العقوبات الأمريكية تعجز عن تقويض تجارة النفط الإيرانية

> واشنطن "الأيام" العرب:

>

تواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطا داخلية لتشديد الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على إيران بحجة أن البلد الذي يدعم حماس ضد إسرائيل صدّر خلال الأشهر الأخيرة نفطا أكثر في 2023 قياسا بالأعوام الماضية.

ويؤكد التجار والمحللون والمسؤولون التنفيذيون في صناعة النفط أن تجارة “الخفية” للخام بين العضو في أوبك وثاني أكبر اقتصاد في العالم تتم عبر شبكات دفع ونقل موسعة، مما يجعل الولايات المتحدة تجد صعوبة في الوصول إليها.

وبعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب انسحاب أميركا من الاتفاق النووي في 2018، اضطرت طهران إلى مواجهة حملة “الضغط الأقصى” الأميركية، التي “سعت لإجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم”.

وهددت واشنطن على مدر السنوات الخمس الأخيرة بفرض “عقوبات” على الدول، التي لم تخفض وارداتها من النفط الإيراني إلى الصفر.

لكن على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وحتى مع شح البيانات المتعلقة بوضع النفط الإيراني بعد 2018، ارتفعت شحنات النفط بشكل مطرد، بفضل ما وصفه محللون “تخفيف الضغوط” الأميركية والطلب الصيني.

ووفق حسابات وكالة بلومبرغ، تقترب إيران الآن من الاستحواذ على المرتبة الثالثة بين منتجي منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية والعراق، حيث تتجه الغالبية العظمى من براميلها، أي أكثر من 90 في المئة، نحو ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وبلغ إنتاج النفط الإيراني في أغسطس الماضي 3.15 مليون برميل يوميا. وهذا هو الأعلى منذ 2018، وهو العام الذي أعادت فيه واشنطن فرض عقوبات على إيران، وفقا لعمليات مسح أجرتها رويترز وأرقام منفصلة من أوبك.

وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في بداية الحرب في غزة إنه “من الممكن اتخاذ تدابير جديدة ضد إيران”.

وبالرغم من مخاطر التضخم التي قد تنتج عن الضغط على روسيا وإيران تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، فقد يضطر بايدن إلى زيادة حدة التوترات.

وما ليس واضحا أكثر هو ما إذا كانت الولايات المتحدة فعليا قادرة على فعل الكثير لمواجهة تأثير دعم الصين لإيران.

ويؤكد مسؤولون على دراية بالفكر في دوائر الحكم بإيران أن صناع القرار ليسوا في عجلة من أمرهم لإحياء الاتفاق النووي مع القوى العالمية لتخفيف العقوبات على اقتصاد البلاد المعتمد على الطاقة، بعد أن ارتفعت أسعار النفط منذ أن غزت روسيا أوكرانيا.

ونسبت بلومبرغ إلى همايون فلكشاهي، كبير محللي النفط لدى مجموعة البيانات والتحليلات كبلر، قوله إن “التجارة بين الدولتين متطورة للغاية، مع وجود وسطاء، ما يُصعب فرض عقوبات من جانب الولايات المتحدة”.

لكنه يرى أن واشنطن بإمكانها استهداف الشركات التي تتعامل بشكل أكثر علانية أو وضوحا مع إيران، لكن العديد من هؤلاء الوسطاء كيانات صغيرة.

وأوضح أنه من الصعب معرفة من يجب معاقبته، بالتالي يمكن أن تفرض واشنطن عقوبات على المصافي المحلية المستقلة وحتى شركات النفط المحلية مثل سينوبك الصينية، لكن هذا سيثير المزيد من المشكلات السياسية في ظل العلاقات المتوترة بالفعل.

وخلال الأسابيع الأخيرة أدرجت الحكومة الأميركية شركات لها مقرات في دولة الإمارات على القائمة السوداء بسبب تعاملاتها مع روسيا.

كما فرضت عقوبات على ناقلتي نفط ومالكي السفن بسبب انتهاك سقف أسعار النفط، الذي فرضته مجموعة السبع على الخام الذي يتم تصديره من روسيا.

ومع أن هذه الإجراءات أثارت حالة من الإحباط داخل صناعة النفط، لكن المتداولين يقولون إنها لن تقوض تجارة الخام مع مواصلة جهات أخرى، بما فيها المئات من السفن تحت ما يسمى بـ”أسطول الظل”، العمل في هذا الأمر.

ويوضح هذا الوضع محدودية نفوذ واشنطن، وفي الوقت ذاته ينطبق هذا الأمر على إيران والصين، في ظل أعوام الخبرة الكبيرة لديهما في هذه الصناعة.

وحتى الآن لم تتأثر التجارة بين طهران وبكين وكذلك بالعقوبات التي فُرضت على شركات في سنغافورة وماليزيا بداية 2023.

ولعبت مزاعم التحايل دورا في تسهيل بيع وشحن نفط وبتروكيماويات بالملايين من الدولارات نيابة عن شركة لها صلات معروفة بإيران، واستمر ارتفاع التجارة بين البلدين.

وقال رافايلو بانتوتشي، زميل بارز في كلية أس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إنه “ربما يصعب على الولايات المتحدة إنهاء التجارة بين إيران والصين بشكل كامل”.

وأضاف “لكن يمكن للولايات المتحدة فرض ضغوط أكثر على الشركات الصينية إذا كانت التحقيقات مركزة والروابط محددة واتسع نطاق العقوبات، وفرضت واشنطن بالفعل عقوبات على كيانات صينية مختلفة”.

ولطالما استخدمت بكين مؤسسات مالية أصغر مثل بنك كونلون، وهو قناة صينية رئيسية للمعاملات مع الإيرانيين، لتسهيل التجارة وتقليل التعرض للكيانات الكبيرة ذات الروابط التجارية الدولية.

واستفاد المستوردون الصينيون في الوقت نفسه مؤخرا من تطوير بديل قائم على اليوان لغرف المقاصة الغربية، وهي منصة تعرف باسم “نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك”، التي أطلقها البنك المركزي لتسوية المطالبات الدولية.

ومن الناحية اللوجستية، توسع “أسطول الظل” المكون من سفن قديمة تنقل نفط الأنظمة الخاضعة للعقوبات إلى العملاء العالميين، ما يوفر خيارات أخرى أمام مشترين مثل الصين.

وفي الوقت الحالي ارتفع عدد السفن، بما فيها الناقلات الروسية وتلك الراغبة في تحميل خام الأورال ودرجات أخرى من النفط، إلى حوالي 600 سفينة.

ويقول فلكشاهي “إذا وجدت وسيطا وقررت أن تتعامل معه بقسوة، فسيغلق شركته، لكن العديد من الشركات هي كيانات وهمية لها مكاتب وهمية”.

وأضاف “يمكن لنفس الأشخاص إنشاء شركة جديدة أخرى بسهولة خلال شهر أو شهرين، وسيكون التأثير مؤقتا”.

ويعد انتعاش المبيعات أكثر علامة ملموسة إلى حد الآن على أن إيران تعيد فرض نفسها على الساحة، بينما لا تزال تعاني ماليا جراء سنوات الحصار الاقتصادي.

وتؤكد ميشال ميدان، مديرة برنامج الصين لأبحاث الطاقة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن الصين تستخدم أدوات مثل اليوان الرقمي وأسطول الظل باعتبارها “شريان الحياة للمنتجين”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى