هآرتس: آخرهم موسوي.. لهذا تمتنع إيران عن الرد على سلسلة طويلة من تصفية قادتها

> «الأيام» القدس العربي:

> في بداية تشرين الثاني التقى إسماعيل هنية في طهران الزعيم الأعلى علي خامنئي لمناقشة التعاون الإيراني في حرب غزة. وحسب تقرير لـ”رويترز”، فإن خامنئي أوضح لهنية بأن إيران “لن تشارك في الحرب لأن حماس لم تبلغ إيران عن نيتها. ولكنها ستعطي حماس الدعم السياسي والمعنوي”. إيران لم تنف ما جاء في التقرير، واستغرقت حماس عشرة أيام قبل نشر نفي لمضمون اللقاء.

أمس عندما أعلن المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، رمضان شريف، بأن هجوم 7 أكتوبر جاء انتقاماً على قتل قاسم سليماني، قائد قوة القدس الذي تمت تصفيته في تفجير أمريكي في كانون الثاني 2020، تفاجأت قيادة حماس بدورها الآن. هذه المرة انتظرت حماس بضع ساعات قبل نشر نفي قاطع جاء فيه “جميع نشاطات المقاومة الفلسطينية تأتي رداً على الاحتلال واعتدائه المتواصل على الشعب الفلسطيني والأماكن المقدسة”. يبدو أن إيران أدركت أيضاً أن هذا البيان الغريب للمتحدث بلسان وزارة الخارجية شريف، لا يناقض سياسة النظام فقط، بل يعقد العلاقات بين إيران حماس. وبعد فترة قصيرة على النشر، اختفت أقوال شريف من التقارير في وسائل الإعلام الرسمية وكأنها لم تكن.

إيران تتمسك حتى الآن بالسياسة التي وضعتها منذ بداية الحرب والتي تقول إنها لن تشارك في القتال بشكل مباشر، وإنها ستكتفي بموقف “المراقب” وستقوم بتنسيق تصريحاتها مع تصريحات الدول العربية التي تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، ومساعدة الفلسطينيين في غزة والمضي بحل سياسي كما نصت على ذلك القرارات التي اتخذها مؤتمر القمة العربية – الإسلامية في تشرين الثاني الماضي. في موازاة ذلك، أوضحت طهران أن “المقاومة تتخذ قراراتها بشكل مستقل”، أي بدون أي تنسيق أو توجيه من إيران.

على خلفية هذا الموقف، أعلن حسن نصر الله أيضاً بأن طبيعة وحجم المواجهة مع إسرائيل سيكونان مرهونين بنوع الأضرار التي تلحقها إسرائيل بلبنان، وليس بغزة. أي أن المس بالمواطنين اللبنانيين سيتم الرد عليه بالمس بالمواطنين الإسرائيليين والأهداف المدنية الإسرائيلية. التصعيد في الشمال مهما تعاظم، ما زال يحافظ على هذه الخطوط. يهاجم حزب الله بلدات إسرائيلية وأهدافاً عسكرية، وترد إسرائيل بنفس الأسلوب، لكن حزب الله يوضح في كل تصريحاته العلنية بأن الأمر يتعلق “بمواجهة بين لبنان وإسرائيل”، وليس رداً على نشاطات الجيش الإسرائيلي في القطاع.

في العراق، تستمر المليشيات الشيعية في مهاجمة أهداف أمريكية. وفي هذا الأسبوع، للمرة الأولى بعد فترة طويلة، قامت قوات جوية أمريكية بمهاجمة أهداف لمليشيا “كتائب حزب الله” في العراق (يجب عدم الدمج بينها وبين حزب الله اللبناني). وهنا يوضح رؤساء المليشيات بأن الأمر يتعلق بمواجهة عراقية – أمريكية بدأت منذ الحرب في العراق في 2003. “القوات الأمريكية تدعي أن وجودها في القواعد العراقية يقوم بدور المستشارين، لكن الواقع ينفي ذلك. هي تعمل بصورة عسكرية على أراضي العراق لفرض الإرادة الأمريكية على الفضاء السياسي والأمني فيه”، قال المتحدث بلسان المليشيا.

عندما بدأت الحرب في غزة، تعهد الأمين العام لـ “كتائب حزب الله”، حمد محسن الحميداوي، بأن “صواريخنا ومسيراتنا وقواتنا الخاصة مستعدة لمهاجمة العدو الأمريكي في قواعده إذا تدخل في المعركة”. أيضاً هنا، مثلما في لبنان، تمسكت السياسة العلنية للمليشيات بالاستراتيجية الإيرانية، التي ترى في المواجهات المباشرة مع “العدو القريب” الأمريكي حسب “مصالح العراق” وليس كحرب ضد إسرائيل بسبب الحرب في غزة. واستثناء لذلك، إطلاق المسيرة التي هاجمت السفينة التجارية في بحر العرب، التي حسب بيان البنتاغون انطلقت من إيران. وإيران نفت.

الجهة الوحيدة من بين الشركاء في “محور المقاومة” (باستثناء حماس والتنظيمات الفلسطينية) التي أعلنت محاربتها مباشرة ضد إسرائيل من أجل الفلسطينيين وضد نشاطات الجيش الإسرائيلي في غزة هم الحوثيون في اليمن، الذين يحاولون فرض الحصار على الملاحة في البحر الأحمر. أول أمس، تم اعتراض 17 محاولة ضرب بواسطة صواريخ ومسيرات لسفن أبحرت في الخليج. تدعي إيران من ناحيتها بأنها لا تسيطر ولا توجه نشاطات “محور المقاومة”، وهي بذلك تحاول تحديد مجال نفيها الذي حسب رأيها يحميها من مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

لكن قوى إقليمية مسلحة (مثل المليشيات الشيعية وحزب الله التي تمولها وتسلحها إيران، ومثل الحوثيين الذين يعتمدون على التسليح والتكنولوجيا الإيرانيين، لكنها تطبق أجندة محلية مستقلة وهي ليست بحاجة إلى التمويل الإيراني)، لا تعتبر ضمانة لئلا تتحول إلى عبء وتجر إيران إلى مواجهة مباشرة. إن توسيع المواجهة بين المليشيات الشيعية والقوات الأمريكية قد يواجه برد أمريكي هجومي أشد، لا يكتفي بإلحاق ضرر ما بعدد من قواعد المليشيات.

كذلك المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، التي ستجد إيران صعوبة في تقدير متى سيتم تجاوز الخطوط الحمراء وما هي الحادثة المخطط لها أو العرضية التي ستحطم معادلة الرد التي تملي قوة النيران بين الطرفين. فإيران تجد صعوبة في تقدير هل ومتى ستجبر هجمات الحوثيين في البحر الأحمر القوات البحرية الدولية برئاسة الولايات المتحدة على أن تضع إيران نفسها على لوحة الأهداف، خاصة بعد أن هدد نائب قائد حرس الثورة، محمد رضى نقدي، هذا الأسبوع، بأن حرية الملاحة في البحر المتوسط ستتضرر إذا ما استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في ارتكاب الجرائم في غزة. مشكوك فيه إذا كان نقدي، الذي كان في السابق قائد الباسيج، قوة المتطوعين في حرس الثورة الإيراني، قد نسّق هذا التصريح مع الزعيم الأعلى أو مع وزير الخارجية الإيراني، لكن هذه التهديدات يعتبرها الغرب سياسة إيرانية رسمية.

في المقابل، إدارة عدة ساحات للمواجهة بشكل محسوب مع الحفاظ على هامش النفي، تلزم إيران بالحرص على ألا تجرها أي ساحة لتورط مباشر في الحرب. نسيج الاعتبارات هذا قد يهتز إذا تحولت إيران نفسها إلى هدف مباشر، كما في حالة اغتيال الجنرال رضي موسوي، قائد “فيلق القدس” في سوريا. موسوي الذي كان مقرباً من قاسم سليمان، والمسؤول عن نقل السلاح من إيران لحزب الله، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة، لم يمض على تعيينه سوى سنتين في هذا المنصب الرفيع، ولكنه انشغل بشؤون سوريا ولبنان منذ أكثر من عقدين. ولكنه يعتبر بذلك “هدفاً نوعياً”، وكان إبعاده سيمس بنجاعة إدارة الساحة السورية واللبنانية، بل إن تصفيته تعتبر ضربة قاسية لهيبة إيران.

يبدو أن ضرب “هدف نوعي” مثل تصفية قاسم سليماني أو ضرب رئيس المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده في تشرين الثاني 2022، ترفع نسبة التوقعات للانتقام الكبير، كما أعلن وزير الخارجية الإيراني “يجب على إسرائيل أن تستعد للعد التنازلي”. ولكن إذا كانت تصفيات سابقة نسبت لإسرائيل قد سجلت في صفحة الحساب التكتيكي الطويلة لدى إيران بشكل مباشر ضد إسرائيل (التي هي غير مرتبطة بالضرورة بالعداء الأيديولوجي المتجذر ضدها)، فإن الظروف هذه المرة مختلفة.

الرد الإيراني، إذا جاء، سيأخذ في الحسبان الواقع الإقليمي الذي صنعته الحرب في غزة، وخطر أن يكون ردها شرارة اندلاع مواجهة مباشرة مع إسرائيل. إيران رغم التصريح الغريب الذي أصدره المتحدث بلسان وزارة خارجيتها حول الحرب في غزة وتصفية سليماني، فإنها لم ترد حتى اللحظة الرد المناسب على هذه التصفية، وحتى على تصفية فخري زاده. ولكن إذا كانت الصعوبة حتى الحرب في غزة هي أساس القدرة التنفيذية، فقد أضيف الآن اعتبار استراتيجي يلزم إيران بأن ترى في التصفية إضراراً معياًن بقدرتها على رعاية محور طهران – دمشق – بيروت، بل ونية إسرائيل بإثارة مواجهة شاملة مع حزب الله جراء هذه التصفية.

إيران يمكنها أيضاً التقدير بأن عملية الاغتيال نُفّذت بعد تشاور وتنسيق مع الولايات المتحدة، التي ستدعم إسرائيل إذا ما اندلعت حرب شاملة على الجبهة اللبنانية. هذه الاعتبارات لا تضمن عدم محاولة إيران ضرب أهداف نوعية إسرائيلية، لكنها توضح طبيعة القيود المفروضة على النشاطات الإيرانية نتيجة للحرب في غزة.

 تسفي برئيل

هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى