطت الوحدة التي قامت سلميا بين دولتين، واجتاحت الجنوب بالحرب التي شنتها عليه عام 1994م وأحتلته منذ 7/7 من نفس العام ورابطت فيه وازدادت أفرادا وعدة وعتادا، وعاثت في الجنوب فسادا منذ ذلك اليوم، ولم تستجب قياداتها السياسية للقرارات الدولية والإقليمية بإيقاف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات لحل النزاع سلميا بين الطرفين الشريكين في دولة الوحدة، ولم تنفذ تلك القرارات، بل تم غزو الجنوب واحتلاله، وتفاقمت معاناة ومظالم الشعب في الجنوب، مما أدى إلى انبثاق حركة احتجاج شعبية واسعة في طول الجنوب وعرضه، وتطورت إلى ثورة شعبية تُطالب باستعادة الدولة. بينما مجزرة مطار عدن وقعت في أثناء الحرب الدائرة في البلاد؛ ولذلك فهي جريمة حرب وفقا للقانون الجنائي الدولي.

أما من جهة الاختصاص القضائي للتحقيق في هاتين المجزرتين ومحاكمة مرتكبيهما:

فالأصل أن القضاء الوطني هو المختص بالتحقيق والمحاكمة وفقا للدستور والقوانين النافذة، ولأن السلطات المختصة في الدولة عجزت عن القيام بواجبها في إلقاء القبض على مرتكبي المجزرتين وإحالتهم إلى القضاء الوطني للتحقيق معهم ومحاكمتهم طبقا للقانون – رغم علم السلطة بالجهة والأشخاص الذين ارتكبوا مجزرة سناح – ونظرا لأن البلاد تعيش في حالة حرب سبع سنوات مستمرة، وموضوعة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتحت الوصاية الدولية، ونظرا للوضع المتردي الذي يمر به القضاء في البلاد في الوقت الحاضر، مما يجعله عاجزا عن محاكمة مثل هذا النوع من الجرائم؛ لذلك فإن الحل الصحيح لضمان نظر هاتين الجريمتين وغيرها من جرائم الإرهاب والاغتيالات وضبط مرتكبيها ومحاكمتهم، يكمن في أن تتقدم الحكومة إلى مجلس الأمن الدولي بطلب تشكيل محكمة جنايات دولية خاصة باليمن على غرار محكمة الجنايات الدولية الخاصة بلبنان، التي شكلها مجلس الأمن الدولي بناءً على طلب الحكومة اللبنانية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومرافقيه، وكذلك على غرار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة التي شكلها مجلس الأمن الدولي لمحاكمة المجرمين الصرب، الذين ارتكبوا المجازر بحق مسلمي البوسنة والهرسك، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجمهورية رواندا التي شكلها مجلس الأمن الدولي لمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية خلال النزاع الذي كان دائرا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي.

وجديرٌ بالذكر أن هذه المحاكم الجنائية المذكورة حققت الأهداف من وراء تشكيلها بإلقاء القبض على المجرمين ومحاكمتهم والحكم عليهم، ووضعت حدا لمثل هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة، وبالإضافة إلى ذلك فقد ساهمت تلك المحاكم في وقف وإنهاء الحروب الداخلية التي كانت دائرة في تلك الدول المعنية.

وبما أن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، لا تسقط بالتقادم الزمني، لذلك يتعين على السلطات المختصة في الدولة، وعلى وجه الخصوص اللجنة الوطنية العليا المكلفة بالتحقيق في مثل هذا النوع من الجرائم، وفي قضايا انتهاكات حقوق الإنسان عموما أن تولي جل اهتمامها وعنايتها لمجزرة سناح البشعة، ومجزرة مطار عدن، ورصد ما سبقهما وما أعقبهما من مجازر قتل واغتيالات، وتوثيقها وإجراء التحقيقات فيها؛ تمهيدا لإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة باليمن، إن تم تشكيلها مستقبلا من قبل مجلس الأمن الدولي بناءً على طلب الحكومة، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب. ومما لا شك فيه، إن المحكمة الجنائية الدولية بما تملكه من إمكانيات وما تتمتع به من صلاحيات، وفقا للقانون الدولي الجنائي – ومن خلال مجلس الأمن الدولي – واستنادا إلى السوابق الدولية في محاكمة مرتكبي مثل هذه الجرائم في كمبوديا ويوغوسلافيا السابقة (البوسنة والهرسك) ورواندا ولبنان، فهذه المحكمة إن تم تشكيلها ستكون قادرة بكل تأكيد على رصد جرائم الإرهاب وتعقب الجناة وإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم وإصدار الأحكام الرادعة في حقهم وهو ما سيؤدي إلى القضاء على الظواهر الإجرامية والإرهابية الخطيرة، وتثبيت أسس الأمن والمساهمة في إنهاء الحرب الدائرة منذ سبع سنوات وتحقيق السلام والاستقرار في ربوع الوطن، وذلك بدلا من تشكيل لجان للتحقيق. وهو ما لا يجدي نفعا في القضاء على الإجرام ووقف النزيف الدموي والاقتتال والحروب الأهلية المأساوية المستمرة في الوطن.

*نائب رئيس المحكمة العليا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى