> «الأيام» القدس العربي:

تكثر مؤخراً منشورات عن استعدادات الجيش الإسرائيلي للمرحلة التالية للحرب في غزة، المرحلة الثالثة التي تتضمن الانتقال من مناورة برية قوية إلى معركة أكثر تركيزاً. وحسب ما يلوح في الأفق، يدور الحديث عن تقليص ذي مغزى للقوات في غزة عن هجمات متوالية ضد أهداف حماس من فوق الأرض ومن تحتها، وعن اقتحامات واسعة وقصيرة لمراكز ثقل المنظمة وقيادتها. إضافة إلى ذلك، ستفرض منطقة فصل عميقة بالنار، تزيل التهديد البري المباشر عن بلدات الغلاف، بالتوازي مع جهد مشترك مع مصر لإغلاق أنفاق التهريب في محور فيلادلفيا. كما ستتواصل المعركة ضد حماس خارج غزة بهدف ضرب زعمائها ومصادر تمويلها وتسليحها.

المرحلة الثالثة عمليا هي حرب تآكل فاعلة، في الطريق إلى تحقيق أهداف الحرب – إبادة قدرات حماس العسكرية والسلطوية، كما تفيد التجربة الإسرائيلية في “يهودا والسامرة” حيث تطلب سنوات لتفكيك البنى التحتية الإرهابية بعد حملة “السور الواقي” وكذا التجربة العالمية في الحرب ضد داعش في العراق وسوريا: عندما نأتي لتجفيف مستنقع الإرهاب، لا توجد ضربة واحدة وانتهينا. لذا، فإن تصريحات السياسيين عن “الحرب حتى تصفية حماس” تصريحات مضللة، ما دمنا نشخص “الحرب” مع قوتها الحالية. إن هدف هزيمة حماس وتفكيكها سيستغرق أشهراً طويلة، إن لم يكن سنوات، والخطوة البرية الجارية الآن تضع أساساً لمواصلة المعركة.

إن الانتقال إلى المرحلة الثالثة سيوفر لإسرائيل فضائل، لكنه سيطرح عليها تحديات أيضاً؛ فانسحاب معظم القوات من غزة سيقلص خطر المراوحة المتواصلة، ولا يقل أهمية الإمكانية الكامنة للتورط والانجرار لاحتلال دائم للقطاع مع أخذ المسؤوليات عن السكان على عاتق إسرائيل. إن تسريح معظم جنود الاحتياط سيقلص كلفة القتال الهائلة بشكل يسمح للاقتصاد ولقطاعات حيوية العودة لأداء مهامها وإعادة تحريك الاقتصاد. فترميم عاجل للاقتصاد أمر حيوي لقدرة إسرائيل على ترميم بلدات الغلاف والاستعداد للتحديات الأخرى الواقفة على أعتابها، وهي تحديات مهمة ومعقدة بقدر لا يقل عن تفكيك حماس: إزالة تهديد حزب الله على بلدات الشمال وإعادة السكان إلى بيوتهم، ومعالجة سد الطرق البحرية من البحر الأحمر إلى إسرائيل من قبل الحوثيين، والتقدم في الصراع ضد البرنامج النووي الإيراني بخاصة على خلفية بيان أمس للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها عادت لترفع وتيرة تخصب اليورانيوم فيها. إضافة إلى ذلك، فإن الانتقال إلى المرحلة الثالثة كفيل بأن يسمح لإسرائيل بالانشغال في تصميم الواقع المستقبلي في غزة، المسألة العاجلة التي تتأخر عقب تعلق رئيس الوزراء بالجناح اليميني المتطرف في حكومته. لبناء بديل لحكم حماس في القطاع، بالتوازي مع الضربة المادية لها، فالمطلوب إذن فعل سياسي الذي بدونه ستضيع الإنجازات العسكرية على الأرض هباء منثوراً.

تدرك واشنطن والعالم بأن إسرائيل لن تعود إلى الواقع ما قبل 7 أكتوبر، وأن الحرب في غزة لن تتوقف بل ستغير شكلها. وفي الوقت الذي تصل فيه الخطوة البرية إلى ذروتها، فالمطلوب هو تنسيق توقعات مع الولايات المتحدة على التتمة، لأن المرحلة الثالثة كما يفترض الأمريكيون ستكون معركة مركزة (من الجو أساساً) واقتحامات صغيرة النطاق، بما في ذلك انسحاب كل القوات من غزة. بالتوازي، ستكون إسرائيل ملزمة بقلب كل حجر من أجل التقدم في الهدف الأعلى لتحرير المخطوفين. مع الانتقال إلى المرحلة الثالثة، لا بد أن يخطئ السنوار ويعتقد بأن إسرائيل ضعفت. واجبنا أن نثبت له بأنه مخطئ مرة أخرى: لن يكون هناك وقف نار دائم، مثلما يطالب، وستصمم على ضرب حماس على مدى زمن غير محدود، الزمن لا يلعب لصالحه، ومن الصواب أن يصل إلى صفقة مخطوفين في أقرب وقت ممكن.

وأخيراً، الانتقال إلى المرحلة التالية، الأكثر تركيزاً والتي ستسمح لإسرائيل بإعادة إطلاق “اليوم التالي” في الساحة الداخلية أيضاً، والبدء بالتحقيقات العسكرية – الضرورية أيضاً لمواصلة القتال – وإجراء حساب نفس جماهيري. إن تغيير الحكومة فوق كل شيء اعتبار أمني، لأن الحكومة التي تتحمل المسؤولية العليا عن القصور الأعظم في تاريخ الدولة ستكون بشكل محتم مصابة باعتبارات سياسية غريبة. هذه ليست سياسة، بل حاجة وجودية.

عاموس يدلين

يديعوت أحرونوت